عبد الباري عطوان : طائرات “الدرونز” التي هاجمت قاعدتي حميميم وطرطوس اما إسرائيلية او أمريكية الصنع.. فأين سيكون الانتقام الروسي وكيف؟
إب نيوز 10 يناير
طائرات “الدرونز″ التي هاجمت قاعدتي حميميم وطرطوس اما إسرائيلية او أمريكية الصنع.. فأين سيكون الانتقام الروسي وكيف؟ ولماذا تجد تركيا نفسها في مواجهة مع القوتين العظميين على أرضية اجتياح ادلب؟
اذا اردنا ان نفهم التقدم المتسارع لقوات الجيش العربي السوري المدعوم إيرانيا على الأرض، وبغطاء روسي في الجو في منطقة ادلب، والاستيلاء على مدينة سنجار وعشرات القرى الأخرى في الريف المجاور، والاستعداد لمعركة قاعدة ابو الظهور الجوية (ترددت انباء انها سقطت في يده) التي تبعد 50 كيلومترا عن قلب المدينة، وتعتبر ثاني اكبر قاعدة جوية سورية في شمال سورية.. نقول اذا اردنا فهم هذه الخطوة المهمة سياسيا وعسكريا، ما علينا الا العودة الى ليلة 5 و6 كانون الأول (يناير) الحالي، عندما اغارت 13 طائرة بدون طيار (درونز) على القواعد الجوبة والبحرية الروسية في حميميم وطرطوس مصحوبة بقصف صاروخي وقذائف مدافع المورتر.
هذا الهجوم اسفر عن مقتل جنديين روسيين واصابة سبعة آخرين من جراء قذائف المورتر، اما الصواريخ فقد جرى التصدي لها، واسقاط الطائرات بدون طيار واسر ثلاثة منها كانت سليمة وغير مصابة، وأكدت معظم التقارير المحايدة عدم إصابة أي طائرة حربية روسية، وان الصور التي جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي لسبع طائرات محطمة غير صحيحة، واخذت في أماكن أخرى.
***
التحقيقات والفحوصات الفنية الروسية التي جرت لهذه الطائرات، وظروف اطلاقها، توصلت الى نتائج على درجة عالية من الخطورة، واحدثت صدمة في أوساط القيادة الروسية، ونلخصها في النقاط التالية نقلا عن مصادر عسكرية وغربية:
أولا: مصدر هذه الطائرات دول تملك قدرات تكنولوجية عالية جدا، بسبب تطورها التقني، وآليات الحكم فيها عن بعد، ودقة توجيه صواريخها، الامر الذي اثار العديد من القلق في موسكو.
ثانيا: هناك دولتان تملك وتنتج هذا النوع من الطائرات وتكنولوجيا اطلاقها، والتحكم فيها، وهي الولايات المتحدة وإسرائيل، ويستبعد الخبراء الأخيرة، أي إسرائيل، حتى الآن، لانها لا تجرؤ على استعداء روسيا، ومواجهة غضبها، ويؤكدون ان مصدرها الولايات المتحدة على الارجح.
ثالثا: ان هذه الطائرات انطلقت من مدينة ادلب، ومناطق تابعة لجبهة “تحرير الشام” النصرة سابقا، وكذلك الصواريخ وقذائف المورتر.
رابعا: يأتي إطلاق هذه الطائرات والهجوم على حميميم في اطار خطة أمريكية لإقامة جيب كردي مستقل في شمال سورية، ويوجد موضع قدم عسكري لها ولاسرائيل، وجاء هذا الهجوم رسالة الى موسكو وسوريا وايران وتركيا بإشهار هذه النوايا الامريكية، فأمريكا تريد ممرا للجيب الكردي الذي سيكون في مساحة لبنان الى البحر المتوسط في اقصى شمال الساحل السوري لان هذا الجيب لن تكون له أي قيمة استراتيجية بدون اطلالة بحرية على المتوسط.
