السنوار.. طوفانان واستشهاد
إب نيوز ٢٨ ربيع الثاني
دينا الرميمة
مخطئ من يصدق أن للصدفة يدًا باغتيال القائد يحيى السنوار، حسب توصيف الكيان الصهيوني للمعركة التي خاضها السنوار معهم وحيدًا إلا من سلاحه وبعض قذائف ولثام أضاع به عليهم فرصة اعتقاله وعصا كانت طلقته الأخيرة على طائرة أتته تستطلع حجم قوته التي جعلتهم يخشون اقتحام موقعه إلَّا بعد يوم وبعد ما أمطروه بقذائف دباباتهم، وارتقاء مقامات الشهادة خواتيم عمر قضاه بين السجون ومعارك تحرير وطوفان هوى بهيبتهم في قعر سحيق صباح السابع من أُكتوبر العام الماضي، أعاد للذاكرة قضية فلسطين، وطوفان آخر صنعه السنوار من بين ذهول اللحظة ونشوة ظنها الجيش الصهيوني نصراً؛ فهرع يوثق مشهد الاغتيال للعالم، وما كانت إلا هزيمة ضمن هزائم كثر ألحقها الصهاينة بأنفسهم منذ العملية العسكرية التي شنوها على غزة، وصك براءة للسنوار من شائعات صورته جباناً يختبئ بالأنفاق ويتحصن بالرهائن ويتلذذ بمعاناة غزة وسكانها!!
وبالتالي نحن نعلم ويعلمون أن العملية العسكرية التي برز لهم فيها السنوار مقاتلًا وجهاً لوجه، ليست إلا معركة ضمن العملية العسكرية التي شنوها على غزة تسوقهم شهوة الانتقام وطموح يعيد العافية لهيبتهم التي سحقها الطوفان!!
القضاء على السنوار كان هدفه المعلن ظناً أنه نهاية مقاومة وبداية استيطان لغزة، عاقبته نكبة تضم غزة ضمن مدن “إسرائيل” الدولة الطارئة على التاريخ والخارطة!!
وبكل ما أوتوا من قوتهم وقوة الغرب وصمت العرب، الذين تركوا غزة تقاتل وحيدة، وتدافع عن كرامة أُمَّـة ومجد عربي مضى، الصهاينة يقتلون ويدمّـرون ويتحسسون أثر السنوار فوق وتحت غزة التي طوتها صواريخهم وجنودهم شبرًا شبرًا!!
أزهقوا فيها ما يقارب الخمسين ألف روح اختلطت فيها دمائهم مع ركامات الدمار، وكلفتهم ثمناً باهظاً من الخسائر بدءاً من مليارات الدولارات المنفقة على الحرب، وخسارة الكثير من قادة جيشهم وجندهم، ورهائن قالوا إنهم يبحثون عنهم، ودول وشعوب لطالما كانوا متيمون بما يسمى دولة “إسرائيل” منذ نشأتها على رفاة الدولة الفلسطينية!!
أضف إلى خسارتهم مسمى الديمقراطية التي لطالما حاولوا إلصاقها بأنفسهم، وسمعة جيش قالوا إنه الأكثر إنسانية وأخلاقًا فعاد بمسمى الجيش الأكثر إجراماً لدولة قتلت كُـلّ معنى للسلام وقوانين الإنسانية وتجاوزت كُـلّ الخطوط الحمراء، فتحت على نفسها الحرب في أكثر من جبهة وحرب ثانية مع لبنان جعلت أبواب مدنها مفتوحة على مصراعيها لنيران مقاومة دول المحور وصواريخ كسرت حصونها التي أعطتها نوعاً من القداسة وجعلتها محطة للسياحة وَالاستثمار طيلة عقود سبعة!! فاعتلاها الدمار والخوف؛ ما تسبب بهجرة الآلاف من المستوطنين في هزيمة أُخرى أراد بها “ناتن ياهو” تهجير الغزوايين فانقلبت على مستوطنيه والمستثمرين، مخلفين خسائر للاقتصاد الصهيوني، وانهيار سمعة أنظمة دفاعاتهم الأشهر عالميًّا!!
وبالتالي فإن كان هناك من صدفة فهي الصدفة التي صنعها السنوار بلثام أضاع عليهم فرصة اعتقاله، التي ربما أنهم وعلى غرار الصورة التي كبل فيها الطوفان جيشهم وأظهره للعالم خائفاً مرتعد الفرائص، تمنوا أن يأتوا بالسنوار أسيراً مكبلاً بقيود حقدهم إلى زنازين أعدوا له فيها أصناف العذاب والتنكيل أسوأ من تلك التي وسبق أن قضى فيها ثلث عمره، إلَّا أن الأقدار شاءت أن تمحنه حياة وَيقود فيها طوفان وطوفان.
لا يعلم أحد غيرهم كم روح خبيثة اجتثها قبل أن يرحل بتلك الصورة التي أظهرته بطلاً على كرسي الشهادة ينزف للعالم كُـلّ معاني التضحية والفداء بين رمق الحياة الأخير والرمق الأول للشهادة.
وربما قد يكون نال جسده من التنكيل ما يطفئ شهوة الانتقام، كما نالت قنابلهم من المبنى الذي دارت فيه المعركة علهم يمحون رمزيته التي اخترقت حدود الزمان والمكان وطوت ذاكرة التأريخ واستقرت في أذهان الأمم كُـلّ الأمم، كثائرٍ لفحته شمس المخيمات، ورسمت تجاعيد وجهه غربة السجون نموذجاً رائعاً لمعنى أن تكون مقاوماً في سبيل قضية عادلة، شرف لا يعرفه الشامتون بدماء الشهداء قادة وجنداً، تركوا بصمتهم على كتف الزمن معمدة بدماء أثبتت أن المقاومة فكرة إن مات حاملوها فهي أبدًا لن تموت