الولايات المتحدة الداعشية..
.بينما تخبرنا معظمُ وسائل الإعْـلَام ذات الملكية المشتركة عن تطرُّف ما يسمى “الدولة الإسْـلَامية” وَأعمالها الإكراهية، يبدو من السهل نسيانُ كيف أن التطرُّف يولد التطرف.
إننا نحن، الذين نسمى الغرب، من منح الحياة لصراع الإرْهَــاب. إننا نحن من أعلن بعجرفة عن كون دولتنا الديمقراطية الليبرالية هي النظام الأساسي وَالكامل وَنهاية الرحلة الإنسانية، وَبدأنا تدمير بلدان أخرى باسم هذه الرؤية المتصدعة. وَبعض المتطرفين، بغض النظر عن قضيتهم، يمكنهم المنافسة مع البربرية التي أطلقناها اليوم باسم الديمقراطية.
وَلكن ما معنى التطرف وفقاً لفهم وسائل الإعْـلَام لهذا المصطلح؟ عبر عقد وَأكثر من الحرب على الإرْهَــاب، أخبرونا أن التطرف يتجلى بأعمال مجموعات إرْهَــابية تسعى لحكمنا بشكل مستبد وَمتعصب. وَتصور داعش اليوم على أنها أكبر مؤيد لهكذا حكم، وَبينما تَجَسد عنفها بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، لا تزال تملك مخططات نحو العالم بأسره، كما رأينا في الخرائط التي نشرت قبل أوانها لتظهر التوسع المرغوب للخلافة المعلنة في آسيا وَإفريقيا.
الاعتداءات الإرْهَــابية الحديثة في فرنسا، والتي استهدفت المجلة الهزلية شارلي ايدو، تمت الدعاية لها من أجل دعم مقولة “انهم يكرهون حرياتنا” التي كانت في صلب النقاش من أجل الحرب على الإرْهَــاب منذ ان استخدمها كُلٌّ من بوش وَبلير. وَللأسف، لم تستخدم الْشائعات ببساطة ضد مجموعات إرْهَــابية محددة، فمن الواضح أن المسلمين يتعرضون للذم بشكل نظامي من قبل وسائل إعْـلَام التيار الرئيسي في فرنسا وَبريطانيا وَأميركا باستخدام نفس المنطق. وَيحدث في كُلّ مره أن تجمع الكلمات بشكل سيء وَتقذف، كأن يقال “إرْهَــابي مسلم” أو “إرْهَــاب إسْـلَامي”. كلمة إرْهَــابي لم تظهر أبداً في وسائل الإعْـلَام مقترنة بأية هوية دينية أخرى، رغم الأدلة الفظيعة على الإرْهَــاب المرتكب من أشخاص يعتنقون المسيحية وَاليهودية وَالبوذية حتى في أيامنا هذه.
ومع ارتكاب هذه التشويه الكريه من قبل الحكومة والإعْـلَام ضد المسلمين، أجد أنه من المدهش تماماً أن يعتقد أحدٌ بأن العقيدة الإسْـلَامية بمنأىً عن الانتقاد في دول مثل فرنسا وَبريطانيا وَأميركا. نتحدث كلنا عن داعش، عن تطرفها وَحساسيتها المفرطة تجاه النقد. وَلكن ماذا عن الولايات المتحدة، النظام المشبع بالكره وَالمهووس بالتوحش وَقتل كُلّ من يقف في طريقه، مستخدما الإرْهَــاب لإحلال الولاء وَالسيطرة العسكرية عوضا عن السلام؟
فكلٌّ من الولايات المتحدة وَداعش غير شرعيين وَعنيفون وَمقاتلون تحركهما الرغبة في غزو كُلّ العالم. وكيف يتوقع منا أن نقف في أحد الجانبين؟ الولايات المتحدة وَداعش مجموعتان متطرفتان لأنهما مقتنعتان على حد سواء أن ايديولوجيتي دولتهما تمثل المرحلة النهائية الكاملة من التأريخ البشري.. وليس من قبيل المصادفة أن كلاً من تطرف المحافظين الجدد وَالتكفيريين الحديثين وُلِدَ في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، وَأن كلاً منهما قدّم نفسَه على أنه قد هزم الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.
وَلأن الأحداث بين عامي 1989 وَ1991 هزمت النظام الثنائي للعلاقات الدولية المستقرة وَان كانت تحت سيطرة قوتين عظمتين، فيجب ألا نتفاجأ أن من أعلنوا انتصارهم حملوا على عاتقهم إعادة تشكيل كُلّ العالم وفقا لصورتهم هم. وَهذه هي المهمة التي يعتقد كُلٌّ من داعش وَالولايات المتحدة أنهما مفوَّضان بها في العالم.
. ربما يهزأ الأميركيون مما يرون أنه تخلف داعش، وَلكن هل بلدهم متقدم بكثير؟ فنظامهم ليس سوى نتاج مجرمين وَلصوص وَمتطرفين وَإرْهَــابيين ثاروا على الامبراطورية البريطانية في القرن الثامن عشر، الامبراطورية التي خلقت بدورها على يد قراصنة وَغزاة وَسليلي الفايكينغ. ربما يكون الاختلاف الوحيد بين الولايات المتحدة وَداعش هو أن الأولى أقوى على المستوى الدولي. وَلكن ضمن منطقة الشرق الأوسط كلا الطرفين يضربان أعناق الناس إما بوسائل بدائية أو متقدمة، وَكلاهما يسعى باحتقار إلَـى إسقاط أي شكل لدولة غير دولتهم.
بقلم هاري جبينثام- مؤلف أمريكي مقيم في بريطانيا، متخصّص بالدراسات السياسية وَالدينية. ترجمة: رندة القاسم: نقلاً عن موقع Press TV