عطوان: لماذا تعمد عمرو موسى “تشويه” عبد الناصر بمذكراته؟اليكم ما سمعته شخصيا من هيكل وخالد عبدالناصر حول هذه المزاعم.
إب نيوز 27 سبتمبر
لماذا تعمد عمرو موسى “تشويه” صورة عبد الناصر في مذكراته؟ وهل كان الراحل يستورد الطعام من سويسرا؟ وهل كشف بالجرأة نفسها اسرار لقاءاته مع زعماء عرب وخليجيين؟ اليكم ما سمعته شخصيا من هيكل وخالد عبد الناصر حول هذه المزاعم
لم يجد السيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية، ووزير الخارجية المصري لاكثر من عشر سنوات، من الاسرار للترويج لمذكراته التي صدرت قبل أيام غير “التطاول” على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي قدم نفسه في اكثر من مناسبة على انه ابرز تلاميذه “النجباء”، والحريص على تقمص ادواره ومواقفه وسياساته.
صدم السيد موسى الكثيرين داخل مصر وخارجها، عندما ادعا ان الرئيس الراحل “كان يستورد طعامه من سويسرا لاهتمامه بنظام غذائي يؤدي لخفض الوزن، وكان يرسل من وقت لآخر من يأتي له بأصناف معينه من الطعام الخاص بالريجيم من العاصمة السويسرية”، وذهب السيد موسى الى ما هو ابعد من ذلك عندما اتهم الرئيس المصري الراحل بالديكتاتورية، وان مظاهرات التنحي كانت مسرحية.
السيد عمر موسى تزعم الجامعة العربية لفترتين متواليتين، والخارجية المصرية لاكثر من عشر سنوات، ولا بد انه يملك الكثير من الاسرار من خلال عمله في الوظيفتين، خاصة تلك المتعلقة بالدول الخليجية، وتجميد عضوية سورية في الجامعة، ووقوفه شخصيا، بدعم خليجي، خلف توفير الغطاء العربي لغزو ليبيا من قبل حلف الناتو، واطلاعه على الخطط التي وضعها الرئيس الفرنسي ساركوزي وقادة خليجيين في هذا المضمار، وتركيزه على الرئيس الراحل وتعمد الإساءة اليه بهذه الصورة، يصعب فهمه، مثلما يصعب علينا معرفة أسبابه.
*
لا نجادل مطلقا، او نعترض على حقه في تقديم شهادته في احداث سياسية عديدة عاصرها، وان يقول رأيه في حرب حزيران (يونيو) والهزيمة التي لحقت بالعرب، مثلما نؤمن ايمانا قاطعا ان من حقه أيضا ان يصف حكم الرئيس عبد الناصر بالديكتاتورية، لانه، أي الرئيس الراحل، لم يدع مطلقا انه يتزعم نظاما ديمقراطيا، ولم يكن هناك أي نظام عربي يمكن وصفه بالديمقراطي اثناء فترة رئاسته باستثناء لبنان، ولاحقا الكويت، وكان يقود مشروعا عربيا تعبويا نهضويا تحشيديا، في مواجهة استعمار يستهدف الامة العربية وما زال في فلسطين والجزائر وتونس واليمن وغيرها.
فاذا كان قرار التنحي “مسرحية” مثلما قال السيد موسى، فلماذا خرج عشرات الملايين من المصريين الى الشوارع مرتين، الأولى عندما اعلن هذا القرار، والثانية عندما انتقل الى رحمة الله تعالى، فهل كان الشعب المصري العظيم غبيا في الحالين، واذا كان “انخدع″، مثلما يقول بمسرحية التنحي، فلماذا خرج الملايين في جنازة الرجل الذي من المفترض انه خدعه بعد ذلك بثلاث سنوات؟
كنت في القاهرة المعز طالبا جامعيا عندما توفي الرئيس عبد الناصر، وكنت من بين الملايين التي هامت في الشوارع حزنا وقلقا، والدموع تنسكب من عيونها، في مشاعر وطنية صادقة لم ار لها مثيل، ولن انساها ما حييت.
التقيت بالصديق الاستاذ محمد حسنين هيكل، رحمه الله، عدة مرات في لندن والقاهرة وبيروت، في جلسات استمرت كل منها لعدة ساعات، روى السيد هيكل في احداها ان الرئيس جمال عبد الناصر، الذي رافقه في عدة سفرات الى الخارج، كانت احداها الى موسكو، كان يحرص ان يأخذ معه طعامه المفضل، وهو الجبنة المصرية البيضاء المالحة المنزوعة الدسم، وحبات من الطماطم، وكان يتجنب أصناف الطعام الأخرى، واذا تناولها فمن قبيل المجاملة وبحرص شديد، وروى السيد هيكل أيضا انه سافر مع الرئيس عبد الناصر في احدى المرات في بداية الثورة على ظهر يخت المحروسة الذي كان يستخدمه الملك فاروق، وقال انه والوفد المرافق استمتعوا بأفخر أنواع الطعام الذي اعده فريق من الطباخين المهرة، بينما انتحى الرئيس عبد الناصر جانبا، وتناول وجبته المفضلة الجبنة البيضاء مع الطماطم المصرية، حامدا لله وشاكرا فضله على هذه النعمة.
هذه الشهادة تؤكد ما ذكره النائب والإعلامي مصطفى بكري نقلا عن السيد سامي شرف، سكرتير عبد الناصر وصندوق اسراره الأبيض، ونفى نفيا قاطعا ما ورد في مذكرات السيد موسى، وقال انه، أي الزعيم الراحل، لم يطلب مطلقا طعاما من الخارج، وكان يستخدم الدواء المصري المصنع محليا، ويرتدي الملابس القطنية، والصوف المصري، اسوة بعامة الشعب.
*
جمعتني الاقدار بالصدفة المحضة مع المرحوم خالد عبد الناصر، نجل الرئيس الراحل في لندن، وكان بعوز مالي شديد، ويعيش حياة متواضعة جدا، واكد لي ان والده كان يفرض عليه واشقاءه أسلوب حياة اقرب الى التقشف، وبما يتطابق مع حياة معظم المصريين.
الرئيس عبد الناصر لم يترك بيتا لاولاده، ولا ارصدة مالية، ولكنه ترك لهم ولمصر، وللامة العربية بأسرها، رصيدا ضخما من الكرامة وعزة النفس، وارفع قيم الوطنية، ولا نعرف، ولا نريد ان نعرف، ماذا سيترك السيد موسى لاولاده واحفاده، لكن ما نعرفه انه ارتكب خطيئة كبرى في حق الزعيم الراحل ما كان عليه، وهو الخبير ان يقدم عليها.