السّياسة الصهيونية الاستيطانية لفلسطين المُحتلة
إب نيوز26محرم1439هـ الموافق2017/10/16 :- تُعتبر السِّياسة العنصرية الاستيطانية الصهيونية اللبنة الأولى في بناء مشروع الكيان السّياسي الصهيوني، والذي عرف لاحقاً باسم إسرائيل فهو زيادة على كونه كياناً جرثومياً استيطانياً، فإنه حاول وعلى الطريقة الغربية الأمريكية مَحو الوجود العربي من أرض فلسطين التاريخية، والاستيلاء على كل مكونات ومقومات الشَّعب الفلسطيني تماماً كما فعل الاحتلال البريطاني، والفرنسي لأمريكا الشمالية ليتحول أحفاد هؤلاء الغزاة إلى مؤسسي الدولة الأمريكية الحديثة، وإعلان الاستقلال الشهير عن بريطانيا بعد حروب دامية معها سنة 1776م، فانتهَج الصَّهاينة اليهود سياسة التَّمييز العنصري أو سياسة التمايز اللَّوني أو الأبارتايد كما تعرف في جنوب إفريقيا ضدَّ أصحاب البلد الأصليين، وقد كانت الحركة الاستيطانية أبرز مثال حيّ عليه، فالحركة الصهيونية العالمية بنت هيكلها الاستيطاني الغير المشروع على ثلاثة أعمدة أساسية كانت عبارة عن شعارات سياسية لبعض قادة أحزاب اليسار العمّالي من أمثال أري بوبر. كما ذكر ذلك الأستاذ هاني الهندي في كتابه الذي سماه، “المقاطعة العربية لإسرائيل”، وكان العمود أو الشعار الأول لهذا الهيكل هو “احتلال الأرض”، والتي يجب أن تكون حسب منظري هذا التيار العنصري السِّياسي وقفاً موروثاً لشعب اليهودي وحده، وأنَّ على اليهود بالتالي أن يعملوا وحدهم عليها، فالاستيطان يُشجَّع ويُغذَّى بالدعوة إلى التعصب القومي، والاستيلاء على الأرض والاحتفاظ بها، وعدم السَّماح بتداولها عند غير اليهود، ويتوجه شازانوف وهو أحد الرجال الأوائل الذين كانوا ضمن قوافل الوكالة اليهودية المُوجهة لفلسطين المحتلة، إلى المزارع اليهودي بالقول: أيُها المزارع كن رجلاً حراً، بين الرجال ولكن، كنْ عبداً للأرض…. اركع واسجد لها كل يوم غَذٍّ أثلا مها وأخاديدها، وعندما تعطيك حتىَّ قطعها الصخرية ففيها الخير والبركة، وتذكر في هذه العبودية أنَّك حارثٌ كادح على أرض فلسطين، وأن هذا يجبُ أن يكون وسام شرف بينَ أفراد شعبناَ، وكان التطبيق الفعلي لهذا الشعار بأن قامت المُؤسسات الصهيونية المُتخصصة، كالصندوق القومي اليهودي، بشكل خاص بشراء العديد من الأراضي أو طرد أهلها الفلسطينيين منها، أو عن طريق وُسطاء عرب أو انجليز وذلك تحت ستار الافتداء الديني، وهي الحجَّة التي لا يزال الصهاينة يستعملونها لسيطرة على الأماكن المَسيحية، والإسلامية المقدسة في القدس الشريف، ونابلس والعديد من أراضي فلسطين المُحتلة، وذلك عن طريق الأموال التي يتمُ جمعها في العادة عن طريق التبرعات أو المُساعدات المالية التي تقدِّمها الجماعات اليهودية في أصقاع الأرض، أو بعض الحكومات الغربية المُنخرطة في مشروع احتلال فلسطين وتسليمها ليهود الصَّهاينة، و الاتفاق بينَ مُختلف المجموعات الدِّينية اليهودية المتطرفة على جعل تلك الأرض التي تمَّ شراءها ملكاُ لكلّ الشعب اليهودي هناك.
