من تكون.. ؟
إب نيوز ٢٠ ذو الحجة
بقلم الشيخ/ عبدالمنان السنبلي.
توسط لإطلاق سراحها هنري كسنجر،
وأُعدمت بإيماءة واحدة من السادات،
وبكت لموتها جولدا مائير..؟!
فمن تكون..؟!
مع اقتراب الطائرة التي كانت تقلها من أجواء فلسطين المحتلة، تفاجأت بطائرات حربية صهيونية قد بدأت ترافق طائرتها، وهذا، طبعاً، لا يحدث إلا في حالاتٍ نادرةٍ جداً..
أن ترافق طائرات حربية لدولةٍ أو كيانٍ ما طائرة مدنية، فهذا يعني أن هذا القادم أو القادمة على متن هذه الطائرة المدنية شخصية مهمة جداً جداً، وعلى درجة عالية من الخصوصية…
لم تكن، في الحقيقة، قد تجاوزت بعد عامها الخامس والعشرين حين استقبلتها جولدا مائير في مكتبها وبالغت في إكرامها والإغداق عليها والإشادة بها وبخدماتها الجليلة للكيان..
وهنا السؤال:
ما الذي، يا تُرى، يمكن لمثل هذه الفتاة وفي هذا العمر أن تقدمه لحكومة وشعب مائير حتى تحظى بكل هذه المكانة والتكريم..؟!
جمالها.. ؟!
أم مالها.. ؟!
أم ماذا يا تُرى؟
لم يكن بصراحة ينقصها من ذلك كله شيئا،
فقد كانت فتاة فائقة في الجمال، ومن أسرةٍ أورستقراطيةٍ ثرية.
لم يكن، في الحقيقة، ينقصها فقط سوى قليل من المبادئ والقيم وحب الإنتماء إلى الهوية الإسلامية، والوطنية..
فأبوها الصعيدي الذي كان يشغل منصب وكيلٍ لوزارة التربية والتعليم في مصر، يبدو أنه قد فشل في أن يزرع في ابنته هذه، ذلك كله أو قدراً منه..
يا لسخرية الأقدار..!
أما أمها، فلم يكن في جعبتها شيء حتى تعطيه لفتاتها المغرورة هذه، فقد كانت تعيش في عالمٍ آخر من السمر واللهو و..
ما علينا..
المهم..
هنالك في باريس لم يكن قد مضى على وصولها طويلاً حتى تمكنت المخابرات الصهيونية من إصطيادها والإيقاع بها بكل سهولة، وبدون أن يكلفهم ذلك أكثر من مقابلة واحدة فقط..
لم يتمالك ضابط المخابرات الصهيوني المكلف بتجنيدها نفسه من الفرح حين أعلمته، وهي تسرد له بالطبع تقرير تفصيلي عن مجمل حياتها، بخبر ذلك الضابط والمهندس المصري الذي ما انفك يطاردها ويخطب ودها لعلها تقبل به لعله يخطبها، وإلى أي مدى كانت هي تصده وترده، بل قالت أنها لم تكن تعره أي اهتمام يذكر…
أين يعمل هذا الضابط..؟ سألها..
قالت: في عمليات سلاح الصاعقة المصري..
أين.. ؟! وكاد أن يقع على الأرض مغشياً عليه من هول المفاجأة..
فكأنما قد وجد ضالته هذه بمحض الصدفة..؟
على إثر ذلك، تم تكليفها بالعودة إلى مصر، والإتصال بذلك الضابط، والعمل على تجنيده..
وأمام استعلائها وغرورها، ومحاولة إظهار نفسها دائماً بتلك الفتاة المتشبعة بالثقافة الغربية، أراد ذلك الضابط الأبله أن يعوض ماكان يعتقد أنه بذلك نقص فيه بإظهار أهميته وأهمية مركزه في الجيش المصرى بأن كان يعرض عليها خرائط لمواقع وأماكن ومشاريع عسكرية حساسة، وهذا بالطبع ما كانت تنتظره وتأمله منه قبل أن تصارحه بحقيقة عملها الجاسوسي..
