مفتاح الشرق الأوسط الجديد بيد اليمن لا إسرائيل
إب نيوز ٢٧ ربيع الثاني
في العقود السابقة كانت الدراسات والأبحاث الجيوسياسية تتركز حول البحر الأحمر كممر حيوي ومفصلي في حركة التجارة العالمية، ومع ذلك، كانت القوى الأجنبية الكبرى هي من تسيطر على النقاشات وتتحكم في الأجندات المتعلقة بهذا الممر، مدفوعة بأطماعها في تأمين المصالح التجارية والعسكرية. وكانت الدول الكبرى، كالولايات المتحدة والدول الأوروبية، تولي اهتماماً كبيراً لنشر قواتها البحرية في هذا الممر لحمايته من أي تهديدات قد تؤثر على تدفق النفط والبضائع. في ظل هذه الديناميكيات، لم تكن اليمن تشكل رقماً في المعادلة الإقليمية رغم موقعها الجغرافي المتميز المطل على البحر الأحمر وخليج عدن
لكن اليوم، ومع التحولات التي شهدتها المنطقة، تغيّر الحديث تماما واصبح اليمنيون يفكرون حول كيف يمكن لبلدهم أن يصبح لاعباً إقليمياً وعالمياً مؤثراً قادرا على حماية الامن القومي العربي
لقد بدأ المحللون يرون في اليمن قوة صاعدة، ليس فقط بفضل موقعها الجغرافي، بل أيضاً بسبب تنامي قدراتها العسكرية والبحرية
ومع الانتصارات التي تسجلها اليمن في معركتها البحرية ضد العدوان البريطاني والامريكي فانها تثبت انها ليس مجرد دولة ذات موقع جغرافي متميز، بل قوة حقيقية تتنامى يوماً بعد يوم.
استطاعت اليمن أن تفرض معادلات عسكرية جديدة في مواجهة التحديات التي تمثلها كبرى دول العالم، حيث دخلت في مواجهات مباشرة مع العدوان البريطاني والامريكي مما عكس قدرتها على تحقيق التفوق الاستراتيجي على مستوى البحار وذلك خلال
“معركة طوفان الأقصى”، والتي جاءت دعما للمقاومة في غزة، حيث تستمر اليمن حتى الساعه في فرض حظرها على الملاحة الإسرائيلية
وبالإضافة إلى ذلك، أصبح مسرح العمليات البحرية خالياً من التواجد العسكري الأمريكي والبريطاني، وهو ما يعكس الفشل الاستراتيجي لتلك القوى في حماية الملاحة الإسرائيلية. فبعد أن أعلن الجيش اليمني عن تهديداته باستهداف أي قطع بحرية تتبع الولايات المتحدة أو بريطانيا، انسحب هذا التواجد بشكل ملحوظ. هذا الإجراء أظهر قوة الإرادة اليمنية في حماية سيادتها، وقدرتها على استخدام التهديدات كوسيلة لردع القوى الكبرى.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تمكنت اليمن من إلحاق خسائر بالغة بالقطع البحرية الحربية الأمريكية والبريطانية، حيث استهدفت عملياتها العسكرية الفرقاطات والمدمرات، ووصلت حتى إلى حاملة الطائرات “أيزنهاور”.
هذه الإنجازات العسكرية تعكس قدرة اليمن على تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة التكنولوجيا المتقدمة للقوى الكبرى. فالنجاح في استهداف حاملة الطائرات هو إنجاز غير مسبوق يُظهر تحسن القدرات العسكرية اليمنية وابتكارها في مواجهة الأعداء.
اليوم وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان بالتزامن مع خضوع العديد من الأنظمة العربية لإسرائيل وتنفيذ أجنداتها في المنطقة
وفي ظل الحديث المتزايد للمجرم نتنياهو عن شرق أوسط جديد، بناءً على الإرادة والرغبة الأمريكية والإسرائيلية، يظهر دور اليمن كقوة صاعدة ليشكل تحديا لهذه الرؤية
فعندما يتحدث نتنياهو عن شرق أوسط جديد، فإنه يتجاهل حقيقة أن اليمن، بقدراته العسكرية المتصاعدة، هو القوة التي يمكنها فعلياً أن تحدد مستقبل المنطقة، وليس إسرائيل أو القوى الأجنبية.
