أي بُنٓيْ: بقلم / محمد عايش.
إب نيوز 29 يوليو
ستسمع هذه الأيام عن بلدٍ بلا إسمٍ، يُدعى نظامه السياسي “الإمارات العربية”؛ يغزو مدن وسواحل وجزر بلادك التي بدأت منها الأسماء وولدت فيها اللغات وانحدرت عنها العروبة: اليمن.
ولكن بُنٓيْ:
إياك أن تقلق. أعدكٓ أنك يوماً ستفعل مع ابنك (حفيدي) ما قد لا يسعفني الزمن لأفعله معك: أن تأخذ بيده في نزهة يبصق عند نهايتها على كرسي حاكم أبو ظبي، ثم تعودان إلى بلدكما وهو باقٍ وشامخ، ببحره وبره، بمدنه وشواطئه وجزره، بمخائه وعدنه وصنعائه وحضرموته؛ يتفرج، من عٓلٍ، على أطلال ممالك الريح وبقايا سلطنات الزيت.
ولتعلم بُنٓيْ:
أن من عادات بلدك “اليمن” أن يتعرض لأنواع الاجتياحات وينتصر، وأصناف الكوارث وينجو.
يرحل الغزاة ويبقى، وتنتهي الجوائح ولا ينتهي:
جاء الرومان ورحلوا وانتهت الإمبراطورية الرومانية وبقي اليمن.
جاء الأحباش ورحلوا وانتهى ملك الأحباش وبقي اليمن.
جاء الفرس ورحلوا وانتهت إمبراطورية الفرس وبقي اليمن.
جاء الأيوبيون ورحلوا وانتهت دولة الأيوبيين وبقي اليمن.
جاء البرتغاليون ورحلوا وانتهت مطامع البرتغال وبقي اليمن.
جاء العثمانيون ورحلوا وانتهت الإمبراطورية العثمانية وبقي اليمن.
جاء البريطانيون ورحلوا وسقطت إمبراطورية الشمس وبقي اليمن.
فهل تخشى، بُني، بعد كل هذه الإمبراطوريات، التي كانت الواحدة منهن تدوخ الدنيا بصولاتها وتركع التاريخ بجولاتها؛ هل تخشى بعدها من “ميني ماركت” أو “ملهىً ليلي” أو “برميل زيت” إن قرر التنزه بمجاميع من المرتزقة على شواطئك، مستغلاً ضعف بلدك المرحلي وانقسامها الظرفي؟!
سينضب الزيت، وسيُغلق الملهى، وستبقى أنت ووطنك جذرك في جذره وجذره في أول التاريخ وفِي سابع الأرض.
أو تعرف ماذا يا بُني؟
لم يتعود بلدك النجاة من غزو البشر فحسب، لقد نجا أيضاً من أعظم حوادث الكون وأصغر حادثات الطبيعة:
لم ينج من انهيار السد، وسيل العرم، وسنوات الجوع، وسنة السُبٓع، فقط، لقد نجى من لحظة تكون الجيولوجيا ونشوء الجغرافيا: ولقد كان يفترض، عند لحظة انفصال القارات، أن يصبح اليمن جزءاً من الماء.. من ماء المحيط الهندي أو ماء البحر الأحمر..
ولكنه نجا.. وتموضع في موقعه، رابطاً بين أقدم قارتين، و فاتحاً ذراعيه على البحر والمحيط لكأنه إله البحر والمحيط.
وكما انتصرت أرضه ينتصر إنسانه دوماً.
إنها، كما أخبرتك، عادة تاريخية، أو هي، باللغة التي يفهمها غزاتك الخليجيون؛ مسألة “إدمان”:
يدمن اليمن أن يكون موضعاً للأطماع، ويدمن مقاومة الأطماع، ويدمن الانتصار في النهاية، والعودة لأهله، دون أن يتبدل فيه حتى اسمه.. هكذا منذ كان التاريخ طفلاً ومنذ كانت الجغرافيا مخاضاً.