إعلامي لبناني : ما هي رسائل وأبعاد إدخال اليمن صاروخا “فرط صوتي” إلى ميدان المواجهة؟
إب نيوز ٢٩ ذو الحجة
يشير استخدام اليمن لصاروخ فرط صوتي ضد سفينة إسرائيلية إلى تحوّل كبير في ديناميكيات القوة، ويتحدّى استراتيجيات الولايات المتحدة شركائها، ويعرض المزيد من التقدّم العسكري غير المتوقع في صنعاء.
ثمة رسائل سياسية وعسكرية، ولجهات مختلفة، تقف خلف عملية الإعلان والاستخدام الأول لصاروخ فرط صوتي
ما لم تعلّق عليه صنعاء في شهر آذار/مارس الماضي حول تقارير عن إجراء تجارب على صواريخ فرط صوتية، بات مؤكّدًا الآن، بعد إعلانها عن استخدام صاروخ باليستي فرط صوتي “حاطم – 2” في استهداف سفينة إسرائيلية في بحر العرب وإصابتها، وبذلك يكون اليمن من بين دول قليلة في العالم التي تصنع وتمتلك هكذا صواريخ، بغض النظر عن مدى تطوّرها.
لكن المهم، أمام هذا التطوّر، جملة الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي أرادت صنعاء إيصالها لأعدائها في الخارج، إن لجهة تموضعها ضمن محور المقاومة ومواصلتها عمليات الإسناد لقطاع غزة، أو لجهة العدوان السعودي – الإماراتي الذي لم تطو صفحاته بعد، لأسباب عدة، أو حتى العدوان الأميركي – البريطاني الذي تتعرّض له، وكذلك في ظل حالة التدخل الخارجي في شؤون اليمن وتشكيل ميليشيات ومجلس رئاسي يتلطى خلفه الأميركيون ودول في المنطقة لتحقيق مآرب سياسية تكتيكية وإستراتيجية.
إدخال صاروخ فرط صوتي إلى المواجهة، فما هو؟
بعد سلسلة تجارب أعلنت صنعاء عن استهداف صاروخ فرط صوتي سفينة إسرائيلية في بحر العرب – هدف متحرك – وهي بذلك تعلن عن امتلاكها هذا النوع من الصواريخ عمليًا، أي في عملية هجومية حقيقية وليس عملية تجريبية ضد هدف وهمي، فما هي الصواريخ فرط صوتية؟
-هي الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بمقدار بين 5 و25 ضعفًا، وتتميّز بقدرتها على المناورة وتغيير المسار ما يصعب على الدفاعات الجوية اعتراضها وإسقاطها.
ما هو “حاطم – 2” اليمني؟
هو جزء من أجيال عدّة، لم يكشف عنها، وبحسب الاعلام الحربي اليمني فإن الصاروخ وهو من صنع محلي، يتميّز بالتالي:
-نظام تحكم ذكي
-قدرة على المناورة
-السرعة: فرط صوتي
-يعمل بالوقود الصلب
-يمتلك عدة أجيال بمديات مختلفة
الدلالة والرسائل
ثمة رسائل سياسية وعسكرية، ولجهات مختلفة، تقف خلف عملية الإعلان والاستخدام الأول لصاروخ فرط صوتي.
فيما يتعلّق بالمواجهة مع الأميركيين وإسناد المقاومة الفلسطينية، يمكن تلخيص الرسائل على النحو التالي:
-أن صنعاء رغم تعرّضها للعدوان المباشر والحصار العالمي إلا أنها تواصل عمليات التطوير.
-أن صنعاء ماضية في تطوير المواجهة عبر إدخال تقنيات أكثر فتكًا ودقة، تعد الصواريخ الفرط صوتية إلى جانب تقنيات أخرى كالزوارق الانتحارية المسيّرة جزءًا منها.
-أن صنعاء قادرة إن تطوّرت المواجهة على توسيع رقعة الأهداف البرية والبحرية على حد سواء، ما يضع القواعد الأميركية والبريطانية في مرمى الضربات سواء داخل اليمن (الجزء المحتل) أو خارجه.
-أن صنعاء كجزء من تموضعها ضمن محور المقاومة فإنها تواصل إسنادها ليس لفلسطين فقط بل لأي جهة ضمن المحور تتعرّض لعدوان، إسرائيليًا كان أم أميركيًا.
