الصدر في السعودية.. ما هي الرسالة !!؟؟

 

وكالات | إب نيوز10ذي القعدة1438هـ الموافق2017/8/2 :- “المفاجأة” التي حملتها زيارة زعيم التيار الصدري إلى السعودية لم تنته مفاعيلها بعد، بل على الأرجح ستبدأ. الخطوة التي وُصفت بـ”النادرة” لا تزال تحيط بها مجموعة من علامات الاستفهام. هل حمل الرجل رسالة ما إلى الطرف السعودي أو نقل منه رسالة إلى الطرف الإيراني؟ سؤال له ما يبرره على ضوء الاشتباك الإقليمي الحاصل بين طرفين، أحدهما متقدم في المنطقة، وهو الإيراني، والآخر متراجع ومأزوم في أكثر من ملف، وهو السعودي.

يحتاج الطرف الثاني إلى من ينزله عن شجرة سامقة تسلقها. هذا على الأقل ما يحاجج به عدد من المتابعين. يرى هؤلاء أن الأفق مسدود أمام السعودية في اليمن وأن الوقت لم يعد لصالحها. خرجت الرياض خاسرة من الملف السوري، لكنها ما زالت متورطة في البحرين. دخلت أزمة جديدة مع قطر. داخلياً، تصعيد أمني وعسكري في منطقة القطيف. يضاف إلى ذلك مشاكل اقتصادية بات يتلمسها المواطن السعودي، وهي على الأرجح ستتعزز في المستقبل. يجري كل ذلك في ظل عدم استقرار سياسي على ضوء الانتقال المتوقع لمحمد بن سلمان وما يحيط بهذه العملية من مخاطر.

الرياض تواكب التحوّلات

تزدحم الأسئلة المحيطة بالزيارة بموازاة واقع إقليمي معقد، وانطلاقاً من خصوصية السيد مقتدى الصدر. توقيت الزيارة، ربما، هو أبرز ما توقف عنده المراقبون. فهي تأتي أولاً في مرحلة ما بعد الموصل. سقوط عاصمة البغدادي الثانية كرّست انتصار حلفاء طهران على أرض الرافدين. تجد الرياض نفسها مضطرة لمواكبة التحوّلات. التعامل مع العراق بات ضرورة. تعاظم قوة الحشد الشعبي خطر كامن في العقل السعودي. خطر انتقال “داعش” إليها عبر الحدود المفتوحة احتمال وارد. الأدوات السابقة لم تعد فاعلة بعد سقوط الموصل ومشروع “داعش”. لا بدّ من عدة جديدة تواكب مرحلة جديدة من العلاقات بين الجارتين.

دشنت الرياض هذه المرحلة بزيارة وزير خارجيتها عادل الجبير إلى بغداد في شهر شباط/فبراير المنصرم. كانت تلك أول زيارة لوزير خارجية سعودي إلى العراق منذ نحو 14 عاماً. بعد ذلك تتابعت الزيارات الرسمية العراقية إلى السعودية. في حزيران/ يونيو حلّ فيها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي. في تموز/ يوليو جاء دور وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي المعروف بقربه من إيران وانخراطه في الحشد الشعبي. مع ذلك لم تثر هذه الزيارة ما أثارته زيارة الصدر من تساؤلات.

لم تأتِ هذه التحركات باتجاه واحد. كانت زيارة رئيس أركان الجيش السعودي للعراق لافتة في تموز/ يوليو المنصرم. أولى الزائر ملف الحدود المشتركة أهميةً قصوى. بالمحصلة، تمخضت تلك الزيارات عن اتفاقات لتبادل المعلومات الاستخبارية. اتُفق أيضاً على فتح المنافذ البرية التي ظلت مقفلة طوال 27 عاماً. عادت الطائرات السعودية إلى أجوء العراق.

رسالة أم وساطة؟
في علاقاته الخارجية، لم يجد الصدر حرجاً في زيارة السعودية رغم ما تقوم به في البحرين وشرق السعودية. ما أثار الاستغراب هو مواقفه السابقة المتشددة تجاهها. انقلب فجأة على المواقف وظهر في ضيافة محمد بن سلمان. هل يسعى الرجل إلى لعب دور الوسيط بين إيران والسعودية؟ سؤال وجد طريقه إلى الإعلام. لا شك أن موقعاً كهذا يتيح له مكاسب سياسية. هذا التوجه سبق أن مهّد له داخلياً بخطاب مؤات. أعلن هذا العام عزمه تشكيل كتلة “عابرة للطائفية” ستشارك في انتخابات 2018. البيان الصادر عن مكتبه خلال زيارته المملكة يعبّر عن أمل في “بداية الانكفاء وتقهقر الحدة الطائفية في المنطقة العربية الإسلامية”.

دخل الصدر بين إيران والسعودية في أيار/ مايو المنصرم. دعا البلدين إلى ضبط النفس وترك التصعيد جانباً. أكد أيضاً على أن الحوار بينهما سيكون بداية لانتهاء الحرب الطائفية في المنطقة. قبل ذلك بمدة، وخلال مقابلة على قناة العربية، أبدى رغبته في التوسط بين الطرفين. فهل تأتي الزيارة في هذا الإطار؟.

