عطوان : رسالة خذلان أمريكية صادمة للمعارضة السورية المسلحة في درعا والقنيطرة.
إب نيوز ٢٤ يونيو
عبد الباري عطوان :
رسالة خذلان أمريكية صادمة للمعارضة السورية المسلحة في درعا والقنيطرة: لن نتدخل لحمايتكم.. وواجهوا قدركم لوحدكم.. ثلاثة تطورات تحدد مصير الجبهة الجنوبية.. وفتح الحدود الأردنية السورية بات مسألة أيام.. والباصات الخضر تتأهب للمهمة القادمة.. ما الجديد؟
الرئيس السوري بشار الأسد وضع الفصائل المسلحة في جنوب غرب سورية (درعا والقنيطرة وحوران) امام خيارين لا ثالث لهما، في حديثه المطول الى محطة وكالة “روسيا اليوم”، اما المصالحة، والقبول بحل سياسي على غرار ما حدث في الغوطة الشرقية، او مواجهة الحل العسكري، ويبدو مع تواصل تقدم الحشودات الضخمة للجيش السوري في المنطقة، ان جهود الوساطة التي قام بها مبعوثون روس طوال الاسابيع الثلاثة الماضية لتجنب المواجهة العسكرية وصلت الى طريق مسدود.
هناك ثلاثة تطورات مهمة تؤكد ان معركة الجيش العربي السوري في الجبهة الجنوبية باتت اقرب الى الحسم العسكري السريع، ويمكن ايجازها كالتالي:
ـ أولا: اختيار الجنرال سهيل الحسن، الملقب بـ”النمر” لقيادة القوات السورية الزاحفة نحو الجنوب، وقيادة المعركة، فهذا القائد المقرب جدا من الرئيس الأسد، ويحظى بثقة القيادة العسكرية الروسية في الوقت نفسه، لم يخض معركة الا وحسمها عسكريا لصالح النظام لجرأته واقدامه حسب الذين يعرفونه، وسجله العسكري في ميادين القتال.
ـ ثانيا: اقدام الطائرات الروسية على شن غارات على مواقع للفصائل المسلحة، وخاصة جبهة “النصرة” في ريف منطقة درعا الشرقي، تحت “غطاء قانوني” يفيد بأن اتفاق تخفيف حدة التوتر في المنطقة انتهى في تموز (يوليو) عام 2017 ولم يجدد، مضافا الى ذلك انه لا ينطبق على جبهة “النصرة”، وجيش خالد بن الوليد الذي يعتبر فصيلا تابعا لـ”الدولة الإسلامية”، وقدمت قيادته البيعة للخليفة ابو بكر البغدادي، فهذان التنظيمان مدرجان على قائمة “الإرهاب”.
ـ ثالثا: تخلي الولايات المتحدة الامريكية، وغرفة “الموك” التي كانت تديرها في الأردن عن فصائل المعارضة السورية المسلحة، وتوجيهها رسالة “صادمة” من مسؤول قيادي كبير فيها الى هذه الفصائل، اضطلعت وكالة الصحافة الفرنسية على نصها العربي، تقول صراحة، وبكل وضوح “لن نتدخل عسكريا لدعمكم في مواجهة أي هجوم سوري وشيك.. وسنكتفي بنصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري”، وهذه الرسالة تذكرنا بما قاله جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق لناشط سوري “استفزه” في لندن قبل عامين “هل تريدني ان ادخل حربا مع الروس من اجلكم؟”.