إضافة إلى هذه الرسائل، فإن صنعاء تؤكّد مع تقدّمها في مراحل الإسناد وتطوير عمليتها على مواصلة تهشيم “قوّة الردع” الأميركية في المنطقة وتحديها، وهي بذلك تتعالى عن التفاصيل إن الداخلية أو حتى الخارجية فيما يتعلّق بهذه المرحلة فقط، وهو عامل مهم جدًا، يرى فيه الأميركيون خطرًا آنيًا ومستقبلًا، وهم يعبّرون عنه صراحة عند كل مناسبة، ويفهم ذلك من حجم رسائل الترهيب والترغيب التي تنقل إلى صنعاء عبر وسطاء لوقف عملياتها، بعد العجز الميداني وإقرار الأميركيين بأنهم يخوضون حربًا بحرية هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك خشيتهم من تعرّض مصالحهم للخطر حال تحوّل المواجهة في فلسطين إلى حرب شاملة.
على صعيد آخر، لاستخدام صواريخ فرط صوتية دلالات فيما يتعلّق بالعدوان السعودي – الإماراتي المستمر على اليمن، والذي لم يصل إلى خواتيم سعيدة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى عامل الضغط الأميركي الذي لا تخفيه الرياض، وعدم قدرتها على تخطيه.
قبل مدة، وجّه زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي، تحذيرًا صريحًا للسعودية من فتح أراضيها أمام الأميركيين للعدوان على اليمن، وأتى التحذير قبل مدة وجيزة من استهداف صنعاء لحاملة الطائرات الأميركية “أيزنهاور” في البحر الأحمر، قبل مغادرتها.
أبعد من إنجاز تقني
التحذير وإن كان مرتبطًا بنقطة محدّدة، لكنه يحمل دلالات حول مستقبل الصراع، خصوصًا بعد وقف العدوان في غزة، وعليه، فإن صنعاء من خلال الكشف عن قدرات عسكرية عالية المستوى كصواريخ فرط صوتية وقدرات صاروخية أخرى، وكثير منها لم يكن موجودًا، أو ربما كان بعضه موجودًا، خلال المواجهة المفتوحة على مدى سنوات فإنها، وبشكل غير مباشر، تنذر النظام السعودي بقدرات عسكرية فائقة الدقة، وما عجز عن مواجهته الأميركيون لا تقوى على مواجهته الرياض.
وبالتالي، يمكن تلخيص رسائل صاروخ “حاطم – 2” اتجاه العدوان السعودي على الشكل التالي:
-تنذر صنعاء النظام السعودي بمواجهة أقسى من سابقها حال بقى العدوان على اليمن قائمًا.
-أن صنعاء التي لم تخش الأميركيين بحرًا، وضربت في عمق الكيان الإسرائيلي لن تتوان عن توجيه ضربات موجعة في سبيل فك الحصار عنها.
-أن الفرص أمام الوصول إلى حل سلمي لن تكون مفتوحة.
-أن استغلال انشغال صنعاء بالمواجهة مع الأميركيين وإسناد المقاومة الفسطينية أمر مرفوض، ولا يجب الوقوع في تقديرات خاطئة.
إضافة إلى ما تقدّم، تعطي رسالة الصاروخ الفرط صوتي صورة عما تمتلكه جبهة المقاومة في المنطقة، وأنها ضمن عملها التكاملي والوحدوي تحت مسمى “وحدة الساحات” قادرة على توجيه ضربات مؤذية وضمن مساحة جغرافية واسعة جدًا.
إن قدرة اليمن على الصمود هي أيضًا دليل على قدرة البلاد على التكيّف والابتكار في ظل الظروف القاسية. ومن خلال دمج الصواريخ الفرط صوتية وغيرها من التقنيات المتطوّرة، مثل المسيّرة البحرية “طوفان 1” التي أغرقت السفينة “توتور” في البحر الأحمر، يبدو أن صنعاء لا تستطيع الدفاع عن نفسها فحسب، بل يمكنها أيضًا تحدي الخصوم بقدرتها على الردع.
إن الصواريخ الفرط صوتية في اليمن ليست مجرد إنجاز تقني لصنعاء؛ بل يمكن فهمها على أنها مناورة استراتيجية تغير ميزان القوى لصالح محور المقاومة وتعيد تشكيل المسار المستقبلي للحرب في المنطقة.
*خليل نصر الله
إعلامي لبناني