فتاة من الموصل تكشف لـ”سبوتنيك” كيف يأكل “داعش” اللحم البشري.

إب نيوز 4/2/2017

متابعات | سبوتنيك

يتلذذ تنظيم “داعش” باللحم البشري ويقطعه ويرسم عليه آثاره بالسوط، في مدينة الموصل كبرى مدن العراق سكاناً.

 

خيرت النساء العضاضات بتنظيم “داعش”، أم الطفلة “فاتن” في مدينة الموصل، أن تتحمل هي أو ابنتها عقوبة “العضة”، بسبب خروج الأخيرة من عتبة الدار لتنظيفه من غبار الإرهاب وآثاره البشعة المتناثرة في كل مكان.

 

واختارت الأم أن تنفذ الداعشيات عقوبة “العض” على ابنتها “فاتن”، لكنها لم تكن تتوقع عضها سيكون بأداة جارحة فتاكة ملوثة بالسم، لأن تصوراتها تخيلت عضة عن طبق الأسنان على جلد اليد لا أكثر.

 

وسرعان ما أخرجت الداعشيات من ديوان الحسبة ولواء الخنساء بتنظيم “داعش”، أداتهن المشؤمة وعض الطفلة “فاتن” البالغة من العمر تقريباً 10 سنوات، بها بكل قوة مزقت جسدها الذي لفظ دماءها بغزارة حتى ماتت متأثرة بها.

 

فاتن هي واحدة من طفلتين قتلتا بعضتين للداعشيات، أدرجتا ضمن ما ارتكبه ديوان “الحسبة” بقسميه النسائي والرجال لتنظيم “داعش”، بحق النساء في الموصل، من جرائم تكشفها لنا فتاة عراقية ضمن العائلات الناجية في الساحل الأيسر للمدينة الذي أعلنت القوات الأمنية تحريره بالكامل من سيطرة التنظيم، الشهر الماضي.

ناجية

وتقول الفتاة “س” في العشرينيات من عمرها، وهي محامية تحفظت الكشف عن اسمها، في حديث لمراسلة “سبوتنيك” في العراق، إن أكثر ما كان يثير الرعب في نفوس الناس بالموصل مركز نينوى، شمال البلاد، هو رؤيتهم لعناصر “الحسبة” في الأزقة والأسواق، لا مجال للهروب منهم، لأنهم يتفحصون الشخص من رأسه لأخمص قدميه بحثا عن حجج “تافهة” لجلده أو سرقة أمواله وفق غرامة دون ذنب أو عذر

 

وروت الفتاة أن جرائم الداعشيات وعناصر الحسبة بحق الحرية والإنسانية في الموصل، لا تعد أو تحصى،  اذكر حادثة تلك المرأة التي سمع بها كل أهالي المدينة — التي كانت تتبضع من أحد أسواق حي المثنى شرقي الساحل الأيسر، ورفعت خمارها من وجهها لتتفقد البضاعة ورؤيتها جيداً، فهاجمها الدواعش، وأمروها بالجلوس على الأرض لجلدها 30 جلدة وسط السوق أمام أنظار الجميع.

 

بعدما جلدت المرأة، عادت إلى منزلها في حي الزهراء “حي صدام سابقاً”، وتوفيت  خلال ساعات حزناً على ما أصابها — لم تحتمل التعذيب والإهانة التي كانت عليها أقوى من سوط “داعش” الذي استباح كرامتها أمام أنظار الجميع الذين لم يحركوا ساكناً خوفاً من مصير يشبه مصيرها.

 

دائماً…يكون عناصر الحسبة منتشرون في الأماكن التي تتواجد فيها غالبية من النساء، وعادة ما كانت أصواتهم عالية تدب الرعب في القلوب — الصياح والتوبيخ مستمر مجرد لمحهم أية امرأة أو فتاة مهما كانت صغيرة ينهرونها بأوامر (انزلي الطبقة الثانية من الخمار على وجهك)، (لماذا عيونك مكتحلة) (أين الجوارب السوداء) (القفازات)، حتى التي ترتدي كل شيء تشعر بالرعب عند مرورهم من قربها.

 

اذكر حادثة أخرى حصلت لمرأة في سوق السرجخانه الشهير في الجانب الأيمن غربي مدينة الموصل، حيث لم تلتزم بالزي الشرعي المفروض من قبل التنظيم، وتعرضت للتوبيخ لكنها رفضت الإهانة وتشاجرت مع أحد عناصر الحسبة عندها قام العنصر بضربها بشدة بعصا يحملها.

 

وفي أحد الأيام قام عناصر الحسبة بجلد امرأة مسنة لعدم ارتدائها الزي الشرعي، بثلاثين جلدة، ولما رجعت لمنزلها أخبرت أبناءها بما حصل لها — جن جنونهم وقرروا الانتقام لأمهم.

 

خرج أبناء الأم، حاملين العصي، في سيارتهم، وذهبوا إلى نفس المكان الذي يتواجد به الداعشي الذي جلد أمهم في السوق، ووقف أحد أبنائها أمام العنصر، وبيده سيجارة “من الممنوعات في خلافة “داعش”، وأخذ يدخنها كي يوقع الداعشي في الفخ.

