الأمر النافذ !

إب نيوز ٢ يناير

 عبدالملك سام –

كنا نمشي أنا و(فؤاد)، في ذلك الشارع المزدحم، ولكن ما إن انعطفنا إلى أحد الشوارع الفرعية حتى شعرت بالرهبة من انعدام المارة، والسكون.. وقفنا أمام باب حديدي صدئ، ومد فؤاد يده ليقرع الباب، ثم التفت لي وقال مبتسما: “هل أنت مستعد؟”.. ثم دلفنا وأنا أحاول أن أخفي جو الرهبة الذي بدأ يكتم على صدري!

خرجنا بعد ساعة وأنا أجاهد حتى أسكت فؤاد ريثما نخرج، وما إن تعدينا عتبة الباب حتى صحت به: “أنه نصااااااب!”.. وطبعا أنتم لا تعرفون حماس فؤاد عندما يؤمن بفكرة ما، فهو يتحول من حمل وديع إلى مارد في لحظة، وطبعا حاولت أن أكبح جماح فؤاد، ولكن دون جدوى! أرجو من القراء الذين ناموا أن يستيقظوا فهذا ليس فندقا، وأنا لا أحكي قصصا هنا، ودعونا ندخل في صلب الموضوع..

تنتشر هذه الأيام موضة العرافين والنبؤات، وهذا إن دل فإنما يدل على الضياع الفكري والثقافي الذي تعاني منه مجتمعاتنا في ظل إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي التي تحولت – للأسف – إلى أهم مصادر الناس المعرفية! كل شخص بات بإمكانه أن يفتتح منبرا في أي تطبيق ليّنظر ويفتي فيما يعرف وما لا يعرف، وللأسف الشديد تفاقم الوضع مع تطور الخوارزميات التي تقمع كل عاقل يقول الحق، وفي ظل هذا الكبت نجد أنه لا يطفو إلى السطح إلا كل ماهو غث وساقط، وكلما زدت شطحا وتفاهة كلما أنتشرت آراءوك أكثر!

بالطبع، فؤاد لديه حجة لا بأس بها بأن هؤلاء الدجالين لديهم توقعات سابقة تحققت، وهذا ما جعله يسخر من رأيي بأن هؤلاء مرتبطون بشكل ما بأجهزة مخابرات خارجية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. فكرتي البسيطة تعتمد على فهم الأهداف؛ فهؤلاء يساهمون بشكل لحوح على نشر الإشاعات السياسية بالدرجة الأولى لسببين رئيسين، الأول نرجسي عندما يشعرون بأنهم يعرفون أكثر من الآخرين، أما السبب الآخر فهو أنهم قد يكونون مدفوعين من قبل جهات خارجية لنشر هذه الاشاعات بهدف أن يهزمونا قبل أن تبدأ المعركة حتى!

مثلا، في الموضوع السوري.. هناك من “تنبأ” بسقوط النظام قبل عام، وبرأيي أن الموضوع لا يحتاج للكثير من الذكاء لمعرفة هذه النتيجة منذ عام؛ فلو أنك لا تذاكر دروسك قبل الإمتحانات فالموضوع لا يحتاج لعراف ليقول لك أنك سترسب لا محالة، وهذا ما حدث بالفعل مع النظام الذي تمت محاصرته، ولم يبذل جهدا يذكر لكي يخرج من مصيدة الإستنزاف التي أدارتها أمريكا أكثر من مرة في الماضي!

العرب للأسف لا يتعلمون من دروس التاريخ، والأنظمة “العربية” شريك فيما وصلت إليه الأمة اليوم، ونحن نواجه عدوا يتسلح بخبرة شحذها بالكثير من الدروس التاريخية عبر آلاف السنين، ولعل هذا ما دفع بأحد الكتاب الغربيين لأن يصف الأمر بأنهم يستخدمون أساليب “بسيطة بالغة التعقيد”!

الخلاصة، يجب ألا نزيد الطين بلة، وعلينا ألا نلتفت للأشاعات وأن نؤمن بالحقائق وأهمها أن الغيب لا يعلمه إلا الله.. يجب أن نتحرك كما وجهنا بذلك من بيده مقاليد كل شيء، وأن نتحرك لأن الأعداء بحروبهم النفسية يريدون منا ألا نتحرك، وأن نتحرك بدافع إيماني قوي لا يتزحزح بأن وعود الله لابد أن تتحقق. تاريخنا ومستقبلنا مرتبط بهذا الإيمان، وحتما وثقة وتصديقا لابد أن ننتصر ما دمنا مؤمنين بالله الذي أكد لنا – وأمره نافذ على كل شيء – بأن العاقبة للمتقين.

You might also like