اغتيال إبراهيم الحمدي.. الرئيس الذي كان لابد أن يُقتل.!
إب نيوز ٨ ربيع الثاني
علي محسن حميد
للتذكير تم اغتيال إبر اهيم الحمدي رئيس مجلس القيادة في الجمهورية العربية اليمنية في ١١ اكتوبر ١٩٧٧ عشية ذهابه إلى عدن في أول مشاركة شمالية على مستوى القمة في احتفالات جمهورية اليمن الديمقراطية بالذكرى الرابعة عشر لثورة الرابع عشر من اكتوبر ولكفاحهم المسلح بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل من الاستعمارالبريطاني.
وللتذكير أيضا تحدث محسن اليوسفي وزير الداخلية في التليفزيون عن قدرة وزارته على منع الجريمة قبل وقوعها!!!. وللتذكير ثالثا فإن مشكلتنا اليوم هي مع نفس القوى التي تمنينا أن تتغير وهي التي اغتالت عمدا وببشاعة النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب رئيس الأركان وأيقونة صمود قوى حصار السبعين وافتعلت وحبكت طبقا لمعلومات عديدة منها رواية اللواء يحي مصلح مهدي في مذكراته، هجمات ٢٣و٢٤ اغسطس ١٩٦٨التي كانت عربون الولاء للسعودية وبعضها وهي معروفة بالإسم فرت من أداء واجبها العسكري أثناء حصار السبعين ثم عادت لتوشوش في إذن الفريق العمري عن خطورة هذا وتآمر ذاك ووجود تكتل طائفي ” ضدنا”. هذه القوى صفّرت مضامين ثورة سبتمبر وضخمت خزائنها وناصبت ثورة اكتوبر العداء ولم تقبل هي وجارتنا أن يقوم الحمدي كأول رئيس شمالي بأول زيارة عادية واجبة لعدن ضُخمت مراميها مقدما عمدا بزعم لم يكن له أساس وهو أن هدف الزيارة تحقيق الوحدة التي يحلو للبعض أن يكرر القول بأن اتفاقيتها كانت جاهزة للتوقيع بدون وفود تتحرك من لجان الوحدة الثمان من وإلى العاصمتين للإعداد ولتفادي تجاوز اتفاقيتي القاهرة وطرابلس ١٩٧٢ الملزمتين .تلك الزيارة كان يجب أن يقوم بها القاضي الإرياني في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧ للتهنئة باستقلال جزء من وطن هو الجنوب. في حينه اتسمت سياسة الإرياني بقدر من الشجاعة والكثير من الواقعية عندما اعترف بنظام الاستقلال وأرسل وفدا للتهنئة رغم مواجهته لمعارضة شرسة من قوى مؤتمري عمران وخمر التي كانت مبدئياً ضد ثورة اكتوبر وأرادت ابتلاع الجنوب،جغرافيا وديمغرافيا بدون أن تطلق رصاصة واحدة ضد الاستعمار لأن معابرها لاتطلق ضد النصارى.هذه القوى رأت في الجنوب أرض وقف ترثها هي. مراكز القوى المحافظة لم تكن تقبل خسارتها لمكتسباتها بعد انقلاب ٥ نوفمبر ١٩٦٧ ولم تكن لديها في نفس الوقت رغبة لترجمة أهداف الثورة إلى مشاريع بمايستطاع من الموارد المتاحة ولم تبذل حتى جهود خارج اليمن لمساعدة مناطقها بمشاريع تنموية أو على التخلص البطيئ من تركتي التخلف والحرب التي فرضت على اليمن من عام ١٩٦٢ وحتى عام ١٩٧٠ بل لم تطلب ولديها مجلس شورى( ٩٣ شيخ من ١٥١ عضو فيه) ادعى أنه يعبر عن مصالح الشعب ومنفصل عن السلطة التنفيذية تعويضات من الدولة التي شنت على اليمن الحرب وأرهقت مواردها