عبدالباري عطوان: ازمة الخليج بداية انفراج بسورية فمن كان يتوقع عرضاً قطريا بإقامة قاعدة إيرانية؟ ولماذا يتحدث الأسد عن الفساد؟
إب نيوز 17 يوليو
الأزمة الخليجية بداية الانفراج الكبير لنظيرتها السورية.. فمن كان يتوقع عرضا قطريا بإقامة قاعدة ايرانية الى جانب القاعدتين الامريكية والتركية؟ ولماذا يتحدث الاسد مرتين عن محاربة الفساد في غضون عشرة ايام؟ هل نحن امام “سورية جديدة”؟
اعترف الرئيس السوري بشار الاسد بأن الفساد يتغلغل في سورية من خلال الثغرات في القوانين، ويجب استئصاله وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وذلك اثناء لقائه بالسيدة آمنة المشاط، رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ويتزامن هذا الاعتراف مع عدة تطورات على الارض وميادين القتال تؤكد تقدم الجيش السوري، وضعف المعارضة بشقيها السياسي والمسلح، وخسارة “الدولة الاسلامية” للموصل عاصمتها العراقية، واشتداد الخناق على قواتها في الرقة ودير الزور.
هذه هي المرة الثانية في اقل من اسبوعين يتطرق فيها الرئيس السوري لمسألة الفساد وانتشاره في البلاد وضرورة اجتثاثه، الامر الذي فسره الكثير من المراقبين على انه دليل ثقة، وتجاوز النظام عنق الزجاجة، وتماسك مؤسسات الدولة وهياكلها الرئيسية، ومؤشر على البدء في النظر الى المستقبل لوضع اسس بناء “سورية جديدة” على اسس جديدة، تتجنب اخطاء الماضي وما اكثرها، وابرزها تغول الاجهزة الامنية، واستفحال الفساد والمحسوبية، وغياب الحريات بأشكالها كافة، وسيطرة الحزب الواحد والبرلمان غير المنتخب.
***
عندما تولى الرئيس الاسد السلطة خلفا لوالده كان حريصا في ايامه الاولى على وضع برنامج سياسي واقتصادي طموح يستأصل الفساد، ويحقق المساواة، ويضع خطط، تنمية اقتصادية طموحة، لكن هذه الوعود تبخرت في معظمها، ولم يتم تطبيق الا القليل منها، ويعتقد كثيرون ان السبب هو معارضة مراكز القوى الرئيسية، والاجهزة الامنية خصوصا، الامر الذي انعكس سلبا على امن البلاد واستقرارها، واحدث ثغرات جرى استغلالها من قبل القوى الغربية والعربية وتوظيفها في دعم معارضة بشقيها السياسي والمسلح، بهدف الاطاحة بالنظام ورأسه ومؤسساته على غرار ما حدث في العراق وليبيا واليمن ومصر وتونس.
الدولة السورية صمدت طوال السنوات السبع الماضية تقريبا بسبب التفاف الجيش السوري حولها، ووعي قطاعات عريضة من الشعب للمخطط الذي يريد تقسيم البلاد وتفتيتها جغرافيا وديمغرافيا على اسسس عرقية وطائفية، ولا نعتقد ان دولة في التاريخ تعرضت للضغوط والمؤامرات التي واجهتها الدولة السورية، خاصة ان دول عظمى، دولية واقليمية كانت المحرك والداعم لمخططات التفتيت هذه.
الازمة الخليجية الحالية المتفاقمة، يمكن ان تكون احد ثمار صمود الجيش السوري وهياكل الدولة معا في وجه مخططات التفتيت والتقسيم، فعندما فشلت دول خليجية رئيسية مثل قطر والسعودية في تغيير النظام في سورية، بدعم امريكي تركي اوروبي، رغم ضخ مليارات الدولارات وآلاف الاطنان من الاسلحة، وارتد “سحرها” عليها، واشتعلت في خلافاتها السياسية والقبلية، ولم يعد لديها الوقت لمواصلة تدخلها في الملف السوري، ودعم المعارضة المسلحة التي مولتها للاطاحة بالنظام.
السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، الذي دخل التاريخ السياسي بجملته الاثيرة حول “رحيل النظام السوري سلما او حربا”، تخلى عن هذه النغمة كليا، وبات يطالب برحيل النظام القطري الشريك الاساسي لحكومة بلاده في الملف السوري، وشاهدنا النظام القطري الذي كان يعارض بشدة الدعم الايراني للرئيس الاسد، ويوظف امبراطوريته الاعلامية الجبارة ضده، للمطالبة بخروج القوات الايرانية واللبنانية التابعة لـ”حزب الله” من الاراضي السورية باعتبارها قوة احتلال، شاهدناه، وعلى لسان الشيخ تميم بن حمد، امير قطر، يتباحث مع الرئيس حسن روحاني حول تنسيق التعاون بين البلدين، عارضا اقامة قاعدة عسكرية ايرانية على الاراضي القطرية الى جانب القاعدتين التركية والامريكية.
***
من كان يتوقع هذا الانقلاب في المواقف في الملف السوري قبل ستة اشهر، ولا نقول ستة اعوام، لا نعتقد ان الرئيس الاسد نفسه توقع ان تستنجد دولة قطر بإيران لحمايتها من الجارين السعودي والاماراتي، ومعها حركة “الاخوان المسلمين”، التي كانت رأس الحربة في “الثورة السورية” لاطاحة النظام السوري.
السنوات الست الماضية كانت كارثية بالنسبة الى الدولة السورية وقيادتها، حيث خسر الشعب السوري ما يقرب من نصف مليون شهيد من الجانبين، وكلهم اهلنا واحبتنا، وتشرد اكثر من عشرة ملايين مواطن في مختلف انحاء العالم ودول الجوار، ولكن هناك دروس كثيرة يمكن ان تؤدي اذا ما جرى استيعابها الى قيام سورية جديدة مختلفة، تقوم على التعايش والمساواة والحريات الديمقراطية، سورية قوية تعرف اصدقاءها واعداءها، وتستعيد مكانتها القيادية والرائدة في المنطقة والعالم.
قلناها، ونقولها، ونكررها، ان هذا الشعب السوري العظيم الخلاق المبدع الذي تجري في عروقه جينات حضارية تعود الى ثمانية آلاف عام سيخرج من تحت ركام هذه الازمة اقوى واصلب عودا، واكثر تسامحا وتعايشا، لان التسامح من شيم الكبار والاقوياء.. والايام بيننا.