ميلاد أسطورة
ميلاد أسطورة
إب نيوز ١٩ ربيع الثاني
وفاء الكبسي :
ليحيى السنوار حكاية فريدة، سطَّر فيها اسمه في كتاب الخالدين، فنحن أمام رجل استثنائي ولد لكي يكون مقاتلًا اسطوريًا بكل ما تعنيه الكلمة، فقد خاض السنوار غمار التحدي والصعاب، ومر طوال حياته بتجربة تجلت في المساهمة الفعالة بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية بغزة في القرن الماضي، ثم وجد نفسه في سجون الاحتلال طيلة عقدين، قرأ فيها طبيعة العدو الإسرائيلي وتركيبته السياسية والفكرية والشعبية وتعلم اللغة العبرية، وألف العديد من الكتب والروايات، وتعد رواية “الشوك والقرنفل” من أبرز مؤلفاته التي تروي قصة النضال الفلسطيني، وحين خرج من الأسر (محرَّرا بسطوة المقاومة التي عشقها)، عاد يتقدَّم الصفوف ليفاجئ المحبين والأعداء مرّة إثر مرّة بتصدُّره لمعارك بطولية عديدة أخرها كانت معركة “طوفان الأقصى ” التي أذهلت العالم بأسره، وأدخلت الغزاة الصهاينة في حالة من البؤس لم يعرفوها في تاريخهم.
هذه السيرة الرائعة لم يكن لها أن تُتوج بغير الشهادة، والشهادة هنا كانت بعد مشاهد بطولية نسفت روايات الاحتلال، وسجلت أسطورة البطل الاستثنائي الذي لا يعرف الخوف، بطلًا حمل سلاحه وتقدّم الصفوف بين رجاله مقبلًا غير مدبر مدافعًا عن أرضه وشعبه، لابسًا جعبته متسلحًا ببندقيته، لم يختبأ في نفق تحت الأرض ولم يتخذ الأسرى دروعا بشرية كما إدعي صهاينة العرب وإعلامهم المنحط، فاستشهد السنوار كفارسًا اسطوريًا قل أن نجد له مثيل، استشهد وهو يقاتل بكل جسارة حتى الرمق الأخير كما ظهر في لقطات الفيديو كمشهد سينمائي ظهر للعالم أجمع صورة ملثم قاتل وحيدًا حتى الرمق الأخير دون أن يرفع راية بيضاء، فأصبح سيد طوفان الأقصى، وشكل نموذجًا فريدًا لبطل ملهم أسطوري عابر للزمان والمكان، فقد كانت لحظة موته هي البداية له لا الفناء، كيف لا وهو ارتقى شهيدًا في سبيل الله كما أراد فقد قالها يوما أنه يخشى الموت على الفراش مثل البعير أو بجلطة دماغية أو بحوداث طرقات لكنه لا يخاف من الموت في سبيل الله وهو يقاتل أعداء الأمة والإنسانية، والله إنها لنعمةٌ كبيرة أن تلقى الله كما يُحِبُّ وكما تُحِبُّ، و أن تكون نهايتك الدنيوية بدايةً لخلودك الأبدي، أن تلفظ أنفاسك بين من شاركوك مسيرة الألم والأمل، و أن تقول بلسانك ما تُصَدقُه دماؤك.
رحل السنوار رحيل يليق بقائد عظيم في صورة فريدة نسفت كل آمال العدو الصهيوني وتطلعاته لنهاية يحيى السنوار، أرادوه أسيرًا في مشهد إذلال وتشفٍّ، أو قتيلًا في نفق أو بين المدنيين أو في خيام النازحين ومراكز الإيواء، بيد أنّ الصورة التي نشرها جنود الاحتلال لغرض التفاخر والاستعراض كشفت عن قائد فريد ملهم أسطوري، فحق لفلسطين والأمة الإسلامية أن تَفخَر بهذا البطل الإستثنائي وللأجيال القادمة أن تحمل رسالته ورسالة من سبقوه حتى يكون النصر العظيم، ذلك النصر الذي نؤمن به، لأنه وعْد الله الحق.
فاح عبق شهادته في الآفاق وملأت نواحي الأرض صورة ميلاد أسطورة ستتناقلها الأجيال في كل ركن من أركان المعمورة، وستدرس سيرته في الأكاديميات العسكرية لبطل حارب طائرة بعصا بكل شجاعة واستبسال؛ ليظل حيا في ذاكرة التاريخ والشعوب، حاضرا في عمق القضية الفلسـطينية، وفي ميدان المقـاومة كأيقونة عظيمة لا يتكرر، جسد في مسيرته روح التضحية والفداء، وسطر في وجه الاحتلال الإسرائيلي بطولة فريدة واستثنائية ملهمة للأجيال وخالدة في الذاكرة وإلى الأبد، فسلام الله عليك يا أبا إبراهيم وعلى من سبقوك في درب الشهادة، وعلى من ينتظرون ولن يبدِّلوا تبديلًا.