 

وقبل تطاير دخان السيجارة، هرع الداعشي إلى الشاب لمعاقبته، دون أن يعلم أن المدخن هو أبن المرأة التي جلدها قبل ساعة — ولما اقترب أكثر، اجتمع أبناء الأم سوية وضربوا العنصر بالعصي بقوة، وهربوا بعدما تركوا بجسده كسوراً منعته من اللحاق بهم وإمساكهم.

 

وتحدثت المحامية عن جريمة أخرى لعناصر الحسبة، وتكررت في أكثر من حي  بحق فتيات دون سن العاشرة لأنهن يقمن بغسل أرصفة منازلهن (وهي عادة عند أهالي الموصل بعد تنظيف المنزل من الداخل يأتي بعده سقي الحدائق وتنظيفها مع الگراج وعتبة الدار).

 

ولما خرجت الفتيات لتنظيف الرصيف، ما بعد الظهر، كانت نساء وعناصر الحسبة تتجول في الأحياء بحثاً عن فريسة لاصطيادها وتعذيبها، وأمسكوا فتاتين صغيرتين واحدة في حي الجامعة والأخرى في حي الانتصار، تم تخيير ذويهن إما الجلد أو (عضة)، بداية الأمر لم يعرف الناس ما (العضة) اعتقدوا أنها ربما عضة عادية لأنها طفله صغيرة.

 

“داعش” يعاقب طفلين بقطع أياديهما

لكن تنظيم “داعش” كانت لدية آلة حديدية تشبه الفك وأسنانه حادة تحملها عناصر لواء الخنساء من الداعشيات، قمن بوضعها على جزء من جسدي الطفلتين وطبقها بقوة، مسببة جرحين عميقين جداً للطفلتين في الحيين المذكورين.

 

وتوفيت الطفلتان بسبب العض، وكذلك عدد من نساء الموصل بتهم إرضاع أطفالهن خارج المنزل أو عدم ارتداء القفازات أو الجوارب السوداء أو رفع الخمار أو ارتداء الكعب العالي،  وكل ما يرونه “زيا” غير شرعي مثل ارتداء جلباب ملون أو حتى لون الحذاء والحقيبة إذا لونهما غير الأسود، يعتبر مخالفة شرعية.

 

فرض الخمار

وتطرقت الفتاة إلى فرض الخمار على النساء في الموصل، وهو أول القرارات التي أصدرها تنظيم “داعش” عند استيلائه على المدينة في منتصف عام 2014…عندما كان يجبرنا على ارتداء زيه لم أكن أستطيع الخروج كثيراً طوال السنتين والنصف الماضيتين، كنت كلما أضع الخمار أشعر بالاختناق والدوار والغثيان وارتفاع ضغط الدم، لا أشعر أنني إنسانة أبداً لماذا كل هذا القماش الأسود كأنني أدخل في كيس ويغلق عٓلي لا أستطيع استنشاق هواء أو حتى الاستمتاع والاستفادة من أشعة الشمس.

 

عندما كنت أخرج في السيارة أو أزور قريبتي في منزلها المجاور لنا، أضع طبقة واحدة من الخمار، وهي سوداء شفافة نوعاً ما كنت أواجه صعوبة في التنفس عبرها، لم أحبذ ارتداء الجزء الأول منه الذي يغطي الأنف ويظهر العيون لأن عناصر الحسبة يركزون على العيون ومنها يخمنون سن الفتاة وكلما كانت شابة تتعرض للتعنيف أكثر، لذلك كنت أخفي نفسي بشكل نهائي.

 

ورغم سقوطي من سلم المنزل وتعرضي لإصابة في الظهر، إلا أنني تحملت كل الألم ولم أذهب لمراجعة طبيب لأنني لم أتحمل رؤية  الدواعش الذين تعج بهم عيادات الأطباء — كنت أسمع من الذين يزورونا في المنزل من أصدقاء وأقارب قصصا كثيرة عما يحصل في العيادات حتى المرضى يتعرضون للإهانات من قبل المراجعين نساء وعناصر “داعش”، وبالأخص القوقازيين والعرب غير العراقيين، لأنهم يبحثون عن أية حجة لمضايقة الناس بحجة تطبيق الإسلام.

ونقلت الفتاة عن أختها، إنها ذهبت إلى مستشفى في الموصل، مع أبيها، وهناك كان الكثير من عناصر تنظيم “داعش” يتلقون العلاج نتيجة قصف استهدفت من قبل طيران التحالف الدولي ضد الإرهاب، وأغلبهم كانوا في حالة رعب وخوف يتحدثون عما طالهم، وكانوا يتصرفون بعدوانية شديدة حتى مع الأطباء.

 

وشاهدت أختي أحد عناصر “داعش” يقوم بضرب سيدة كانت معه “اعتقدنا أنها من الإيزيديات المختطفات اللواتي أخذهن التنظيم سبايا من سنجار وقرى غرب الموصل في أغسطس/آب 2014، لكن لم يتعرف عليها أحد لأنها كانت ترتدي السواد الكامل “الزي الشرعي” ويبدو عليها الارتباك والخوف.

