عبد الباري عطوان : السعودية لن تسلم المتهمين بقتل خاشقجي..ولماذا نعتقد بأن “الواشنطن بوست” ستثأر للخاشقجي وستجد دعما من الاعلام الامريكي؟
إب نيوز ٢٥ اكتوبر
عبد الباري عطوان :
السعودية لن تسلم المتهمين بقتل خاشقجي.. والتحقيق الدولي هو المرجح في نهاية المطاف.. اردوغان يقدم البعد السياسي على الجنائي في القضية فهل سينجح؟ ولماذا نعتقد بأن “الواشنطن بوست” ستثأر للخاشقجي وستجد دعما من الاعلام الامريكي؟
عندما يتحدث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي امام البرلمان، ويسرد المعلومات المتعلقة بها، لا يترك هذه المهمة للنائب العام الذي يتابع التحقيقات الجنائية وفق الاجراءات المتبعة، فانه يريد بذلك ان يقدم الطابع السياسي عن نظيره الجنائي، ويفسح مجالا لنفسه للمناورة، وكسب الوقت على امل التوصل الى “صفقة” مرضية.
فكان لافتا اثناء سرده للوقائع عدة امور، اهمها انه لم يتطرق مطلقا الى الامير محمد بن سلمان، ولي العهد، وحرص على التأكيد على ثقته بالعاهل السعودي الملك سلمان، والتلميح الى دور الاول كمتهم رئيسي بالوقوف خلف هذه الجريمة، واصدار الاوامر بتنفيذها، والتمييز بينه وبين والده، كما كشف الرئيس اردوغان في الخطاب نفسه انه كانت هناك نية مسبقة تكمن خلف هذه الجريمة، وشدد على ضرورة محاكمة المتهمين المنفذين وعددهم 18 شخصا امام المحاكم التركية.
***
ثلاثة مؤشرات تؤكد في رأينا ان الرئيس اردوغان ادخل تعديلات على خطابه، وحذف العديد من الوقائع الدامغة، خاصة حول جثمان الصحافي الضحية ووضعيته، وبعض الادلة الدامغة التي جرى العثور عليها اثناء تفتيش القنصلية ومقر القنصل من قبل المحققين الاتراك:
ـ الاول: وصول السيدة جينا هسبل، رئيسة جهاز المخابرات المركزية الامريكية “سي اي ايه” الى انقرة قبل ساعات من القاء الرئيس اردوغان خطابه، واعترف السيد مولود جاويش اوغلو للمرة الاولى ان بلاده قدمت معلومات كافية بالطرق الرسمية المتبعة لحلفائها حول قضية الاغتيال، ومن غير المستبعد ان تكون السيدة هسبل طلبت “التأني” و”التريث” في كشف الحقائق خاصة في ظل التطور اللافت في العلاقات التركية الامريكية بعد الافراج عن القس برونسون.
ـ الثاني: المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس اردوغان ونظيره الامريكي دونالد ترامب قبل يوم من الخطاب.
ـ الثالث: تغيير الخطاب السعودي تجاه تركيا من العداء المطلق الى التودد الكامل، فقد تحولت تركيا الى دولة شقيقة، والرئيس اردوغان الى زعيم اسلامي محترم، وكل هذا بعد المكالمة الهاتفية التي جرت بين العاهل السعودي والزعيم التركي قبل الخطاب.
السيد اوغلو وزير الخارجية استغل مؤتمره الصحافي الذي عقده مع نظيره الفلسطيني اليوم لكي يقول ان هناك مجموعة من التساؤلات ما زالت مطروحة، تتطلب ايضاحا اهمها عن الجهة التي اصدرت امرا بالقتل، وعدم تقديم المعلومات عن مكان جثمان الضحية، والعميل المحلي الذي تسلمها ملفوفة في سجادة.
نحن نسأل بدورنا، اذا كانت السلطات التركية تملك الادلة الكافية عن وجود نية مسبقة لاغتيال الخاشقجي، وانها قدمتها الى السلطات السعودية وباشرت الاخيرة التحقيق بشأنها وخاصة الفقرة المتعلقة بوصول عناصر تابعة للمخابرات السعودية مقدما الى انقرة للتحضير لعملية الاغتيال، فلماذا لم يتم اعتقال هؤلاء ومنع حدوث الجريمة، خاصة انهم ليسوا دبلوماسيين، وانما رجال امن، اللهم الا اذا كان الكشف عن هذه الادلة جاء بعد التنفيذ، وهذا امر يتطلب اثبات وتوضيحات.
السعودية لن تسلم المتهمين الى تركيا، ولن تسمح بمحاكمتهم امام محاكم تركية، فقد رفضت رفضا تاما تسليم المتورطين بتفجير مقر القوات الامريكية في الخبر عام 1969، وهم سعوديون، قيل انهم ينتمون الى حزب الله السعودي في حينها، رغم الضغوط الامريكية الشرسة، ولا نستبعد ان تتم محاكمتهم بتهمة الفشل في تنفيذ الجريمة والتستر عليها، واخفاء الادلة، واصدار احكام باعدامهم وتنفيذها فورا.
***
هناك محاولات من اكثر من جهة “للفلفة” هذه القضية، يتزعمها الرئيس ترامب نفسه، ولكننا لا نعتقد انها ستنجح لانها باتت قضية تهم الرأي العام الامريكي، وتتوجد اجهزة الاعلام الامريكية لاستمرارها حية، ليس حبا بالعدالة، وانما كراهية بالمملكة العربية السعودية وعلاقتها الوثيقة بالرئيس ترامب، وخاصة بين صهره جاريد كوشنر والامير محمد بن سلمان، وبدأنا نقرأ ونسمع عن حقائق جديدة حول هذه العلاقة، تتعلق بمعلومات تجارية، ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” امس ان ترامب باع شققا بمبالغ تتراوح بين 40 – 50 مليون دولار لاعضاء في الاسرة الحاكمة السعودية، علاوة على 460 مليار دولار عاد بها بعد زيارته للرياض في آيار (مايو) عام 2017.
مرة اخرى نقول ان صحيفة “واشنطن بوست” التي وقفت خلف الكشف عن فضيحة “ووترغيت” والاطاحة بالرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون، وكشفت “ماغنسكي” في الدستور الامريكي التي تحتم فرض عقوبات على الدول الاجنبية التي تنتهك حقوق الانسان يحتاح الى 120 يوما، وانما لان عدد المؤيدين في مجلسي النواب والشيوخ لهذا التفعيل تتزايد يوما بعد يوم.
الرئيس اردوغان الذي يوصف بأنه شيخ البراغماتية السياسية سيجد نفسه مضطرا هذه المرة الى التجاوب مع قطاع لا بأس به من انصاره يكشف الحقائق كاملة، خاصة بعد فك الحزب القومي التركي المتشدد تحالفه معه، واستغلال المعارضة التركية هذه الازمة بقوة لتهشيم صورته كرجل قيم يتمسك بالمباديء والاخلاق الاسلامية.. والله اعلم.