وكان العمود الثاني أو الشِّعار المرفوع الذي بَنت على أساسه الصهيونية حركتها الاستيطانية اليهودية، هو شعار أو مبدأ “غزو العمل” وتعرفه الموسوعة الصهيونية بأنه عبارة وضعها أبناء المَوجة الثانية من الهجرة الاستيطانية نحو أرض الأنبياء والمرسلين 1904-1914، وبشكل خاص وتحديداً أعضاء ما يعرف بمجموعة هابوعيل هاتسعير( العامل الفتى)، وكانت تؤمن إيماناً جازماً بأنَّ العمل اليهودي، هو الركيزة الرئيسية التي يُبنى عليها المجتمع اليهودي في فلسطين المحتلة، وكان زعيمهم جوزيف أرنوفيتش ورئيس تحرير مَجلتهم الأسبوعية يؤكِّد في كل خطاب له بأنه يجب أن يتمَّ إحلال العُمال اليهودي مكان العُمال العرب حتىَّ، ولو كان هؤلاء العُمال من اليهود المُتعاطفين معهم، لأنه حسبما يرى لا يمكن بأي حال من الأحوال بدون، وجود العامل اليهودي المَأجور، والذي يجب أن يكون ولائه لحركة الصهيونية بالتأكيد، فلا يُمكن ضَمان الأكثرية العددية التي تضمنُ لهم السَّيطرة على كامل فلسطين. إذ أنَّ امتلاك عامل الأرض والعمل على تهويدهاَ إدارياً لا يكفي وحده، لأنه على العامل اليهودي أن يقوم بانجاز أعماله اليدوية بنفسه، وأن لا يتركها لعمَّال العرب. فسيطرت اليهود التَّامة على مناصب العمل في كل فلسطين، هو وحده ما سيضمن لهم مستقبلاَ السَّيطرة التَّامة، والكاملة على الأرض والسّكان معاً، وهذه السِّياسة الاستيطانية في هذا الجانب أدت إلى حدوث صراعات ومُواجهات بين المُستوطنين أنفسهم، وخاصة بين القادمين من دول أوروبا الشَّرقية، والهاربين من الموت والمَجاعة والحروب والمتأثِرين بالايدولوجيا، والأفكار الثَّورية التي حملتها رياح الثورة الأولى في روسيا سنة 1904. وهنا يَجب التنويه بالدَّور الفعال، والكبير الذي لعبته عائلة روتشيلد في بريطانيا في إنشاء، وتمويل العديد من المستعمرات اليهودية الصهيونية ، وبشكل خاص حول مُدن يافا والقدس الشريف، و بالاعتماد بشكل شبه كليّ على هؤلاء المُهاجرين الراديكاليين، والعنصريين وحسب المُختصين في حركة الاستيطان اليهودي لفلسطين فإنَّ شعار “غزو العمل” قد قام على ركيزتين أساسيتين وهما، احتلال أماكن عمل العامل وذلك عن طريق طرد العامل العربي وتعويضه بالعامل العبري، واحتلال ذاتي من قبل العامل للعمل، أي أن يغدو مُحتلاً من قبل العمل. فالاحتلال في كلتاَ الحالتين ليس من مصلحته الذَّاتية فحسب، وإنما يصبّ في مصلحة الشعب اليهودي كله.
