تفاصيل لم تنشر عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.
أمريكا خططت.. روسيا باركت.. السعودية مولت.. العملاء في الداخل نفذوا
أحمد يحيى الديلمي
تنظيم التصحيح يناقش المعلومات الجديدة التي توصلت إليها وزارة الداخلية واللجنة الثورية العليا حول جريمة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله ورفاقهما المخفيين
عقدت اللجنة العليا لتنظيم التصحيح اجتماعها الدوري السبت الماضي برئاسة اللواء مجاهد القهالي رئيس تنظيم التصحيح
حيث وقفت أمام جميع القضايا المدرجة في جدول أعمالها واستعرضت أهم التطورات والمستجدات السياسية على الصعيد الوطني والعربي ووقف الاجتماع امام الموضوع المتعلق بالمعلومات الجديدة التي عثر عليها من قبل قيادة وزارة الداخلية وقيادة اللجنة الثورية العليا حول عملية اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وأخيه المقدم عبدالله الحمدي ورفاقهم ،وأكد التنظيم علي احتفاظه بحقه في اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
وثمن في ذات الوقت الجهود التي تقوم بها قيادة اللجنة الثورية العليا ووزارة الداخلية بهذا الخصوص وتطرق التنظيم في اجتماعه إلى عدد من القضايا ومنها جريمة اغتيال المفكر والصحفي العربي جمال خاشقجي والتي تعتبر انتهاكا صارخا بحق حملة الرأي ورجال الصحافة وحقوق الإنسان حول العالم ،ودعت إلى ضرورة العمل على التحقيق الدولي في هذه الجريمة البشعة في حق الإنسانية حتى تتبين كافة الملابسات والحقائق المجردة من التضليل والخداع للرأي العام العربي والدولي وينال الآمر بارتكابها ومرتكبيها الجزاء العادل، وتمنت على المجتمع الدولي التعامل مع جرائم قتل المدنيين من نساء وأطفال اليمن بمستوى التعامل مع جريمة اغتيال خاشقجي.
وجددت اللجنة العليا لتنظيم التصحيح إدانتها لكل جرائم العدوان على اليمن المتستر بالدين وبالشرعية المزعومة والمسكون بالقاعدة وداعش ، وحملت الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المسؤولية الكاملة عن ديمومة العدوان والحصار والحظر الجوي وارتكاب جرائم العدوان على المدنيين والجرائم بحق الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في ظل السكوت المخزي وغير المسبوق في تاريخ الأمم المتحدة ومجلس الأمن وطالبت اللجنة العليا بإرسال لجان تحقيق دولية محايدة للتحقيق في تلك الجرائم التي ارتكبتها دول العدوان في حربها التدميرية العبثية على الشعب اليمني بأسره.
ودعت كل المنظمات الحقوقية والإنسانية وكل الأحزاب والشرفاء في العالم إلى التضامن مع الشعب اليمني حتى يتحقق له التحرر من الغزاة والمحتلين ومن كافة أشكال الوصاية والهيمنة من قبل دول العدوان عليه.
وحيت اللجنة العليا لتنظيم التصحيح الصمود الأسطوري للجيش واللجان الشعبية في مواجهة العدوان الغاشم على اليمن ودعت أبناء تهامة وكل الشرفاء اليمنيين إلى التصدي بحزم للغزاة المحتلين في الساحل الغربي وفي كل شبر من أرض الوطن.
كما حيت صمود أبناء محافظة المهرة ومواجهتهم للغطرسة السعودية الرامية إلى مد أنبوب النفط عبر المهرة بالقوة وتحت الحماية السعودية والذي يعتبر انتهاكا لسيادة كل أبناء الشعب والوطن.
ودعت كل من على عينه غشاوة تحجب عنه الرؤية للسلام العادل أن يعلم علم اليقين أن الشعب اليمني لن يجزع ولن يهزع إليه مستسلما لجوره وباطله ، وأن خياره في الصمود والمقاومة لن يتزعزع فالضعيف اليوم سيقوى غدا والقوة لا تدوم لأحد إلا لصاحب القوة والجبروت الله جل جلاله.
ودعا تنظيم التصحيح الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى إصدار قرار من مجلس الأمن يقضي بوقف العدوان والحرب وفك الحصار ورفع الحظر الجوي وصرف مرتبات موظفي الدولة التي توقفت بسبب نقل البنك المركزي إلى عدن ، وعلاج الجرحى ومواساة أسر الشهداء.