 

وأمضت “س” وعائلتها أغلب الوقت في المنزل، ما بين القراءة ومشاهدة التلفاز وتصفح الإنترنت في السنة الأولى لاحتلال “داعش” للموصل، قبل انقطاع وسائل التواصل مع الخارج، وبعد انقطاع الإنترنت زادت مطالعة الكتب وفترات الملل والخوف من المجهول الذي ينتظرهم.

 

وعبرت “س”: كنا نشعر بالرعب إذا كان هنالك تجمعا للدواعش قرب منزلنا، فهذا يعني كارثة، إما أنهم بمهمة تفتيش المنازل بحثا عن ضحية للقتل أو يقومون بعمل بشع لا يخطر على بال أحد، وما أن يغادرون حتى نتنفس الصعداء ونواصل دفن رؤوسنا في الكتب.

 

ملاحقة الرجال

أما بالنسبة للرجال في الموصل، تقول “س” إن عناصر الحسبة كانوا يشددون على الرجال تخفيف اللحى أو “الإزار” أي تقصير السراويل، ومنعهم من التدخين وغالباً ما يعتقلون الشخص المخالف لهذه التعليمات وضربه وجلده وتغريمه بمبلغ من المال إذا كان متمكنا مادياً، وإذا كان فقيراً يزيدون عليه عدد الجلدات ويأخذونه إلى المقابر لتعديل القبور العالية ودثرها.

 

ولفت “س” إلى أن الرجل الذي يتكلم بالسوء عن التنظيم الإرهابي وعلى أحد العناصر، ويسمي التنظيم “داعش”، يعتبر أنه ارتكب جريمة كبرى يعدم بسببها، وهناك من يخيطون فمه بإبرة وخيط — كأنه مشهد من أفلام الرعب، عدا جرائم القتل البشعة، اليومية التي تنفذ بحق المدنيين في الموصل.

 

كانت أيام مرعبة

وصفت “س” الحياة في الساحل الأيسر الذي أعلنت القوات العراقية تحريره بالكامل من سيطرة تنظيم “داعش”، أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، بالمرعبة، حتى آذان الصلاة في أوقاتها كان مزعجا جداً لأنه بحناجر عناصر التنظيم، وكأنها أصوات تخرج من فوهة الجحيم تنادينا إليها.

 

كان الآذان يرفع في الموصل، ثلاث مرات لكل صلاة أداؤها إجباري وبالقوة،   ومازال صوت الداعشي المؤذن القبيح في إذني إلى الآن، حتى رائحة الجو دائماً نتنة والدخان الأسود في كل مكان بسبب محارق النفط ومشتقاته التي ملأت المدينة، لأن النفط كان المصدر الرئيسي في تمويل تنظيم “داعش”.

 

حتى أننا كنا نحجب تنفس الهواء بوضع أيدينا على أنوفنا في بعض المناطق، أو الأوقات عندما تزداد فيها تلك الروائح الكريهة التي يحملها الهواء إلى المنازل عبر النوافذ من غازات ودخان تكرير النفط محلياً.

ولم يكن هناك أي متنفس للعائلات أو بالأخص الأطفال، في الموصل، حتى المتنزهات الموجودة في بعض الأحياء كان الأهالي يتجنبونها بسبب عناصر الحسبة الذين يتصيدون الأشخاص فيها، وبالتالي أثر ذلك سلبياً على صحة الأطفال الجسدية والنفسية بشكل كبير فأغلبهم يعانون من نقص فيتامين (d) وتأثيرها السلبي على صحتهم وحياتهم ونموهم بحرمانهم من اللقاحات، بالإضافة إلى سلب حقهم في التعليم، وعانوا من الخوف بشكل كبير ومن الانطوائية أو “التوحش” في بعض الأحيان إثر مشاهد الدم والقتل.

 

وفي ختام حديثها، أخبرتنا المحامية “س”، بأن الكثير من الأطفال لم يحصلوا على اللقاحات خصوصا في السنة الأخيرة من جدول الصحة الخاص بهم، وأغلب حديثي الولادة لم يحصلوا على جرعة لقاح واحدة على الأقل من الجدول، وتوفي الكثير منهم نتيجة تدهور وضع المستشفيات المزري وسوء إدارتها ونقص الدواء والخدمات وانقطاع الكهرباء.

 

وترتقب مدينة الموصل التي عانت بشكل كبير من سطوة “داعش” في أكثر من عامين ونصف، أن تنطلق معركة أخرى ضمن عمليات “قادمون يا نينوى” للقوات العراقية لتحرير الساحل الأيمن، وإنهاء وجود التنظيم بالكامل من المحافظة.

 

وحققت عمليات “قادمون يا نينوى” التي انطلقت، يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، انتصارات كبيرة للقوات العراقية بتكبد تنظيم “داعش” هزيمة وخسائر بشرية فادحة في محيط المحافظة والساحل الأيسر لمركزها.

You might also like