وقد تطور هذا المفهوم الصهيوني بداية من الفترة الممتدة من 1920-1924 ليصبح العمل العبري، وهذا المصطلح قد أدى لنشوب عدَّة صراعات ومواجهات أيام الانتداب البريطاني، وخاصة لدى عمال الحمضيات وذلك داخل المستعمرات القديمة، وعلى العكس من ذلك كان هذا المصطلح الجديد مقبولاً أكثر بين العمال اليهود الذين يعملون في المهن الحرة واليَدوية، وعمال ورش البناء والإنشاءات، وكما يقول: واحد من أهمّ فلاسفة العمل الصهاينة غوردون فإنَّ العمل العبري حسب مفهومه، هو العبث القومي مثلما هو أساس إنقاذ البلاد القومية، إنَّ العمل يوضع أساساً لبعث الأمة بواسطة بعث نفسه، لأن العامل يُعيده إلى البعث، وهذه هي المهمة الأساسية لعمل وقد تحول مفهوم العمل العبري أولاً ليصبح فيما بعد العمل العبري بنسبة 100 بالمائة، وقد رافق تأسيس هذا الشِّعار وتطوره حملات سياسية مُنظمة، و إعلامية بحيث لجأت نقابة الهستدروت التي تأسست سنة 1920 والتي تضمّ مُختلف النقابات العمالية في الكيان الصهيوني إلى تجنيد العديد من أعضائها و حثهم على شنّ هجمات على العمال العرب لاحتلال أماكن عملهم بالقوة، وحسب أقوال: المؤرخ الصهيوني الذي يعد واحداً من أكبر المؤرخين لنشأة وتطور الحركة الصهيونية “مُوشيه بارسليفسكي”، فإن معركة احتلال أماكن العمل كانت أهمَّ معركة في التاريخ الصهيوني وهي التي حسمت مصير الحركة الصهيونية في الأراضي العربية المُحتلة، و بفضلها تقررت قوة الحركة العمالية، وتعاظمت وكذلك تُعتبر من الأسباب الرئيسية في استقلال الكيان العبري الصهيوني بعد أربعين عاماً.
وكان الشِّعار أو العمود الثالث الذي بنَت عليه الحركة الاستيطانية الصهيونية بيتها الذي هو في الأساس كما قال السيِّد حسن نصر الله في بلدة بنت جبيل عند طرد القوات الصهيونية من جنوب لبنان أوهن من بيت العنكبوت، هو شعار شراء الإنتاج العبري، وكان معناه مقاطعة صارمة ضدَّ الإنتاج العربي، فكان على اليهود أن يشتروا مِن المزارع والمخازن اليهودية دون سواها، و ينقل القيادي في حزب اليسار الاشتراكي الصهيوني بوبرغي هاكوهين كيف مارس هو بنفسه هذا الشعار إبَّان حكم الانتداب البريطاني، إذ كان يمنع النساء اليهوديات من الشَّراء من عند البائعين العرب أو التسوق في أسواقهم كما أنه كان يحرس المزارع اليهودية، وذلك لكي يَمنع العمال العرب من العمل فيها، ويذكر المؤرخون بأنه في فترة وجود العثمانيين في فلسطين كان عدد اليهود في حدود 85 ألف يهودي وذلك عند بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وكانت هناك مُنظمات عمّالية وسياسية واقتصادية فعَّالة ولها امتدادات على المستوى الخارجي الدولي، و كانت الحركة الصهيونية العالمية توفر الدعم المالي والمعنوي لكثير من هذه المُنظمات اليهودية الاستيطانية المرتبطة بها، وأيضاً تلك المنظمات كانت تسيطر على شبكة واسعة جداً ومتشعّبة من المستعمرات سواءً كانت خاصة أو جماعية أو تلك التي كانت تُقام على شكل تعاونيات زراعية، و تلك المستوطنات كانت لها اقتصاديات مُستقلة وخاصة بها وكذلك مؤسسات اقتصادية، ومالية مهمة كالصندوق القومي اليهودي، وشركة أنكل وبالستين، وهي عبارة عن مصرف يهودي وصندوق ائتمان، وكذلك كانت تُموّل الحركة الصهيونية وكبار رجال الأعمال اليهود هذه المؤسسات من أجل شراء أكبر عدد ممكن من أراضي الشَّعب الفلسطيني، وساهمت هذه المؤسسات، والشركات في بناء الكثير من المدن الحالية في الكيان المحتل كالعاصمة تل أبيب، والتي كانت عند بداياتها الأولى تضمّ حوالي 111 مدرسة و435 صفاً و602 معلم، و11843 طالباً وكان معظم متلقي الدروس باللغة العبرية، بالإضافة إلى أن الحركة الاستيطانية لا تزال مُستمرة إلى اليوم، و التي أتت على 70 بالمائة من أراضي فلسطين التَّاريخية، وقد نجحت في تلك الفترة في إفتكاك وعد بلفور المشئوم سنة 1917، الذي كان أحد اللَّبنات الأساسية في إقامة إسرائيل فيما بعد سنة 1948، على أرض عربية مُقدسة ومُحتلة.
عميرة أيسر-كاتب جزائري