وهنا، وبذات الطريقة والسهولة التي تم الإيقاع بها، تمكنت هي، وبحرفية عالية وذكاء حاد من استدراجه والإيقاع به، والذي كان في شخصيته أضعف من أن يقوى على مقاومة إغراءاتها النفسية والمادية.
وفي لحظة، أصبح الإثنان مجندين وجاسوسين يعملان لصالح المخابرات الصهيونية.
وإذا بكل الإنشاءات والأشغال العسكرية المصرية الحساسة التي كان يشرف ذلك الضابط والمهندس المصري على بناءها وتشييدها استعداداً لخوض معركة رد اعتبارٍ جديدة مع الكيان الصهيوني تُقصف في لمح البصر..
وإذا بالجيش المصري، وكلما عمل سراً على نصب قواعد دفاع جوي أو إنشاء وتشييد قواعد عسكرية جديدة، يتفاجأ بقصف الكيان لها قبل أن ينتهي من أعمال بناءها، الأمر الذي أثار حفيظته وحفيظة المخابرات المصرية للبحث ومعرفة سر ذلك الأمر، ولكن بدون جدوى..
وجاءت اللحظة الفارقة، وبينما كانت تلك الفتاة في باريس، اعترضت المخابرات المصرية رسالة مشفرة كانت في طريقها إليها، كشفت المستور كله..
وتم الظفر بالمرسل..
تم الظفر بذلك العاشق الولهان، والذي ما لبث أن انهار بسهولة، واعترف بكل شيء..
تم التحفظ عليه سراً، لتبدأ بعد ذلك رحلة القبض على الفتاة، والتي نفذت بخطة محكمة وذكية، بدأت باستدراجها إلى ليبيا، ليتم إلقاء القبض عليها فور وصولها إلى مطار طرابلس الغرب، ونقلها مباشرة عبر طائرة خاصة إلى مصر..
ولم يكن عمرها بعد قد تجاوز سبعة وعشرين سنة حين تمت محاكمتها، والحكم عليها بالإعدام هي وذلك العاشق الولهان..
الغريب أنها، ومع ذلك، ولآخر لحظة في حياتها كانت على ثقة تامة من أنه سيتم إطلاق سراحها، وأن الكيان الصهيوني لن يتخلى عنها..
هكذا كانت تردد في السجن، لدرجة أنها لم تكن تهتم بشيء سوى الحفاظ على لياقتها وأناقة مظهرها وتصفيف شعرها و…
وفور إعلان الحكم عليها بالإعدام، سارعت جولدا مائير مستنجدة بوزير الخارجية الأمريكي وطالبة منه التوسط لدى السادات لإطلاق سراحها..
وصل كيسنجر إلى القاهرة وطلب راجياً من السادات العفو عنها، وإطلاق سراحها..
التفت السادات إلى رئيس مخابراته الذي كان حاضراً اللقاء ثم رد معتذراً لكسينجر قائلاً:
يا ليتك كنت اتقدمت شوي، دا الحكم اتنفذ اليوم الصباح..
فهم رئيس المخابرات المصري ما أراده الرئيس السادات، وقام على الفور بالإتصال بمدير السجن الذي كان يأوي تلك الفتاة معطياً أمراً بتنفيذ حكم الإعدام حالاً..
يعني: إيه حالاً يا فندم..؟ رد مدير السجن..
يعني: الآن.. أجابه رئيس المخابرات.
وحين وصل خبر إعدام هذه الفتاة إلى مائير، لم تستطع أن تتمالك نفسها، وبكت..
فهل عرفتم من تكون هذه الفتاة..؟
ومن يكون ذلك العاشق الولهان.. ؟
إنها: هبة سليم، واحدة من أخطر الجاسوسات على مر التاريخ..
لاحقاً تم تنفيذ حكم الإعدام أيضاً بحق ذلك العاشق الولهان المقدم صاعقة: فاروق عبدالحميد الفقي؛ لتنتهي بذلك حكاية مشروع حبٍ زائف قوامه العمالة والإرتزاق، وهكذا هي، بالطبع، نهاية كل من تسول له نفسه أو يظن أنه بالتجسس على وطنه وأمته لصالح الأعداء سيكون قادراً على أن يحقق أحلامه الشخصية، أو يفلت من العقاب والعار..
#معركة_ال_قوا_صم