أوري أفنيري ومُخططات التَّقسيم المبيتة
إب نيوز19محرم1439هـ الموافق2017/10/9 :- وأنا أقرأ ما بين السطور في الاستفتاء الكردي الذي كان بتاريخ 25 سبتمبر الجاري والذي يعتبر الخطوة الأولى للإعلان الدَّولة الكردية أو دولة كردستان المستقلة تذكرت ما قاله : الكاتب والمفكر والناشط السِّياسي أوري أفنيري صاحب نظرية الصهيونية المستحدثة والذي أفكر أن أخصِّص سلسلة مقالات منفردة لعرض أفكاره التي أثارت ولا تزال جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والسِّياسية الصهيونية، فالأديب والصحفي يوري أفنيري أو “هلموت أوسترامان” مثلما كان يعرف في ألمانيا والذي ولد سنة 1923 بمدينة هانوفر الألمانية قبل أن يهاجر منها إلى فلسطين سنة 1933مع والده الذي كان يعد أحد الأثرياء اليهود الكبار في ألمانيا، ويعمل في القطاع المصرفي قبل أن يخضع لدعاية الصهيونية ويضطر لهجرة إلى فلسطين المحتلة ليتحول إلى مُجرد شخص عادي عمل في عدة مهن حرة وشاقَّة، ثم قام بتأسيس مصبغة مُتواضعة لتنظيف الألبسة، وقضى بقية عمره نادماً لأنه قد اتخذ قرار الهجرة مع أبنائه، ومنهم أوري أفنيري الذي كان أحد أبرز أعضاء عصابة”الأرغون الإرهابية” وهو لم يبلغ بعد سنَّ 15 من عمره، ثمَّ سرعان ما اشترك في الحرب العربية الصهيونية الأولى سنة 1948، فالسِّياسي اليساري الذي كان يؤمن بالدولة الفدرالية يعيش فيها العرب والصهاينة جنباً إلى جنب وكان يحمل أفكاراً سياسيةً متناقضة ومُختلفة في بنيتها الإيديولوجية بين نفيه لهويته القومية اليهودية تارةً وإثباته لها باعتبارها لازمة من أجل تكوين دولة الكيان الصهيوني، وبين تناقض خطاباته أمام الكنيست عندما أصبح عضواً فيه لعهدتين منفصلتين ما بين سنوات 22 نوفمبر 1965-2إلى يناير 1974 ومن 31 يناير 1979 إلى غاية 13 فبراير 1981 إذ أيَّد بعض سياسات اليمين المتطرف في تعامله مع المقاومة الفلسطينية، وإلغائه لمكونات الكيان الصهيوني من عرب ودروز وغيرهم، وبين كتاباته والتي يدعو فيها إلى التَّسامح وقبول الأخر، و ينبذ فيها الطائفية والتحريض على العرب والمسيحيين من سكان الخط الأخضر في فلسطين المحتلة.
صاحب نظرية الصهيونية المستحدثة تحدَّث في أكثر من مقال له يوم كان رئيس تحرير ومؤسِّس جريدة”هعولام هزه”، أي”هذا العالم” بالغة العبرية وكانت تصدر بشكل أسبوعي في تل أبيب، عن فكرة إنشاء دول ذات صبغة إقليمية طائفية أو دينية أو إيديولوجية أو أثنية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وتكون هي المهيمنة عليها وقائدة قاطرة التقدم والديمقراطية في المنطقة بما فيها الدولة الكردية التي يعتبرها بعض مفكري اليسار الصهيوني بمثابة الأخ التَّوأم لإسرائيل و يجب عليهم المسارعة إلى احتوائها و إنشاء دولة مستقلة لشعب الكردي الذي عانى الويلات والتشرد مثل الشعب اليهودي بالضبط، فالرجل الذي ثار على أبجديات ومبادئ الحركة الصهيونية الكلاسيكية، والتي كان يراها خاصة بالحركة الاستعمارية الامبريالية الأوروبية، ولا تمتُّ لفكر السياسي اليهودي بصلة، وانتقد بشدَّة مبادئ” تيودور هرتزل” ومقولاته، وجاء بفكرة أن الإرهاب لا يقتصر على من يقاوم الصهيونية فحسب بل هو نفسه اعترف بأنه كان إرهابيا، ومن أشهر مقولاته مثلاً قوله:” لا تستطيع أن تحدثني عن الإرهاب، فأنا قد كنت إرهابيا” ، فالرؤية السِّياسية التي كانت تختلف من حيث الشكل عن الأفكار السِّياسية التقليدية في الكيان المحتل رغم أنها تتقارب معها في المضمون من حيث أن مقاربة فكر أوري أفنيري لدولة اليهودية وارتباطاتها الخارجية بدول الجوار و ضرورة مساهمتها في إسقاط القومية العربية والمساهمة في تحرر شعوب المنطقة العربية التي تعيش تحت الاستبداد التَّسلطي السِّياسي والتخويف من حركات التحرر العربية من نير الاستعمار الغربي آنذاك. لأنَّ هذه الشعوب لو تحالفت مع الصهاينة كما يقول أفنيري كان يمكن أن يكون لها علاقات وثيقة ووطيدة مع قادة إسرائيل التي كانت ستساعدهم على إجلاء القوات المحتلَّة، بينما الأهداف الرئيسية لهذه الدعوة كانت ضرب الأفكار الوحدوية القومية العربية في مقتل وقطع الطريق أمام حركات اليسار الاشتراكي العربي من تسلُّم زمام الحكم في تلك الدول العربية بعد تحرّرها.
