بوادر أزمة متجددة بين السعودية والكويت تكشفها تصريحات بن سلمان .
إب نيوز ٧ اكتوبر
كشفت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة حجم الخلافات القائمة بين السعودية والكويت بشأن إنتاج النفط في المنطقة المحايدة، وسط تضارب في المصالح بين البلدين الجارين، لتظهر بذلك حقيقة ودوافع زيارة بن سلمان السريعة إلى الكويت 30 سبتمبر 2018، والضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة على المملكة قبل دخول العقوبات النفطية على إيران في نوفمبر المقبل حيز التنفيذ.
ويضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على المملكة لزيادة إنتاج النفط قبل حلول موعد تنفيذ العقوبات على إيران، في وقت يسعى فيه بن سلمان جاهداً لتحقيق ذلك من خلال زيادة إنتاج بلاده نحو ربع مليون برميل يومياً من الحقول النفطية المشتركة مع الكويت، دون التطرق إلى مسألة السيادة التي تريد الكويت مناقشتها قبل الشروع في الإنتاج من هذه الحقول.
– بلومبيرغ كشفت المستور
رغم تقليل الكويت من حدة الأزمة بين البلدين، وسط تلميحات تشير إلى أن موقف السعودية من المفاوضات “صلب وشرس”، ذكر ولي عهد السعودية أن هناك ترتيبات وشيكة، محتملة، مع الكويت بشأن حقلي نفط مشتركين في الشريط الحدودي (المنطقة المحايدة) بين البلدين، طاقتهما الإنتاجية نصف مليون برميل يومياً.
وأكد بن سلمان، رغم زيارته للكويت قبل أيام، أن موضوع السيادة على المنطقة المحايدة المشتركة ما زال معلقاً لكن بالإمكان استعادة الإنتاج مع الاستمرار في مناقشة موضوع السيادة، وهو ما ترفضه السلطات الكويتية وتلمح إلى أنها لا تقبل الإنتاج ما دامت مسألة السيادة على هذه المناطق لم تُحل لحد الآن.
ويبدو أن الرياض قد تنازلت عن شروطها “البيئية” السابقة، تحت ضغوط أمريكية، وتريد إعادة الإنتاج مجدداً من الحقول المشتركة بعدما أجبرت الكويت على إغلاق حقل الوفرة عام 2014 وحقل الخفجي عام 2015، وتذرعت حينها بالامتثال للقواعد البيئية، في حين حمَّل وزير النفط الكويتي علي العمير حينها نظيره السعودي علي النعيمي، وحكومة المملكة مسؤولية الخسائر التي تعرضت لها بلاده نتيجة ذلك.
وفي العام 2015 وصلت المحادثات بين السعودية والكويت إلى “طريق مسدود”، وذكرت وسائل إعلام خليجية أن الكويت طلبت اللجوء إلى التحكيم الدولي للتوصل إلى حل النزاع بشأن الحقول المشتركة مع المملكة، حيث تبلغ مساحة حقلي الوفرة والخفجي 5 آلاف كيلومتر مربع، وتستثمرهما الدولتان وفقاً لمعاهدة عمرها أكثر من 50 عاماً.
وكانت الكويت تحصل على نصف إنتاج حقلي الخفجي والوفرة الذي يزيد على 500 ألف برميل يومياً قبل وقف الإنتاج، حيث ينتج حقل الخفجي 300 ألف برميل يومياً من الخام العربي الثقيل، مقابل 200 ألف في حقل الوفرة.
وما عقّد الخلافات أكثر بين الطرفين هو تجديد الرياض في العام 2009 لاتفاق مع شركة شيفرون الأمريكية – السعودية (تدير حقل الوفرة) لمدة 30 عاماً، من دون الرجوع إلى السلطات الكويتية، وهو ما اعتبرته الكويت خرقاً للاتفاقيات السابقة وانتهاكاً لسيادتها، وأعطى انطباعاً سيئاً عن السلطات السعودية ونياتها تجاه الحقول المشتركة مع الكويت.
– جذور الأزمة
واعتبر محمد بن سلمان خلال حديثه مع “بلومبيرغ” الأمريكية أن بعض القيادات الكويتية تقبل فكرة استئناف الإنتاج مع استمرار المشاورات على القضايا العالقة، في حين يرى البعض الآخر ضرورة الانتهاء من موضوع السيادة على المنطقة المشتركة قبل استئناف الإنتاج النفطي.
ويرى بن سلمان أن “مشكلة عمرها 50 سنة يكاد يستحيل حلها في عدة أسابيع. ولذلك نحاول مع الكويت أن نتفق على استئناف الإنتاج والاستمرار بذلك 5 – 10 سنوات، وفي الوقت نفسه نعمل لحل القضايا المتعلقة بالسيادة”، مضيفاً أنها “مسألة وقت، ومن مصلحة الطرفين أن نصل إلى مثل هذه الترتيبات”.
