عند نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة غياب دولي وحضور عربي من خلف الكواليس
ومن أصل 86 بعثة دبلوماسية موجودة في تل أبيب وقفت 32 دولة “هامشية” إلى جانب ترامب وقراره حيث حضروا مراسم الاحتفال التي عقدت على أنغام رصاص جنود الاحتلال المتوجّه إلى صدور المدنيين العزّل في غزة، بينما بقيت الأسرة الدولية تعتبر القدس الشرقية أرضاً محتلة ومن غير المفترض إقامة سفارات في المدينة طالما لم يتم البتّ بوضعها عبر التفاوض بين الجانبين المعنيين، وهو ما عزّزه أيضاً مشروع القرار الذي عرض في مجلس الأمن نهاية العام الماضي والذي أكّد رفض إعلان الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، فنال موافقة جميع الدول الأعضاء في المجلس، باستثناء واشنطن التي استخدمت الفيتو ضده.
واللافت هنا في هذه المناسبة حجم الإحجام الأوروبي عن المشاركة في هذه المراسم رغم أننا تعوّدنا حتى الأمس القريب على تماهي سياسة الاتحاد الأوروبي مع السياسية الأمريكية.
من بلدان الاتحاد الأوروبي شاركت 4 دول هي: النمسا، والتشيك، والمجر، ورومانيا، إضافة إلى دول غير أعضاء في الاتحاد هي: ألبانيا، مقدونيا، صربيا، جورجيا، أوكرانيا.
ومن الدول الإفريقية شاركت كل من: إثيوبيا، أنغولا، الكاميرون، كينيا، نيجيريا، رواندا، جنوب السودان، تنزانيا، زامبيا، الكونغو، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساحل العاج.
ومن دول أمريكا اللاتينية شاركت الدومينيكان، السلفادور، غواتيمالا، هندوراس، بنما، بيرو، باراغواي، فيما اقتصر حضور دول آسيا على ميانمار، الفلبين، تايلاند، فيتنام.
قرار الاتحاد الأوروبي برفض القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي وعزوف دول الاتحاد الأوروبي عن المشاركة في تلك المراسم شكّل سابقة يجب الوقوف عندها خاصة أن هذا القرار يأتي بالتزامن مع قرار أوروبي مماثل بخصوص الاتفاق النووي، ما يشير إلى أن هناك شبه أجماع أوروبي لعدم مجاراة ترامب وقراراته المتهورة.
وقرباناً لافتتاح السفارة الأمريكية، وكرمى لابنة ترامب ايفانكا، وزوجها جاريد كوشنير اللذان كلفا نفسيهما عناء السفر من واشنطن إلى القدس لحضور هذه المراسم، أقدمت “إسرائيل” على ذبح 52 فلسطينياً وطوّبت بدمائهم جدران السفارة علّها تستطيع أن تدمغ باللون الأحمر الحقائق وتتمكن من تحويل القدس أمام العالم إلى عاصمة للدولة اليهودية.
وحدها الدول العربية كانت الغائب الحاضر عن هذه المراسم، وتجنباً “للإحراج” ربما لم ترسل السعودية والإمارات والبحرين ممثليها إلى القدس المحتلة، لكن الأكيد أن زعماء تلك الدول قاموا بواجبهم على أكمل وجه واتصلوا بحلفائهم الأمريكيين، وحلفائهم الجدد في “إسرائيل”، وباركوا لهم هذه الخطوة، فكل ما حصل حتى الآن تم بالتشاور مع قادة الدول العربية كما أخبرنا ترامب ووزارة خارجيته، وبينما يتساقط الفلسطينيون تباعاً على مذبحِ السياج الفاصل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة المحاصر في مليونية العودة، يبدو أن عملية التسوية والسلام قد دخلت نفقاً مظلماً، إلا في القاموس الإسرائيلي-الأمريكي-السعودي الذي يبدو أن مفهومهم للسلام يعني استسلام الفلسطينيين وقبولهم بخريطة التسوية الأمريكية الجديدة أو ما بات يعرف بصفقة القرن.
وعلى عكس المواقف العربية المعلنة رفضاً لقرار ترامب، صدرت مواقف وخطوات تطبيع عربية أظهرت أن الضجيج الذي صدر عن عواصم بعض الدول الخليجية، التي تشكل رأس الحربة في مشروع التطبيع المجاني، لا يمت بصلة إلى الأفعال على الأرض، والتي بشّرت بـ”عصر جديد من العلاقات غير المسبوقة بين العالم العربي وإسرائيل” كما وصفها نتنياهو نفسه في تصريح له قبل أشهر قليلة، دفعت المراقبين لاعتبارها تشكّل أخطر موجة تطبيع مع الكيان الإسرائيلي كونها تأتي في ظل تسارع الخطا الأمريكية لتمرير صفقة القرن، وفي أوج الاحتجاجات الفلسطينية على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
أبرز هذه المواقف كانت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أدلى بها أثناء لقاء سرّي جمعه مع ممثلي منظمات يهودية أمريكية خلال زيارته لأمريكا نهاية مارس/آذار الماضي هاجم فيها القيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وشدد على “حق “اليهود بإقامة وطنهم في فلسطين المحتلة، وعلى نفس الخطا سارت كل من البحرين والإمارات فرغم رفضهما علناً لقرار ترامب أرسلت الدولتان وفوداً للتطبيع مع “إسرائيل” ضمن احتفالاتها بالذكرى السبعين لقيام الكيان الغاصب، حيث شارك درّاجون إماراتيون وبحرينيون في سباق نظّم بالقدس المحتلة ضمن فعاليات “سبعينية قيام إسرائيل”، وقبلها أرسلت البحرين وفداً تجوّل في شوارع القدس المحتلة في أوج موجة الغضب الفلسطينية احتجاجاً على قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولم يفوّت وزير الخارجية البحرينية أي مناسبة ليعرب عن دعمه وتأييده للكيان الإسرائيلي.
ومع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية يعيش الفلسطينيون حلقة جديدة من مسلسل نكبتهم ولكن هذه المرة بتوقيع ترامب وبمباركة عربية، لكن الدماء التي سقطت أمس على مذبح السياج في قطاع غزة أكدت لنا المقولة الفلسطينية الشهيرة “لا يموت حق وراءه مطالب”.