-قراءة في الميزان الاستراتيجي لكيان العدو الإسرائيلي
من الجزائر
إب نيوز26ذي الحجة1438هـ الموافق2017/9/17 :- يعيش الكيان الصهيوني منذ حرب غزة2014جملة من التحولات العسكرية والأمنية والإستراتيجية المهمة والتي صاحبها إعادة قراءة موسعة ومعمقة لمجموعة الأخطار الداخلية والخارجية التي باتت تؤثر بشكل أمني كبير على العقيدة والرؤية السِّياسية والعسكرية لدى قادة العدو الإسرائيلي،فالميزان الاستراتيجي الإسرائيلي قد شهد عدة تعديلات وأضيفت إليه عدَّة تحديات وصعوبات وأخطار يرى وزير الدفاع الصهيوني واليمني المتطرف أفيغدور ليبرمان بأنه يمكن لأن تؤدي إلى أحداث أضرار جسيمة بالأمن الوطني لدولة وربما قد تأخذ الدولة نحو التفكك والانحلال في المستقبل القريب وهي نفس النظرة المتشائمة التي جاءت في مقال الصحفي الإسرائيلي بجريدة معار يف الصهيونية يونتان شيم وذلك عقب العدوان الصهيوني على لبنان في شهر تموز2006عندما قال:بأنه قبل مئة عام وبالتحديد سنة1909عام أقاموا أولى المدن العبرية وربما بعد مئة أخرى من العزلة سيقضى عليها،فهذه النظرة السوداوية أثرت على التوجهات الدفاعية العامة في رسم موازين القوى الإستراتيجية إقليمياً ودولياً،إذ أنَّ إسرائيل أمام مفترق طرق لأنها محاطة بالأعداء من كل حدب وصوب حتى ولو أظهر الإعلام العبري فيها العكس أو حاول نتنياهو بأن يبيِّن بأنها دولة ديمقراطية مقبولة في محيطها الإقليمي والدولي،فهناك حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والتي رغم التعاون والتنسيق الأمني العالي بين سلطة رام الله وتل أبيب ولكن لا تزال هناك العديد من جيوب المقاومة والخلايا النائمة فيها بما فيها تلك التابعة لقوات العاصفة وكتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح،وحزب الله في الجبة الجنوبية بكل ترسانته العسكرية والصاروخية التي تتعاظم تدريجياً وهناك الجيش السوري وحلفاءه من سوريا والتي فتحت بشكل سري جبهة المقاومة العربية في الجولان زد على ذلك بعض الجماعات الراديكالية التي تتحيَّن الفرصة لاستهداف الكيان الصهيوني حتى تكسب زخماً وتأييد شعبياً كبيراً في الشارع العربي وكذلك إيران والتي تعتبر العدو اللدود لإسرائيل وأضف إلى كل هذه الأخطار الدول البعيدة عن إسرائيل والتي تستطيع استهدافها أن تكن لها العداء ككوريا الشمالية أو الجزائر ولا ننسى الشعوب العربية التي هي ضدَّ هذا الكيان الغاصب منذ نشأته سنة1948ولا ننسى انتفاضة السكاكين في فلسطين المحتلة وفي مدينة القدس القديمة وما تخلفه من رعب وهلع في المجتمع الصهيوني.
- -فكل المؤتمرات الأمنية الإسرائيلية والتي وضعت المبادئ العامة لميزان الاستراتيجي لإسرائيل في الألفية الحالية كمؤتمر هارتسيليا للأمن القومي لسنوات2014 -2015أو مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي لسنة2016والتي يحضرها في العادة النخبة من السَّاسة وكبار الضباط الصهاينة في كل أفرع المؤسسات الأمنية الاستخباراتية في إسرائيل وأيضاً رؤساء المراكز البحثية والمعاهد الجامعية الكبرى في الكيان الصهيوني وذلك لوضع سياسة الدَّولة في المجالات الأمنية والعسكرية ويخرجون في النهاية عادة بتوصيات لقيادات الأمنية والسِّياسية الاستخباراتية الصهيونية فيها الخطوط المحورية لرؤية الدولة في الأعوام القليلة القادمة،ومن أهم النقاط التي ركَّزت عليها هذه المؤتمرات وغيرها بعيداً عن التهديدات التاريخية أو التقليدية لدولة هو التهديدات الداخلية على المستويات السِّياسية العليا.إذ أن حالة الاستقطاب السِّياسي الحاد والخلافات داخل الحكومة بين نتنياهو وليبرمان وبقية الطاقم الحكومي بدأت تؤثر على كيفية إدارة الملفات الحساسة في إسرائيل وعلى رأسها كيفية التعامل من التهديدات الأمنية والمشاكل الاجتماعية المتفاقمة خصوصاً بعد رفع موازنة الجيش على حساب وزارات مهمة كالتعليم والصحة وضرائب على الشقق العقارية وذلك بحسب موازنة2017- 2018 وذلك حسب ما نقلته صحيفة تايمز أوف إسرائيل الالكترونية،في مقال لصحيفة مارسيا نيومان نشر بتاريخ 30 أغسطس2016 فزيادة الميزانية العسكرية على حساب راحة ورفاهية المواطن الصهيوني سيؤدي لمزيد من الاحتقان والغضب خاصة لدى أحزاب الوسط واليسار التي بدأت تحضر للإطاحة بحكومة نتنياهو التي تعتبرها حكومة فاشلة وغير وطنية ولا تعكس المثل العليا لمؤسس الدولة الأول ديفيد بن غوريون.