ورغم أن السلطات السعودية لم تبادر إلى وضع حلول ناجعة للمشكلة منذ 50 عاماً، ووقعت اتفاقيات من طرف واحد مع شركات أجنبية لاستغلال الحقول المشتركة دون الرجوع إلى الكويت، تقول الوكالة الأمريكية إن المملكة تريد اليوم زيادة إنتاجها النفطي نحو 1.5 مليون برميل يومياً، لتغطية عجز الأسواق العالمية عن سد تراجع الصادرات الإيرانية مع دخول موعد تنفيذ العقوبات الأمريكية بحلول نوفمبر المقبل.
ورغم استجابة الحكومة السعودية لتغريدات الرئيس الأمريكي عبر “تويتر” حول توازن أسعار النفط في الأشهر الماضية، تستطيع أرامكو السعودية زيادة صادراتها بنحو 1.3 مليون برميل يومياً، لكنها ستبقى بحاجة إلى نحو ربع مليون برميل يراد توفيرها من حصتها في المنطقة المشتركة مع الكويت، بحسب ما يذكر الإعلام السعودي الرسمي، الأمر الذي دعا محمد بن سلمان إلى زيارة الكويت سريعاً وبحث هذا الموضوع مع المسؤولين الكويتيين، لكن النتائج جاءت معاكسة لتصوراته وخططه هذه المرة.
وحسب تقرير لموقع ” الخليج اون لاين ” تعود جذور الخلاف بين الكويت والسعودية إلى العام 1922 حينما تم ترسيم الحدود وتُرك موضوع السيادة على الشريط الحدودي المطل على
الخليج العربي معلقاً، ولم يمنع ذلك اكتشاف وحفر واستثمار آبار النفط في هذه المنطقة المشتركة ذات المخزون النفطي الضخم، ولم يتفق البلدان على تقسيم تلك المنطقة المحايدة إلا مطلع العام 1970، ووقع الطرفان اتفاقية تنظم عملية استغلال هذه المناطق النفطية.
وظلت الخلافات بين البلدين طيلة السنوات الماضية تدار من خلف الكواليس في جو من السرية والتكتم، لكن خلال السنوات الـ10 الأخيرة ظهرت هذه الخلافات للعلن، بعد نزاع على الأرض بين الكويت والسعودية 2007 أدى إلى تأخير خطط الكويت لبناء مصفاة الزور النفطية هناك.
ويُلقي الكويتيون باللوم على شركة شيفرون، ممثلة الجانب السعودي في العمليات المشتركة، لرفضها العمل تحت مظلة شريكتها الشركة الكويتية لنفط الخليج، حالها حال الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الدولة، وتسهيل إجراءات عمالتها على الأراضي الكويتية بعد تجديد امتيازها من قبل السعودية عام 2009.
– زيارة باردة
اكتنف زيارة ولي عهد السعودية إلى الكويت يوم الأحد 30 سبتمبر الماضي غموض مُحير؛ إذ لم يتطرق الجانبان إلى الملفات الإقليمية العالقة وأحداث المنطقة المشتعلة، ولا حتى الأزمة التي تعصف بدول الخليج منذ يونيو 2017، واكتفت وسائل الإعلام السعودية بنشر قائمة مائدة العشاء التي حضرها بن سلمان بضيافة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وتضمنت القائمة أطباقاً كويتية شعبية شهيرة، بحسب صحيفة “عكاظ” السعودية.
وكان مقرراً أن يصل ولي العهد السعودي إلى الكويت يوم السبت 29 سبتمبر 2018 قبل إعلان تأجيل الزيارة إلى اليوم التالي، في وقت ترددت أنباء، بحسب وسائل إعلام مختلفة، عن اعتقاد كبير بين السياسيين الكويتيين أن تأخير الزيارة كان مرتبطاً بمحاولات بن سلمان إملاء شروط معينة على الكويتيين فيما يخص الأزمة مع قطر، والحقول النفطية المشتركة، وأن وصول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل بن سلمان بساعات قليلة كان لمعرفة الرد النهائي من الكويت، والذي كان الرفض.
وذكرت تقارير بحسب شبكة “روسيا اليوم” أن محمد بن سلمان لم يناقش مع أمير الكويت الملفات المقررة مناقشتها، وهي الأزمة الخليجية الناتجة عن حصار الرياض وأبوظبي والمنامة لدولة قطر، وتشكيل تحالف خليجي — عربي لمواجهة إيران، وقضية الحقول النفطية المشتركة بين البلدين، واكتفى الطرفان بالجلوس على مائدة العشاء في قصر بيان وتبادل الأحاديث.
من جهته، رأى عضو مجلس الأمة وليد الطبطبائي أن “الحقيقة أن هناك خلافاً بسيطاً بين الأشقاء – السعودية والكويت – سيحل بالتفاهم عاجلاً أو آجلاً”.
وأكد في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، أنه “من حق كل طرف أن يتمسك برأيه، ولكن بطريقة أخوية لا تؤثر على العلاقة التاريخية والمصير المشترك”.
لكن الخارجية الكويت نفت صحة هذه التسريبات الصحفية، دون ذكرها، في بيان لها بعد يوم من الزيارة، وهو الأمر الذي اهتم به الإعلام السعودي دون أي إشارة إلى ما تم تداوله والاكتفاء بالبيانات الرسمية المقتضبة.