رمضان زمان
رمضان زمان
إب نيوز ٥ مارس
محمد صالح حاتم
رمضان في الماضي كان مختلفا تماما عما نعيشه اليوم، كان شهرا للعبادة والصفاء الروحي، شهرا للتراحم والتعاون، حيث كانت القلوب صافية والنفوس مطمئنة، وكان الجميع ينتظرونه بشوق حقيقي، لا لمتابعة المسلسلات أو انتظار المسابقات، بل لأنه شهر الخير والبركة.
عندما كان يقترب رمضان، لم يكن الناس يقلقون بشأن مصاريفه، فلم تكن هناك أسواق مكتظة بالمتسوقين، ولا عروض مغرية تُشتت انتباههم، لأنهم ببساطة كانوا يأكلون مما تزرع أيديهم، ويشربون مما تنتجه ماشيتهم. أتذكر كيف كانت الأسر تأكل البر البلدي والذرة والشعير و السمن والعسل واللبن البلدي، فلا حاجة للمواد المستوردة، ولا وجود للمشروبات الغازية والمأكولات الدخيلة التي ملأت موائد اليوم.
كانت المساجد في رمضان تمتلئ بالمصلين، كبارا وصغارا، وكان الإفطار يجمع الجميع، في ساحات المساجد، حيث كان كل شخص يأتي بما لديه، ونتقاسم الطعام بمحبة وإخاء، فلا فرق بين غني وفقير.
ما زلت أتذكر مشهد آبائنا بعد صلاة الظهر، وهم يخرجون من المساجد، يبحثون عن مزارع لديه كبش أو تيس ليشتروه، فيذبحونه ويتقاسمونه فيما بينهم، كلٌ حسب عدد أفراد أسرته، كانت الثروة الحيوانية متوفرة، والأرض معطاء، وكانت القناعة والبركة تحل في كل بيت.
رغم الصيام، كان الفلاحون يخرجون بعد الفجر إلى حقولهم، يحرثون ويسقون مزروعاتهم، ثم يعودون مع اقتراب الظهر للصلاة والراحة. وبعد العصر، يعودون مجددا لري أراضيهم، قبل أن يعودوا إلى منازلهم استعدادا للإفطار، لم يكن الصيام يعيقهم، بل كانوا يرون في العمل عبادة أخرى تقربهم إلى الله.
وكذلك كان التجار واصحاب الدكاكين في المدن يفتحون ابواب محالهم وكانت الابتسامة تملىء وجوههم، وكانت ايديهم مبسوطه للفقراء والمساكين والمحتاجين
وبعد صلاة العشاء ، كان السمر يبدأ، حيث تجتمع الأسر والجيران، يتبادلون الأحاديث والنكت، ويتناقشون في قضاياهم، لم تكن هناك حزبية ولا طائفية، كانت المحبة والتسامح هي السائدة، وكان كل بيت مفتوحا للجميع، وكان صوت الشيخ محمد حسين عامر، والقريطي والعزي محبوب يملأ الأجواء روحانية، وكانت الفتاوى الدينية تُنتظر باهتمام.
اليوم تغيرت الأحوال، وأصبحت المظاهر تطغى على الجوهر، وصار رمضان عند البعض موسما للأكل والتسلية بدلًا من العبادة، لكن مهما تغير الزمن، سيبقى رمضان شهر الرحمة والمغفرة، ويبقى علينا أن نعيد إليه بريقه، ونحيي القيم التي جعلته أجمل أيام السنة.
فهل يمكن أن نعيد له بريقه في أيامنا هذه؟