كما دعا تنظيم التصحيح فخامة الرئيس مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى إلى بدء العمل بمشروع التواصل والحوار اليمني اليمني على طريق المصالحة الوطنية لما من شأنه وحدة الصف اليمني وتماسك الجبهة الداخلية في اليمن بأسره ، وطرد الغازي والمحتل من كامل التراب اليمني وتحقيق الاستقلال الكامل من كل أشكال الوصاية والهيمنة على إرادة الشعب اليمني ، وإلى تصحيح الفساد المالي والإداري والسياسي المستشري في البلاد ، وإلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية والشعبية في صنع القرار من أجل أن تتضافر كل جهود أبناء الوطن للذود عن سيادته واستقلاله ومجابهة دول العدوان والغزو والاحتلال، وتجاوز كافة التحديات المحدقة بهذا الوطن والشعب والرامية إلى تقسيمه وتجزئته واحتلال سواحله الشرقية والغربية والممرات البحرية الاستراتيجية ومنابع الثروة وتدمير كل البنى التحتية وفرض الوصاية الأبدية عليه.
وحث تنظيم التصحيح كافة القوى السياسية الوطنية وجماهير شعبنا اليمني العظيم إلى رفد الجبهات بالمال والرجال وإلى وحدة الصف وتماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الغاشم على بلادنا.
انقضت أربعة عقود على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد المرحوم/ إبراهيم محمد الحمدي ، ولا يزال الغموض يكتنف الكثير من تفاصيل ما حدث ، حيث تتشعب الأسئلة عن الشخص الذي باشر الجريمة والأسباب الفعلية للاغتيال.
روايات كثيرة قيلت لكنها لم تشف غليل الناس لأن الشهيد رحمه الله احتل مكانة خاصة وتربع شغاف القلوب كون فترة حكمه مثلت طفرة غير عادية ، فإن الحسرة تعود بعودة الذكرى الأليمة ، وينطلق الناس في ترديد نفس الأسئلة وكأنهم لم يقتنعوا بكل ما قيل ، لذلك قررت أن أدلي بدلوي لعلي أبدد حيرة الناس وأجيب على بعض الأسئلة.
لا أدعي أن ما سأورده يمثل كل الحقيقة لكنها محاولة جادة للاقتراب منها للإسهام في كشف الغموض الذي اكتنف الموضوع وسمح بتعدد الروايات نتيجة موقف الرئيس الغشمي وحرصه الشديد على اخفاء حقيقة ما جرى ورسم سيناريوهات مختلفة وروايات مزورة تم تسويقها عقب الجريمة بقصد تشويه صورة الرئيس الشهيد ، ومن خالفها أو أفصح عن روايات أخرى تم إخفاؤه من الوجود إما بتصفيته أو سجنه ، وهذا ما حدث لكثيرين منهم المناضل العقيد سلطان القرشي رحمه الله فقد تم اخذه ليلاً من منزله وكانت آخر لحظة شاهدته فيه أسرته وأولاده لم يفقدوا الأمل ، بحثوا عنه في كل السجون بلا جدوى إلى بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي عندما قرر الرئيس صالح الانفتاح على القوى السياسية ، فأقدم على توسيع مجلس الشعب التأسيسي وشكل مجلساً استشارياً كان الدكتور/ عبدالوهاب محمود عبدالحميد احد أعضائه ممثلاً لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وفي أول اجتماع رأسه الرئيس وجد الفرصة مواتية للسؤال عن الرفيق المختفي ، كان الرد صادماً نزل على الرجل كالصاعقة حيث أجاب الرئيس صالح ببرود تام((ألم يقم أولاده العزاء حتى الآن، الرجال مات وشبع موت )) هذا مجرد نموذج لعدد من الأشخاص اكتفي به حتى لا اُذكر القراء بتلك الأجواء المأساوية ، بالذات أننا نعيش هذه الأيام مأساة أعظم وهي مأساة العدوان وجرائمه البشعة ، وأعود إلى سياق الموضوع للأسف اقتفى الرئيس صالح أثر الغشمي فأصر على إخفاء الحقيقة ، فأصبح مجرد الحديث عن الرئيس الحمدي شبهة أما التطرق إلى تفاصيل اغتياله فهو من الخطوط الحمراء والتهم التي