ترجمة خاصة بوكالة الصحافة اليمنية: نَشَرَ المُحامي الإسرائيلي، «ميشال سفارد»، الأسبوع الماضي في جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، التي تُوصف بأنّها «ذات خط تحريري تقدمي»، مقالة تحت عنوان «الواجب الأخلاقي يحتم على كل إسرائيلي مقاومة الاحتلال»، أثار ضجة لاعتراف كاتبه باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. وإن بدا الموقف جريئاً في ظاهره، فإنّ نصّ المقال لا يعدو أن يكون انتقاداً لاذعاً لسياسة الاحتلال الإسرائيلية دون المسّ بالمبادئ الأساسية للفكر الصهيوني أو بطبيعة النظام «الديموقراطي» لإسرائيل.
المحامي «ميشال سفارد»، والخبير في القانون الإنساني الدولي، أستشهدَ خلال مقاله بعبارات من كُتاب ومؤرخين يهود مثل الحاخام/ ابراهام جوشوا هيشيل، حَاخام أمريكي بولندي المولد وأحد اللاهوتيين اليهود الأوائل والفلاسفة اليهود في القرن العشرين، بحسب الصحيفة.
وأضاف الكاتب أن هيشيل الزعيم اليهودي يُعد أبرز المشاركين في حركة الحقوق المدنية الأمريكية. مضيفُا أن لديه صورة مشهورة، كتفً بكتف في الصفوف الأولى مع المتظاهرين في مسيرة بيخ في السابع من مارس 1965، وهو اليوم الذي عُرف بيوم الأحد الدامي، وشارك فيها ستمئة شخص من المطالبين بالحقوق المدنية للسود، في وقد اتجهت المسيرة من مدينة سلمى إلى مونتغمري، عاصمة ولاية ألاباما.
وأشار الكاتب أن حركة الحقوق المدنية لم تكن السبب الوحيد الذي دفع بـ«هيشكل» إلى رفع صوته الأخلاقي الواضح. ففي أواخر الستينات، انضم إلى حملة الحرب بقيادة أمريكا على فيتنام. وفى مقابلة تلفزيونية له فى عام 1972 قبل بضعة اسابيع من وفاته أعرب عن حاجته إلى التعبير عن احتجاجه على تلك الحرب وقال أنه «مسؤول أيضا عن قتل الأبرياء فى فيتنام». وبحسب الكاتب فقد قال في تلك المقابلة الشهيرة إلى حدا ما: «في المجتمعات الحرة، البعض مذنبين، والجميع مسؤولون».
أضاف الكاتب: إن الفرق الذي رسمه «هيشيل» بين الذنب والمسؤولية هو أساس المفهوم اليهودي «تيكون أولام»؛ وهي عبارة من اللغة العبرية والتي تعني حرفيا من خلال العمل الاجتماعي والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية. وتبني مفهوم المسؤولية المشتركة للبشرية من أجل شفاء وإصلاح وتغيير العالم. وأضاف أن المفهوم هو أن الالتزام الشخص الأخلاقي تجاه الآخر هو واسع ويشبه تماما الوصية التي تحث على حب جارك كما تحب نفسك، ومن الواضح أنه يتجاوز المسؤولية القانونية التي تُعرِف الذنب.
ونحن، بوصفنا إسرائيليين، مسؤولون جميعا عن واقع الاحتلال، حتى لو لم نكن نعيش نقاط التفتيش، أو نعيش في المستوطنات، أو نحصل على تصاريح، لأن مجتمعنا ومؤسساته وهيئاته الإدارية تتخذ قراراتها التمييزية في شراكة معنا وتنفيذ سياساتها التمييزية باسمنا؛ وبقدر ما يؤدي هذا الظلم إلى أرباح (أرباح مالية، على سبيل المثال)، يستفيد المجتمع الإسرائيلي ككل.
إن الاحتلال هو مشروع إسرائيلي، وليس فقط مشروع من يدعمونه. إن الحكومة الإسرائيلية توجه الموارد اللازمة للمحافظة على الاحتلال من جميع مواطني البلاد، وليس فقط أولئك الذين يؤيدون استمرارها، ويتمتع بفوائد الاحتلال هو اقتصاد البلاد والذي يتمتع به جميع الإسرائيليين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن مسؤوليتنا، حتى بالنسبة للقرارات والإجراءات التي نعارضها، تأتي من انتمائنا إلى جماعة، وجزء لا يتجزأ من سلوكها تجاه الأطراف الخارجية؛ والحقيقة أن أغلبية الجماعة تتخذ قرارات معارضة للأقلية، والتي قد نحددها، لا تُخلي الأقلية من المسؤولية عن أعمال الجماعة التي تنتمي إليها.
وعليه، فإن الظلم الخارجي يختلف كثيراً عن الظلم الذي يحدث داخل المجتمع. في هذه الحالة، مسؤولية المعارضة تكون خفيفة ولا أثر لها. فهي ليست جزءا من العمل الجماعي ضد عنصر خارجي. وقد حاولوا منع الأذى لأنفسهم أو للآخرين على يد قوات في نفس الجماعة. ولم يتضرر هؤلاء الضحايا الداخليون من المجتمع كهيئة واحدة (هم أنفسهم أعضاء في المجتمع وشاركوا في العملية التي أنتجت القرار الذي أضربهم)، ولكن من جانب قسم واحد من المجتمع الذي ينتمون إليه، قسم التي بدأت وتدعم الممارسة أو السياسة الضارة.
في معظم الحالات، هذا القسم هو الأغلبية، ولكن يمكن أن تكون أيضا أقلية تمكنت من الاستفادة من السلطة السياسية. ولهذا السبب، فإن الاحتلال هو عمل إسرائيلي، في حين أن التمييز ضد مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية ( LGBT)، على سبيل المثال، هو فعل من أفعال المثليين وحلفائهم السياسيين.
والمسؤولية الجماعية هي المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها المجتمع عن الأعمال الخارجية التي تقوم بها الجماعة. وهو ينبع من الانتماء وأيضا من الشراكة. كونك جزءاً من جماعة تثري الجميع بمن في ذلك الأعضاء بحيث أن كل فرد يثري الجماعة بما تحتاجه من لوازم كالطاقة والقوة. فالمواطن يعطي ثروة سياسية واقتصادية واجتماعية لبلده، ويغذي بدوره ما يجلبه الآخرون.
هذا هو وضعنا كإسرائيليين، حتى بالنسبة لأولئك الذين يعارضون الاحتلال. نحن مسؤولون. ولكي نأخذ كلمات الحاخام/ هيشيل، فإن بعضهم مذنبون بالاحتلال، ولكن كلهم مسؤولون عنه، ولا يمكن محو هذه المسؤولية. إنها معنا أينما ذهبنا كـ إسرائيليين. ولكن مسؤوليتنا ليست الذنب. الشعور بالذنب شخصي. وهو ينبع من فعل غير مشروع يرتكبه فرد، ولا يمكن أن تنسب أعمال الآخرين إلى ذلك الفرد.
ومع ذلك، فإن المسؤولية تخلق واجبا أخلاقيا يقع على عاتق أفراد الجماعة، حتى لو لم يحملوا ذنبهم. والواجب الأخلاقي الأساسي هو الكفاح من أجل وضع حد للظلم. إنها واجب أن يقاوم.