ماذا بعد نهاية داعش في العراق وسوريا ولبنان؟
وكالات | إب نيوز23ربيع أول1439هـ الموافق2017/12/11 :-نجاح لبنان وسورية والعراق بتحرير كامل مناطقهم التي كان يحتلّها الإرهاب «المتأسلم» المتطرّف منذ سبع سنين، ينقل الصراع إلى قلب فلسطين المحتلة التي لا تزال تشكّل الاهتمام الأميركي الأساسي الذي يحمي «إسرائيل»، وذلك لإضعاف المشرق العربي والإمساك بالعالم الإسلامي.
يرقى هذا الاهتمام إلى مرحلة الانتصار الأميركي في الحرب العالمية الثانية في 1945، ولم يتوقّف لحظة، بل استمرّ بالتصاعد بأشكال مختلفة.. تارةً على شكل دعم مفتوح ومستمرّ لـ «إسرائيل»، وطوراً ببناء تحالفات مع دول عربية مختلفة على قاعدة الصلح مع العدو «الإسرائيلي»، وأحياناً ارتدى شكل حروب «إسرائيلية» كبيرة على سورية ولبنان تواصلت بعنف شديد منذ السبعينيات وحتى 2006، ونجحت فيها بإخراج مصر نهائياً من دائرة القضية الفلسطينية، وتلتها السلطة الفلسطينية والأردن، مع رعاية أميركية لتقارب علني بين معظم دول الخليج (الفارسي) و«إسرائيل» ترتدي أشكالاً سياسية وإعلامية، وتنسّق استراتيجياً بشكل غير علنيّ حتى الآن.
الاستثناء الوحيد على قاعدة السيطرة الأميركية «الإسرائيلية» في تلك المرحلة كان حزب الله الذي قاتل «إسرائيل» منذ 35 عاماً بدأت في 1982، محرّراً فيها جنوب لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي»، ومانعاً «إسرائيل» من العودة إلى احتلاله في 2006، وداعماً جبهات مقاومة فلسطينية في الضفة وغزة وبعض المدن المحتلة في 1948. وهذا دعم متواصل بالتدريب والسلاح، ودعم مالي مفتوح عبر الحزب من الجمهورية الإسلامية في إيران.
ومع انتصار الجيوش السورية والعراقية واللبنانية وحزب الله والغارات الروسية والدور الإيراني والمنظمات الحليفة على إرهاب مدعوم من النفوذ الغربي الأميركي «الإسرائيلي» الخليجي والتركي… هذا الإرهاب الذي سيطر على مئات آلاف الكيلومترات المربعة في قلب المشرق، لنصف عقد تقريباً، انهار في معظم المناطق من لبنان إلى العراق مروراً بسورية، متسبّباً بإشكالية استراتيجية لصانعيه وداعميه، فهؤلاء مستمرّون بمحاولة تدمير الدول العربية الوطنية وحزب الله.
يجب إذاً، الإقرار بأنّ هذه القوى المقاومة صنعت انتصاراً في قلب الجيوبوليتيك الأميركي «الإسرائيلي» السعودي، وتحرص على صيانته وتوسيعه. يتمكن أيضاً الإضافة أنّ روسيا لا تستطيع الرجوع إلى الوراء، لأنّه لا يقضي فقط على منجزاتها الجيوبوليتيكية الجديدة، بل ينتزع منها على الأرجح وجودها على البحر المتوسط حتى في قاعدتَي حميميم وطرطوس.
فهل يمكن القول إنّ المرحلة الأميركية التي بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1990 وحتى 2017 سقطت إلى غير رجعة؟
ما يمكن تأكيده حتى الآن أنّ وسيلتين رعتهما السياسات الأميركية مع حلفائها الدوليين والإقليميين والعرب سقطتا إلى غير رجعة الأولى انهيار «الإرهاب الإسلاموي»، وسيلة تفتيت الدول الوطنية، وتراجع دور «الإيقاد الدائم للفتنة الشيعية السنية». فإلى أين يتّجه صراع المحاور في «الشرق الأوسط»؟
يستعجل المحور الأميركي تحقيق أيّ إنجاز في أيّ جبهة من جبهات الأزمات، ليستعيد مكانته معنوياً ويعاود ترميمها على المستوى الملموس.
ويمتلك لتأمين المطلوب قوات في شرق سورية وحدودها مع العراق، مع نحو اثنتي عشرة قاعدة فيهما، إلى جانب ورقة الاحتياط الكردية. ولديه الدور السعودي في اليمن وبعض تحالفاته المستمرة في العراق وسورية.
لكنّ الحليف الأقوى للنفوذ الأميركي في المشرق كان ولا يزال الكيان «الإسرائيلي»، بما هو قوة عسكرية كبرى تقطع الطرق بين دول بلاد الشام سياسياً ولوجستياً، وتعزل العراق.