أوري أفنيري الذي يُعتبر من الأبطال في إسرائيل إذ كتب عنه الروائي والأديب
الصهيوني”يورام كنيوك” وكذلك عن كتاب سيرته الذَّاتية التي قام بكتابتها الكاتب والصحفي اليهودي “أمنون لودر” والذي عنوانه “القتل بين الأصدقاء” مقالاً في صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية بعنوان البطل الخالد، وفيه تحدث عن أهم الأفكار السِّياسية وتمَّ اعتباره من أبطال الثقافة الإسرائيلية الكبار، و أشاد بطولاته وأفكاره وقيمه ومبادئه التي نسي كاتب المقال أنه قد ثار على بعضها في كتابه الذي نشر بالغة الألمانية والانجليزية سنة 1967 ويمكن اعتباره خلاصة نشاطاته وأفكاره، واسم الكتاب هو ” إسرائيل دون صهيونية” ، وهو العنوان الذي اضطر خوفاً من المجتمع الصّهيوني إلى تغييره ليصبح اسمه في الطبعة العبرية” حرب اليوم السابع”، فالإستراتيجية اليسارية الإسرائيلية والتي تعتبر النبراس الذي تمشي على وقع خطاه مُعظم الأحزاب الاشتراكية الإسرائيلية، والتي يعتبر أروي أفنيري من أهمِّ المنظرين لها تحمل في طياتها الكثير من الجوانب مظلمة والتي لم يسلط عليها المفكرون العرب أو الغربيون الضوء، وذلك لتعريتها أمام الرأي العام الدولي، لأنها تعتمد على إقصاء الأخر تماماً كما تفعل كل التوجهات الفكرية والإيديولوجية في الكيان الصّهيوني المحتل كما أنها تتبنى أفكاراً عنصرية تعتمد على مبدأ التفوق العرقي لشعب إسرائيل على الشعوب الأخرى التي يجب إضعافها، والعمل على زرع بذور الانشقاقات والصِّراعات المستمرة بينها، و بالتالي علينا أن لا نستغرب مما يعدُّ حالياً من مخططات مبيتة لتقسيم العراق عن طريق خلق دولة مُصطنعة شبيه بالكيان العبري المغتصب لأرض عربية مقدسة تمهيداُ لإيجاد الأرضية لتشجيع القوميات الكردية في كل من سوريا وتركيا، وإيران على الثورة على أنظمة تلك الدول وإنشاء الدولة الكردية الكبرى التي ستكون الحليف الاستراتيجي الموثوق لكيان الصُّهيوني، وهذا كله اعتماداً على فكر منظر سياسي اشتراكي صهيوني يعتبر في إسرائيل مفكراً استراتيجياً وكاتباً مهماَ، ومتعصباَ لفكر الدولة اليهودية بينما يراه بقية العالم داعية سلام ويمجِّدونه، ويقدسونه وهو ليس إلا حيَّة رقطاء تركت أفكاراً تدميرية لكل العالم العربي من الفرات إلى النيل، وعلى كل النُّخب الثقافية ومراكز الدراسات الإستراتيجية والأمنية في العالم العربي بالتالي أن يعيدوا قراءة كل كتبه ومؤلفاته لأنَّ فيها الكثير من الأفكار المهمة التي تعتمد عليها المؤسسة السِّياسية والأمنية الصهيونية لرسم سياساتها العدائية لتقسيمنا، وإعادة استعمار دولنا خدمةً لمخطط الدولة المحورية الإرتكازية في منطقة الشرق الأوسط والمتحكمة في دول الأطراف الإقليمية الضعيفة والمتناحرة والمفكَّكة.
عميرة أيسر-كاتب جزائري