بجانب موارد الشقيقة مصر. أتى الحمدي أو كما يزعم البعض أوتي به لكي يكون جسرا لطموح أسري- قبلي لحكم اليمن أو أداة بيد قوة قبلية متحالفة مع السعودية يسمع ويطيع لا أقل ولا أكثر. الحمدي غير السبتمبري ذو الخلفية الفقهية والتجربة القضائية في شبابه الذي سُجن لبرهة وجيزة بعد الثورة في إطار اعتقالات عشوائية وإعدامات باغية لم يتصور أحد أنه سيصبح قائدا لتغيير من خارج ضباط الثورة بعد أن طال اشتياق الناس لاستئناف علاقتهم بثورتهم وبأن يكون لهم قائد وطني. الحمدي لم يحقق معجزات بمعايير العصر ولكن كان تذكير الناس بالثورة وبأن الغد سيكون أفضل وبتوصيل المياه والكهرباء وبناء مدرسة ومستوصف ومستشفى وتعبيد طريق ترابي من المعجزات لدى المواطن. صرخ الحمدي ” أين الثورة” مرتين في خطابين وهو يرى بأم عينيه افتقاد الناس لهذه المشاريع البسيطة. الحمدي ارتكب من الكبائر أكبر من سلفه القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي كان مغضوبا عليه من السعودية و أقصي لرفضه تجديد التوقيع على اتفاقية الطائف مع السعودية عام ١٩٣٤ ولمطالبته السعودية بالكف عن منح المشايخ أموال تقوض دور الدولة المركزية وتسيئ إلى سمعتها وتضعفها وثالثا لمطالبته السعودية احترام السيادة اليمنية وعدم التدخل في شؤن اليمن الداخلية.
السعودية قبل حصار صنعاء كانت تراهن على حكمها لصنعاء عن طريق المشايخ واستمرت وربما لاتزال. وإذا كان مصير الإرياني كما نعرف قد نفذته الأدوات المحلية الموالية للسعودية فما بالنا بقائد أراد لمبادئ الثورة أن تُفعّل وأن يتبنى خطابا سبتمبريا وأن تكون له علاقة مباشرة بالناس يسمع منهم مظالمهم وتطلعاتهم ويفتتح مشاريع جد متواضعة لكنها كبيرة القيمة لدى المستفيدين منها. الحمدي لم يقبل الوصاية على شرعيته سواء من قوى محلية أو من الخارج، وقد اعتبر ذلك تمردا قبل بلوغ الحقبة السعودية مرحلة الهيمنة العابرة لحدود عربية عديدة.
لم تكن السعودية في وارد السماح للحمدي بمحاربة الفساد وتحجيم دور مراكز القوى وتطبيع علاقات الشمال بالجنوب أو قبول دور إقليمي للشمال كتجمع دول البحر الأحمر أو أن يكون للحمدي خطاب سياسي غير تقليدي في المنابر الدولية أو أن تعامل اليمن كدولة محترمة من قبل دول عربية وخليجية وغربية أو أن يراوغ في تنفيذ طلبها بالكف عن شراء السلاح السوفيتي.لكل ذلك كان لامناص من تصفيته جسديا ليكون عبرة لمن يأتي من خلفائه وليعلم اليمنيون علم اليقين أنهم اقتصادا وسياسة داخلية وعلاقات دولية رهائن لديها. ولم تكن صرخة الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية في تجمع قبلي كبير في خمر “هنا صنعاء” صرخة في واد أو خالية من دلالاتها السياسية التي اعتبرت الحمدي رئيساغير مرغوب فيه. دفع الحمدي وأخيه عبد الله ورفيقيهما زهرة والشمسي ثمن وطنيتهم ولكن الذاكرة الشعبية خلدتهم أما القتلة ففي مزبلة التاريخ إن كان للتاريخ مزبلة.