إن اليمن، بقدرتها على تطوير نفوذها العسكري وتأمين مصالحها البحرية، تشكل اليوم التحدي الأكبر أمام الأطماع الخارجية التي تسعى لفرض إرادتها على الشرق الأوسط. هذا الواقع يعزز مكانتها كلاعب إقليمي لا يمكن تجاهله، وبالأخص في ظل الحديث عن إعادة تشكيل المنطقة وفقاً للمصالح الإسرائيلية والأمريكية.
و إذا كان ثمة شرق أوسط جديد يتشكل في الأفق، فإن اليمن قادرة على أن تكون أحد العوامل الأساسية في صياغته، وليس مجرد متفرج في مسرح الأحداث.
فاليمن تمتلك الكثير من نقاط القوة لتشكيل واقعا عربيا مناهضا للهيمنية الامريكية و الاسرائيلية والغربية ولعل ما تثبته القوات المسلحة اليمنية من قدرات عسكرية تكبد العدو البريطاني والامريكي خسائر كبيرة في مسرح العمليات البحرية جعلت من الصعب على أي قوة خارجية التحكم في الممرات المائية التي تشرف عليها هذا التحول لم يمنح اليمن فقط القدرة على حماية مصالحه، بل أيضاً على لعب دور رئيسي في أي ترتيبات أمنية إقليمية.
اذن القدرة اليمنية على التأثير في هذا الطريق الحيوي تعني أن اليمن يمتلك مفاتيح التأثير على الاقتصاد العالمي.
ومن الجانب العسكري، يمتد تأثير اليمن إلى قدرته على التحكم في جزء من “فتيل” النفط الخليجي. في حالة تصاعد الصراع، يمكن لليمن استهداف المنشآت النفطية السعودية، وهي الحليف الرئيسي في المنطقة، لامريكا واسرائيل والغرب
وقد رأينا في السنوات الأخيرة كيف يمكن للهجمات على المنشآت النفطية في المنطقة أن تسبب اضطرابات هائلة في إمدادات النفط. أي استهداف ناجح للبنية التحتية النفطية السعودية، أو تعطيل حركة ناقلات النفط في هذه المنطقة، يمكن أن يؤدي إلى صدمات في السوق تؤثر على الأسعار العالمية. فقد شهد العالم في السابق، خلال أزمات مثل الهجمات على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، كيف أن أي تعطل في إمدادات النفط من الخليج العربي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط على الفور، ويدفع الحكومات والشركات في أنحاء العالم إلى البحث عن بدائل قد تكون محدودة.
صحيح ان الشرق الاوسط الجديد الذي يتحدث عنه نتنياهو يتمحور حول دمج الكيان الاسرائيلي في المنطقة وفقا لاتفاقية ابراهام والتي تركز في جوهرها على تشكيل تحالف عسكري وامني ضد دول محور المقاومة
لكن الصحيح ايضا ان اليمن ترى في هذا المشروع تهديدا حقيقيا لأمنها القومي لاسيما ان السعودية ستكون ضمن هذه الدول المطبعة
بالتالي لن يقف اليمن متفرجا أمام هذه المخاطر التي تهدد امنه واستقراره
في النهاية، يظهر أن الرؤية الإسرائيلية حول الشرق الأوسط الجديد، التي تسعى لفرض سيطرة سياسية واقتصادية تخدم مصالحها، قد تصطدم بصعود قوى إقليمية مثل اليمن التي ستمضي في طريقها لتشكيل توازن جديد في المنطقة، توازن مبني على موقعها الاستراتيجي وقوتها العسكرية المتنامية. بهذا، يتضح أن الحديث عن “شرق أوسط جديد” دون احتساب اليمن ضمن معادلة القوى سيكون غير واقعي، وأن صنع مستقبل المنطقة يجب أن يكون وفقاً لإرادة الشعوب وقواها الفاعلة، وليس بناءً على مصالح قوى خارجية.
*كامل المعمري
صحفي متخصص في الشأن العسكري