لذلك كان من الطبيعي أن تستحضر واشنطن الدور «الإسرائيلي» على عجل، على قاعدة تلبية متطلّباته الأساسية، وهو دور لم يغب أبداً عن ممارسة أدواره العدوانية المطلوبة، إنّما بعيارات مختلفة وحسب الطلب.
وبما أنّ إعادة استنهاض تركيا في أدوار في المشرق يجب أن تمرّ على جثث الكرد المتأمركين، حسب مطالب أردوغان، فإنّ واشنطن تتّجه في مرحلة ما بعد الإرهاب الإسلاموي إلى استنهاض «إسرائيل» بشكل مباشر، وبدعم من تحالفاتها العربية القديمة والجديدة. لذلك قذف ترامب ورقة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» في وجه مليار ونصف المليار من الشعوب الإسلامية، متّكئاً على تأييد الخليج (الفارسي) ودول عربية أخرى إلى جانب دول إسلامية ترزح تحت أعباء الفقر والتخلف والتبعية لواشنطن والرياض مقابل مكرمات وصدقات، وحماية أميركية للأنظمة والمزيد من الإفقار للشعوب.
أمّا المراهنات الأميركية على الحلف «الإسرائيلي» السعودي، فتعتقد القوى الأميركية الأساسية أنّها ممكنة، إنّما بعد استنفاد زخم التحركات العربية الإسلامية على المستوى الشعبي، الرافضة لقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واستتباع المسجد الأقصى إلى الرعاية الصهيونية بتغطية من الأردن «الهاشمي»، وهي صنعة ضرورية للتبرير والتنويم. وبذلك تترقّّب السياسات الأميركية يأس الشعوب العربية والإسلامية، وقبولها بصفقة خليجية «إسرائيلية» يشارك فيها السيسي وملك الأردن، تقوم على تأمين دويلة فلسطينية على «أشلاء» فلسطينية تشكّل نحو 20 في المئة من فلسطين وعاصمتها قرية أبو ديس.
لقد فوجئت واشنطن باتساع رقعة الاحتجاجات وشمولها دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع، وروسيا والصين والهند… وحدها جامعة الدول العربية التي قرّر وزراء خارجيتها استنكار الموقف الأميركي في موقف مشبوه من أصحاب القضية، وكان بوسعهم إعلان إلغاء اتفاق أوسلو وقطع العلاقات مع واشنطن، لكنّهم اكتفوا بإبداء الاستياء والامتعاض… أهذا كافٍ لاستعادة القدس والأراضي التي احتلّتها «إسرائيل» في 1967؟ ولماذا لم تطالب «الجامعة» بتحرير الجولان السوري المحتلّ منذ تلك المدة؟! لا شكّ في أنّه النفوذ الأميركي السعودي الذي يفعل العجائب في عالم عربي يحكمه مشعوذون لا علاقة لهم بشعوبهم.
الورقة «الإسرائيلية» المغطاة بالتوابل السعودية هي البديل الأميركي لخسائر في المشرق… فماذا عن جبهة المقاومة؟
يتّجه هذا التحالف بعد استقراره في المحور السوري العراقي القوي لبنانياً، أن يدعم فلسطين بمستويين: المال والسلاح، لانتفاضات داخلية قوية يشتدّ عصبها عربياً وإسلامياً مع تصاعد جدّية حركتها الفلسطينية. أمّا الخطوة الثانية، فتتجه نحو بناء نظام تحالفات عميقة وواسعة مع كلّ القوى الإسلامية والمدنية والغربية التي ترفض المشاريع الأميركية.
وتبقى الخطة الأهمّ، وهي تطويق «إسرائيل» بقوى جهادية على مقربة من الجولان وجنوب لبنان بعمق عراقي وإيراني، لن تتأخّر روسيا نفسها في تأييده، لما له من تأثير على حركة التراجعات الأميركية في العالم الإسلامي.
ألا تدخل في باب الرسائل الموجّهة إلى المحور الأميركي «الإسرائيلي» وجود الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عند الحدود السورية العراقية، وجولة قيس الخزعلي قائد عصائب أهل الحق العراقية على حدود لبنان مع «إسرائيل»؟!
لذلك، يتبيّن أنّ عمل حلف المقاومة المقبل لن يكون إلا عند حدود فلسطين مع سورية ولبنان وفي داخلها، مواصلاً مهمة الدفاع عن اليمن واستنهاض العالم الإسلامي على القاعدة التالية: ما العلاقة بين الهجوم «الإسرائيلي» الأميركي على المنطقة العربية والإسلامية بأسرها بالفتنة «السنية الشيعية»؟ وما العلاقة أيضاً بين هذه الفتنة والاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»؟ هذه أسئلة للتفكير والمراجعة، على أمل أن يشتدّ الطوق حول الكيان «الإسرائيلي» وتصبح القضية تحرير فلسطين بكاملها، لا مجرّد الاكتفاء بقسم منها.