-فإسرائيل هي شبه دولة مصطنعة بمصطلحات وتوصيفات العلوم السِّياسية إذ أنها لا تمتلك قيماً وعادات ولا ثقافة جامعة مشتركة لمواطنيها بخلاف دول الجوار مثلا،وليس لهم نفس التفكير الإيديولوجي أو نفس الروابط الدينية والسوسيولوجية والعرقية وبالتالي فإنها دولة قامت على ما يعرف في إسرائيل”بنظرية القبائل الأربع”ويقصد بها المجموعات البشرية والدينية والإيديولوجية الأربع والتي تتكون منها والتي لا يوجد أي ترابط أو تجانس أو تكامل بينها وهي العلمانيين والتيار الديني الصهيوني والتيار الديني الحريدي وكذلك فلسطينيو1948أو عرب الخط الأخضر،وهذا ما حذر منه مؤتمر أبحاث الأمن القومي لسنة2017 والذي جاء فيه بأنَّ التهديد الداخلي لكيان العبري أقوى وأخطر من كل التهديدات الخارجية مجتمعة لأنه تهديد وجودي لدولة في جوهره ويجب إيجاد حلول فورية وحاسمة لها وإلا فإنَّ تلك التهديدات قد تتحول لقنابل موقوتة قابلة للانفجار عند زيادة الضغط أو ضعف المؤسسة العسكرية الاستخباراتية التي تتحكم في كل تفاصيل الحياة في إسرائيل تقريباً،فإسرائيل تعيش تهديداً مباشراً يهدد بإضعاف معادلات ميزانها الاستراتيجي وتفككه في النهاية وهناك جدل فكري وثقافي وحتىَّ إعلامي بين النخب الصهيونية في كيفية التعامل مع البؤر الاستيطانية التي تقع في أراضي السُّلطة الفلسطينية وفي مناطق الضفة الغربية،هل يتمُّ ضمها؟أم تسليمها لسلطة رام الله؟مع حساب التبعات السِّياسية والأمنية والاجتماعية لذلك ومطالبة البعض فيها بحلِّ سلطة الفلسطينية لأنها عاجزة عن إيقاف العمليات الاستشهادية أو القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى في فلسطين المحتلة وضم هذه المناطق إلى سلطة الكيان الصهيوني وهم يشكلون نسبة 53 بالمئة حسب أخر استطلاعات الرأي في تل أبيب،وعلى النقيض من ذلك فإنَّ هناك دراسات أمنية صهيونية تؤكد بأن بقاء السُّلطة الفلسطينية أحبط أكثر من 40 بالمئة من العمليات ضدَّ أهداف إسرائيلية وهناك حوالي7 بالمئة يعرفون أنفسهم بأنهم يساريون في كيان العدو الإسرائيلي يطالبون بأن تبقى هذه المناطق ضمن نطاق السُّلطة،وكذلك فإن الضم سيؤثر على النمو الديمغرافي والسكاني في إسرائيل وسيضرب ادعاءاتها بأنها دولة عبرية خالصة في مقتل ويعريها أمام الرأي العام الدولي وستصبح دولة ثنائية القومية عربية يهودية ويجبرها على تحمل كافة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وحتى السّياسية لعملية الضم،وهذا سيجعلها تفقد هويتها العنصرية اليهودية تدريجياً وسيتقلص نفوذها الإقليمي لأنها ستوجه كل جهودها على حل الأزمات والمشاكل المترتبة عن عملية الضم وتغير بالتالي من عقيدتها الإستراتيجية من دولة إقليمية تشنُّ حروباً عدوانية على دول الجوار كما فعلت طوال تاريخها إلى دولة غارقة في المشاكل والأزمات تعمل جاهدة على حلها بما يضمن أمنها واستقرارها الداخلي وتفادي بالتالي حرباً أهلية ربما تحدث بينَ العرب واليهود أو بين الطوائف اليهودية نفسها كما يحدث في العديد من دول الجوار لأن النسيج الاجتماعي والعرقي والطائفي لمنطقة الشرق الأوسط مترابط والبيئة الجغرافية والظروف السِّياسية والأمنية وحالة القهر والظلم التي يشعر بها قطاع واسع من سكان إسرائيل قد تدفع بهم ربما لإعلان التمرد على هذه الطبقة السِّياسية اليمنية المتعفنة أساساً،وقد نشهد مفاجئات تحملها رياح التغيير في تل أبيب.فالميزان الاستراتيجي في الكيان الصهيوني بدأ بالانهيار وهناك عدًّة مؤشرات ودلائل بدأت تلوح في الأفق في القريب العاجل وما علينا إلى التقرب وانتظار ذلك.
عميرة أيسر- كاتب جزائري