***
الخبراء العسكريون الذين تحدثنا معهم، اكدوا لنا ان الاستراتيجية السورية الروسية المتبعة في جنوب غرب سورية تحتم سيطرة الجيش السوري على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بالحدود الأردنية، ومعبر نصيب الدولي في اسرع وقت ممكن، ولا يستبعدون انتصارا سريعا في هذا الميدان، بعد تخلي أمريكا عن المعارضة، ورغبة الحكومة الأردنية في عودة المعابر الى السيادة السورية الكاملة، وتهيئة الأجواء لإعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري يقيمون على ارضها ويشكلون عبئا سياسيا وامنيا على كاهلها، والقضاء على وجود الفصائل المسلحة وما تشكله من فوضى امنية، خاصة ان اعادة فتح هذه المعابر سيحقق للسلطات الأردنية ما يقرب من 400 مليون دولار سنويا كرسوم وضرائب على الشاحنات والسلع هي في امس الحاجة اليها في ظل الازمة المالية الطاحنة، واتباع سياسة الاعتماد على النفس اقتصاديا.
علامة الاستفهام الكبرى تظل مطروحة حول ردة فعل القيادة العسكرية الإسرائيلية تجاه هذه التطورات العسكرية المتسارعة في الجانب الآخر من جبهة الجولان، خاصة ان وضع هذه الفصائل المسلحة، التي كان بعضها يحظى بالرعاية الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، والطبية، (3000 عنصر من المعارضة المسلحة تلقوا علاجا في المستشفيات الإسرائيلية طوال السنوات الخمس الماضية).
من الواضح ان الرهانات الإسرائيلية في هذا المضمار قد انهارت، وحتى لو صحت التقارير التي تقول بأن روسيا وامريكا قدمتا ضمانات بابتعاد القوات الإيرانية 40 كيلومترا عن التموضع قرب الحدود الفلسطينية السورية، فان هذه الضمانات “غير مضمونة”، حالها حال اتفاقات خفض التوتر، والوعود الامريكية والخليجية للمعارضة السورية بإسقاط النظام، فكيف يمكن التمييز بين القوات السورية ونظيرتها الإيرانية؟ على أساس لون العيون الزرق، ام لون البشرة المائل للشقار؟
فشل صواريخ “الباتريوت” الإسرائيلية في اسقاط طائرة مسيرة بدون طيار كانت تطير على حدود الجولان المحتل اليوم، يعكس حدوث اهم تغيير جذري في قواعد الاشتباك، ويؤكد ان التفوق العسكري الإسرائيلي بدأ “يتضعضع” تدريجيا، والاكثر من كل ذلك ان الغطرسة الإسرائيلية التي كانت تتمثل في الرد الانتقامي السريع تتآكل أيضا، او هكذا تثبت الوقائع على الأرض.
هناك حوالي 12 ألف مقاتل ينضوون تحت مظلة الفصائل المسلحة في جنوب سورية، ورفضت قيادتهم حلا روسيا يقضي بنقلهم الى ادلب، اسوة بزملائهم في الغوطة الشرقية، وقبلها ريف حلب، ولا نعتقد ان هذا الرفض سيطول مع احتدام نيران المعارك، والغارات الجوية الروسية والسورية، وما تحمله من رسائل، ولهذا من غير المستبعد ان تكون عملية تجهيز الحافلات الخضر الشهيرة قد بدأت.
***
دور الفصائل المسلحة في المعارضة السورية اوشك على الوصول الى نهايته ان لم يكن قد انتهى فعلا، والداعمون الامريكان والعرب تخلوا عنها، بعد استنفاذ اغراضها، ويظل السؤال الأهم هو: اين ستكون الجبهة المقبلة للجيش العربي السوري؟ شرق الفرات؟ ام ادلب؟ نرجح الأولى، وترك الثانية في الوقت الراهن للصراعات الدموية المتفاقمة بين الفصائل الموجودة على ارضها، سواء لخلافات عقائدية او على مناطق النفوذ، ولكنه تأجيل الى حين، ووفق تخطيط مدروس.
تصفيات كأس العالم في روسيا اقتربت من مرحلتها النهائية.. وسيكون الرئيس فلاديمير بوتين بعدها أكثر حرية في اكمال مهمته وخططه في المنطقة، وسورية على وجه الخصوص.. والأيام بيننا.