ليس هناك ما يؤكد هذه الفرضية، إلا أن مواكبين وناشطين من داخل السعودية أشاروا إلى ما يصبّ في هذا المنحى. المغرد “كشكول” ذو الهوية السرية قال إن “ابن سعود يبحث عن مخرج من ورطته مع الحوثي، هذا سبب زيادة حُجاج إيران وهو سبب زيارة الصدر”.

دعَمه في هذا الاتجاه الناشط الشهير “مجتهد” عبر التغريدة التالية: “الاحتفاء بمقتدى الصدر وقبله بالأعرجي وآلاف التأشيرات للحشد والاحتفال بتدمير الموصل كله تودد لإيران حتى تشفع عند الحوثي لعله يرحم ابن سلمان”.

بمعزل عن تغريدات من يوصفون بأنهم مطلعين على كواليس السياسة السعودية، فإنه لا يعرف عن الصدر تقاربه مع السعودية. في الداخل يقترب من إياد علاوي القريب من السعودية ويخاصم نوري المالكي القريب من إيران. جانب من المفاجأة التي حملتها زيارته إلى المملكة في هذا التوقيت هو مواقفه السابقة المتشددة تجاه حكامها. إذ سبق أن طالب بإغلاق السفارة السعودية في بغداد احتجاجاً على إعدام الشيخ السعودي نمر النمر، ودعا السعوديين والخليجيين إلى التظاهر. هدد باجتياح السعودية وإحراق الأخضر واليابس فيها في حال جرى المس بالمرجع آية الله الشيخ عيسى قاسم في البحرين. كذلك هاجم ما وصفه بتدخل القوات السعودية في قمع الشعب البحريني ووصف آل سعود بالظالمين وحكومتهم بالإرهابية.

حسابات وانتخابات

ليست السعودية وحدها من هاجمها الصدر وليست زيارة السعودية أولى مفاجآته. في أيار/ مايو 2017 طالب طهران بما وصفه بالانفتاح على المنطقة وترك “المهاترات الطائفية”. قال إن “الوضع لم يعد يحتمل”. جاء ذلك بعد شهر من مطالبته بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد. عارض انتقال فصائل عراقية ضمن الحشد الشعبي  للقتال في سوريا. انتقد فصائل عراقية تقاتل في سوريا ووصف بعضها بالوقحة. قبل عامين، نادى أنصاره وسط بغداد بشعار “إيران برّا برّا”.

ليس الرجل حليف إيران وليس غريمها. يحاول أن يلعب دوراً متمايزاً عن الكتل الشيعية داخل العراق. يتربع على سدة كتلة شعبية وازنة وصلبة. يمثّل تياره 32 نائباً في البرلمان وثلاثة وزراء في الحكومة. يسعى إلى ترسيخ موقعه عبر المطالبة بإصلاحات في العراق. مواقفه غير ثابتة على الدوام. أعلن اعتزال العمل السياسي ثم عاد إليه. أعلن أن كتلة “الأحرار” في البرلمان لا تمثله وأن لا كتلة لديه قبل أن يتراجع عن ذلك ممارسة لا قولاً.

على هذا الأساس يستبعد مراقبون أن يكون الصدر في صدد لعب الوسيط بين إيران والسعودية. هناك جملة من الأسباب التي تدفع إلى ذلك منها:

أولاً، هناك شخصيات أخرى مهيأة للعب هذا الدور، فلماذا يضطلع به الصدر؟

ثانياً، لا يزال الاشتباك السعودي الإيراني في ذروته. تقوم سياسة بن سلمان على العداء لإيران. تكسبه هذه السياسة تحشيداً في الداخل وتحالفات في الخارج. منذ يومين فقط، اتهمت الرياض طهران بالمماطلة ورفض استكمال الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في حادثتي سفارة السعودية وقنصليتها العامة في مشهد في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي.

ثالثاً، الإعلام السعودي حاول تصوير الزيارة على أنها خرق للمحور الإيراني في العراق، بغض النظر عن التسويق السياسي الذي خرج به الوفد المرافق للصدر.

رابعاً، أجواء الاستياء في الأوساط الشعبية والسياسية العراقية المعادية للسعودية والقريبة من إيران.

هذه الأسباب وغيرها دفعت إلى الاعتقاد بوجود خلفيات أخرى للزيارة. المعارضة السعودية مضاوي الرشيد وضعتها في إطار التحضير للانتخابات العراقية 2018. سألت عن قيمة الفاتورة التي ستدفعها السعودية مقابل حلفها مع الصدر.

كل المعطيات السابقة تلغي، ربما، فرضية وجود وساطة يقوم بها الصدر. إلا أنها لا تلغي وجود مكاسب سياسية من ورائها. مكاسب تتطلع من خلالها الرياض للعودة إلى العراق في مرحلة ما بعد الموصل، وتمنح الصدر خيارات أوسع في مواجهة الضغوط السياسية، أو دوراً جديداً عبر تموضعه بين محورين.

 

علي فواز

You might also like