خامسا: رصدت الرادارات الروسية تحليق طائرة تجسس أمريكية لمدة اربع ساعات على ارتفاع 7 آلاف متر، فوق قاعدتي حميميم وطرطوس اثناء الهجوم عليهما ليلا.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان استشعر هذا الخطر المزدوج الذي يهدد طموحاته الاستراتيجية في سورية والمنطقة، فهو منزعج من المخطط الأمريكي بإقامة جيب كردي من ناحية، وتقدم القوات السورية المدعومة إيرانيا وروسيا للاستيلاء على مدينة ادلب، وحرمان قوات جيشه، وقوات المعارضة السورية الموالية له فيها مثل جبهة “النصرة” والجيش السوري الحر، و”احرار الشام” من قاعدتها الأخيرة في مدينة ادلب، مما يعني ان تركيا قد تخسر وجودها ونفوذها في سورية كليا.
الخارجية التركية انشغلت طوال اليومين الماضيين في استدعاء سفراء الولايات المتحدة (اليوم الأربعاء) وايران وروسيا (الثلاثاء) للاحتجاج على سياسات حكوماتهم، فقد احتجت للقائم بالأعمال الأمريكي على دعم بلاده للأكراد وجيبهم المقترح، مثلما احتجت لسفيري ايران وروسيا على تقدم الجيش السوري باتجاه ادلب المشمولة في اتفاقات آستانة لخفض التوتر، باعتبار هذا التقدم خرفا للاتفاق.
احتمالات الصدام الروسي الأمريكي على الارض السورية تتصاعد بعد الهجوم المفاجئ على حميميم، بشكل مباشر او غير مباشر (بالإنابة)، وهناك من يتنبأ بعدة خيارات روسية للانتقام لهذا الهجوم، نوجزها فيما يلي:
الأول: اقتحام مدينة ادلب وتصفية جميع الفصائل المسلحة فيها، وخاصة جبهة تحرير الشام (النصرة) والفصائل الموالية لتركيا، واعادتها كاملة للسيادة السورية، وتنفيذ هذا الاقتحام بدأ من قبل الجيش العربي السوري وحقق نجاحات كبرى.
الثاني: الايعاز للميليشيات الموالية لإيران وسورية وروسيا بشن هجمات لإلحاق اكبر خسائر ممكنة في صفوف القوات الامريكية في سورية والعراق معا، على غرار الهجوم على قاعدة للمارينز في بيروت عام 1983 الذي أدى الى مقتل 241 جنديا في هجوم استشهادي نفذته خلية تابعة لـ”حزب الله”.
الثالث: الايعاز لإيران حليفة أمريكا بتزويد حركة “طالبان” في افغانستان بتكنولوجيا طائرات “الدرونز″ مثلما فعلت مع “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس″ في قطاع غزة، واستخدام هذه الطائرات لشن هجمات على القوات الامريكية وقواعدها (هناك سبعة آلاف جندي امريكي في أفغانستان والعدد نفسه لقوات حلف الناتو).
***
نرجح ان تكتفي روسيا بالخيار الأول، أي الهجوم على ادلب، والقضاء على الفصائل المسلحة فيها، مما يمنع تكرار أي هجوم جديد على قواعدها في اللاذقية (حميميم) وطرطوس كخطوة أولى، ثم بحث الخيارات الأخرى لاحقا، وحسب ردة الفعل الامريكية.
القيادة التركية ربما تخرج الخاسر الأكبر في تطورات الأوضاع في ادلب، فاذا تصدت قواتها للجيش السوري المتقدم نحوها لحماية الفصائل الحليفة، فإن هذا يعني الدخول في حرب مع الروس والإيرانيين والسوريين، واذا تدخلت عسكريا ضد الاكراد في منبج وعفرين لمنع قيام الجيب الكردي بدعم أمريكا فانها قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، ودون أي غطاء من حليفيها الروس والإيرانيين.
خيارات الرئيس اردوغان صعبة للغاية، والوقوف على الحياد، وعدم الانحياز لهذا الطرف او ذاك، قد يعني خسارته معظم نفوذ بلاده، ان لم يكن كله في المنطقة، وسورية والعراق تحديدا.
استدعاء جميع سفراء الأطراف التي تشكل قلقا وازعاجا لانقرة والاكتفاء بالاحتجاج لن يكون كافيا، ولا بد من قرار حازم وحاسم اما بالانضمام الى روسيا او أمريكا.
وحتى يقرر الرئيس اردوغان في أي خندق سيقف ستكون قوات الجيش العربي السوري قد استعادة مدينة ادلب.. والله اعلم.