توجب اشد العقاب وقد تعرضت شخصياً لموقف مماثل على خلفية موقف الرئيس علي عبدالله صالح أثناء المناوشات على الحدود مع السعودية فلقد أبدى تشدداً كبيراً جعل السعودية تغضب منه وتبنت صحف السعودية حملة هوجاء ضد اليمن ووجهت البوصلة إلى الرئيس صالح بشكل خاص ، حيث أثارني أتهام صحيفة سعودية للرئيس صالح بأنه من أطلق الرصاص على الشهيد الحمدي وأرداه قتيلاً استفزتني المعلومة أثارت مشاعري كونها محاولة للتنصل من الجريمة البشعة وتحويلها إلى فعل يمني بحت ، رغم طول البحث تم أخذ المعلومة من أشخاص كانوا على صلة بما جرى ، وعندما لم أعثر على دليل يثبت براءة الرئيس صالح عمدت إلى كتابة مقال أشرت فيه إلى مسؤولية السعودية المباشرة وحاولت تخفيف تهمة الجرم المباشر عن الرئيس صالح مستعيناً بما تختزنه الذاكرة من مشاهد حية تحدد موقع الرجل ليلة وقوع الجريمة حيث تواجد في الإذاعة وتولى الإشراف المباشر على المؤسسات الإعلامية ، وفي اليوم التالي من نشر الموضوع قامت الدنيا ولم تقعد كنت حينها مندوب وكالة سبأ في مجلس الشعب التأسيسي توالت على كلمات العتاب والتأنيب والنصح من بعض الأعضاء ، اعقب ذلك تهديد ووعيد من قائد عسكري كبير عبر التلفون احسست بأني اقترفت جرماً كبيراً، لم يستمع أحد إلى وجهة نظري وما دفعني لكتابة الموضوع همس أحد المسؤولين في إذني، الموضوع حساس جداً تجنب الخوض فيه ، عملت بنصيحته وقلت في نفسي ماذا كان سيحدث لو أني أوردت المعلومة الخطيرة عن تصرفات صالح في ثاني يوم للانقلاب ، عندما حدث خطأ في عنوان موضوع نشرته صحيفة “الثورة” استدعى صالح ومعه علي بن علي الآنسي عدداً كبيراً من الإعلاميين إلى الإذاعة ، وألقى فيهم كلمة قصيرة أورد فيها كل عبارات التهديد والوعيد وقال الحمدي مات ووجد نظام جديد ، لا داعي لأساليب الغمز واللمز ، الآن فيه قيادة جديدة لن تسمح بمثل هذه الأخطاء وختم الآنسي مقاطعاً ” لا تفكروا أن الأمور سهلة والله لا يطلع الدم في صنعاء إلى الركب ” العبارة هزتنا وأرعبتنا جميعاً ، تساءلت مع نفسي ماذا كان سيحدث لو أنني أوردته في ذلك المقال ، المهم أني من تلك اللحظة قدرت البحث عن الحقيقة بذاتها ، ومن خلال البحث توصلت إلى أدلة شبه ثابتة عن معطيات ما حدث أخذت الكلام والأحداث من أشخاص عاصروا الفترة ، ووصفوا الفعل بالشنيع المجرد من أبسط القيم الإنسانية ، مع ذلك أستغرب الأحاديث حتى الآن ما تزال متقاربة وتقوم على التخمين والقصص المفبركة ، لهذا قررت نشر ما عندي من معلومات علها تسهم في حل اللغز المزمن ، خاصة أنها تحدد موقف السعودية والدول الكبرى من هذه الجريمة وفيما يلي الحديث :
أولاً : دور السعودية
تمحور طرح الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في اجتماعه المغلق مع الأمير سلطان بن عبدالعزيز في صنعاء على هامش اجتماعات مجلس التنسيق المشترك في الاحتجاج على تصرفات السفير السعودي والملحق العسكري صالح الهديان ، قال الحمدي لسلطان (نحن لا نعترض أن يكون للسعودية أعوان وأتباع وأن تكون لهم ميزانيات ومخصصات لكننا نرفض أسلوب مدهم بهذه الميزانيات بشكل مباشر، ما تقومون به يعد انتهاكاً للسيادة والاستقلال ولقد رفعت جهات رسمية إلى مكتبكم بهذا الشأن وتصدرت التقارير شكوى مُرة من تصرفات صالح الهديان -الملحق العسكري، الهوجاء، الرجل يتصرف وكأنه حاكم عسكري على اليمن، أسوأ ما يقوم به أنه يتواصل مع جماعات متمردة ويمولها ويحثها على القيام بأعمال تخريبية بهدف تقويض الدولة، لماذا لا تختصروا الطريق وتبعثوا بالمخصصات التي تعطونها لأتباعكم عبر القنوات الرسمية كما يحدث في الأردن؟ أما بقاء الوضع بهذه الشاكلة فإنه يضاعف نزعة التمرد على الدولة و يزيد من الرغبات العدوانية المشبوهة التي تمارس العدوان بكل أشكاله بالذات من قبل الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الجهادية ، نحن نقدر للمملكة احتضانه ودعمها للمغتربين اليمنيين ونأمل أن تكون علاقاتنا قائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل وخدمة المصالح المشتركة ، وأنا أخشى أن هذه الجماعات السلفية تتنمر وتوجه بنادقها صوب المملكة، فلماذا لا نتفق على مبدأ مقاومة هذه الجماعات وإعادتها إلى الصواب أجاب سلطان: نحن في المملكة نركز على مواجهة المد الشيوعي في الجنوب وقمع الأحزاب السياسة الموالية للشيوعيين هذه الجماعات خطيرة ولا يجب أن نسمح لها أن تفرض قوة حضورها في اليمن ، وجودها خطر داهم علينا وعلى اليمن، ويستدرك سلطان لماذا تغضون الطرف عن مساعدة العراقيين والسوريين للبعثيين وليبيا للناصريين وروسيا والصين ودول المعسكر الشرقي للشيوعيين ، الحمدي : الدولة لا توافق على أي مساعدات لأطراف يمنية تأتي بطرق سرية ، يوجد دولة هي ممثلة للسيادة الوطنية وحامية للاستقلال ، إلا أننا لا نرى خطورة كبيرة في هذه المكونات السياسية ، لأن لديها نهجاً معروفاً ويسهل الحوار معها وهذا ما نقوم به الآن مع عدد من الأحزاب اليسارية التي تقاتل في المناطق الوسطى باسم المقاومة ، من خلال الحوار سكت صوت البنادق وامتد الحوار إلى اخواننا في الجنوب ، أنا على اتصال دائم بالأخ الرئيس سالم ربيع علي وأنا على يقين أن هذا التواصل سيترجم أعظم حلم لأبناء شعبنا ممثلاً في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
المعلومة افزعت الأمير سلطان، نزلت على رأسه كالصاعقة، تكهرب وجه الأمير وقام بطريقة هيستيرية من أمام الرئيس الحمدي ، غادر المكان دون أن يستأذن بعدها غادر مقر إقامته في قصر الضيافة إلى المطار ، مما اضطر الجانب اليمني في المجلس برئاسة المرحوم عبد العزيز عبدالغني إلى اللحاق به مع الجانب اليمني وتم عقد لقاء شكلي في المطار كإيحاء للآخرين بأنها الجلسة الأخيرة لمجلس التنسيق اليمني السعودي ، تم التوقيع على بيان صوري باستحضار بيان الدورة السابقة والاكتفاء بتعديل التواريخ فقط.
اتضح فيما بعد أن الأمير سلطان كلف الهديان الملحق العسكري بدعوة أكبر عدد من المشائخ غير المؤلفة قلوبهم المسجلين في مكتب اليمن بدعوى مواجهة الخطر الشيوعي الداهم الذي يتهدد الإسلام والمنطقة بشكل عام ، إن تمكن الحمدي من التفاهم مع الشيوعيين واستقطابهم من عدن إلى صنعاء ، روى لي هذا الكلام الأخير المرحوم الشيخ/ عبدالوهاب سنان شيخ مشائخ ارحب ، الذي رأس وفد المشائخ إلى السعودية حيث قال: لقد فوجئ الجانب السعودي أن 90 % من المشائخ الذين لبوا دعوة الأمير سلطان رفضوا بشكل قاطع الخطة المعدة من قبل السعودية والتي تقضي بفتح جبهة عسكرية بهدف إسقاط الحمدي ، كان العدد أكثر من أربعين شيخاً وعند عودتهم أفصح البعض عن بواعث اللقاء أثناء مقابلة الأمير سلطان وتتمثل في توسيع المعارضة للرئيس إبراهيم الحمدي وإسقاطه عسكرياً قبل أن يُكمل مشروعه الخبيث ضد الإسلام حسب وصف سلطان ومواجهة نظام صنعاء وإسقاط الرئيس الحمدي بقوة السلاح ، كان مكتب اليمن الذي يرأسه سلطان قد أعد العدة لإقناع المشائخ ، بما في ذلك استقدام علماء دين يمنين من الاخوان المسلمين واتباع السلفية الوهابية ، سمعنا منهم محاضرات ركزت على مخاطر بقاء الحمدي على اليمن والإسلام ويستدرك الشيخ/عبدالوهاب، ما لم يدركه الجانب السعودي ولا رجال الدين المأجورون أن اليمنيين حتى الأميين منهم يمتلكون وعياً وبصيرة ثاقبة تمكنهم من معرفة ما لا يمت بصلة إلى الحقيقة وما هو كاذب هدفه الخداع والتزييف وتمرير رغبات مشبوهة ، اذ سرعان ما كشفنا زيف المواعظ التي كانت تتم بشكل مكرر للتفاصيل التي استمعنا إليها من الأمير سلطان بشكل مباشر ، وأقسم سلطان يميناً بأن الحمدي جاهر بالعداء المطلق للإسلام وأنه طلب منه العون للخلاص من القبائل والمشائخ بشكل عام لأنهم رمز التخلف كما قال ، الجديد في كلام الوعاظ كان التباكي على الدين والقيم والأخلاق والتلويح بالمخاطر التي ستحدث في حال الصمت على الحمدي ، قال أحد الوعاظ وهو من أرحب: كيف سيكون حال اليمني عندما يفاجأ أن أمواله سلبت وزوجته خرجت عن طوعه ، قال الشيخ سنان: لم أحتمل، قاطعته قائلاً يا شيخ : أنت من عندنا تكلم بقدر ام مقسوم اللي وقعلك ، لا تسود وجه أرحب ، كأنه أخذ الملاحظة على محمل الجد غير الموضوع في الحديث عن الخطر الشيوعي على الإسلام بشكل عام ، بينما ظل الآخرون يتباكون على الإسلام والمستقبل المظلم الذي ينتظر اليمنيين إذا لم تتم مواجهة الشيوعيين المغامرين في عدن ، وترك الحمدي للتوحد معهم ، هذا الكلام أدى إلى ردة فعل قوية لدينا، فاتفقنا على رفض فكرة القتال المسلح وطلبنا مهلة للعودة إلى صنعاء للتشاور مع بقية المشائخ وبلورة فكرة ملائمة تجنب اليمنيين سفك الدماء ، بررنا هذا الطلب بأن أثار الحرب ومآسيها ما تزال قائمة ، وجروح السنوات السبع المؤلمة لم تلتئم بعد، يضحك الشيخ عبدالوهاب ويضيف : كان لهذا الموقف ثمنه الباهظ عليَّ شخصياً إذ عدت إلى اليمن بخفي حنين ولم أتسلم المبالغ التي وعدونا بها ، ولكننا اكتفينا بذلك الموقف والعشر الجنيهات الذهب التي سلموها لنا عند الوصول ، عدنا إلى صنعاء أنا شخصياً قابلت الرئيس الحمدي رحمه الله وكانت مفاجأة بالنسبة لي أنه كان على علم بموقفنا في السعودية ، عانقني بحرارة وقال : نعم الموقف يا شيخ عبدالوهاب وطلب مني بعض التفاصيل فأطلعته عليها ثم نصحته بالحيطة والحذر وقلت له السعودية اتخذت قراراً للخلاص منك بمباركة أمريكا والعملاء في الداخل أعدوا العدة للتنفيذ ، وهم يمارسون لعبة كسب الوقت فقط إلى أن تتهيأ الظروف والوقت الملائم ، لأول مرة أجد الرئيس الحمدي بذلك السخاء فقد أعطى لي مبلغاً كبيراً قال وهو يضحك هذا تعويض لك عما لم تتسلمه من آل سعود ، استمعت إلى تفاصيل هذه الشهادة من المرحوم الشيخ/ عبدالوهاب سنان في مقيل بمنزله في الحيفة- مركز مديرية أرحب، كنت قد رافقت العقيد/ ناجي الرويشان مدير التموين العسكري الأسبق، كلفه الرئيس علي عبدالله صالح بتوزيع مبالغ مالية لمشائخ من أرحب وفي المقدمة الشيخ/ عبدالوهاب الذي كان عائداً للتو من زيارة للسعودية حيث رأس عدداً كبيراً من مشائخ بكيل بحسب وصفه كان الخروج الثالث بعد تناول طعام الغداء، طلب مني البقاء للمقيل حتى يُكمل العقيد الرويشان زيارة بقية المشائخ المدرجين في كشف عطاء الرئيس صالح ، قبلت العرض لأن الشيخ المرحوم/ احمد ناصر الذهب (قيفة) والشيخ/ عبدالولي القيري (خولان) موجودان في نفس المكان ، كانت تربطني بالشيخ الذهب علاقة كبيرة بفعل العلاقة الحميمة بيني وبين نجله المرحوم علي احمد ناصر الذهب ، المهم أني وجدت الفرصة سانحة لمعرفة الكثير عن موقف المشائخ خاصة أني عرفت أن الذهب والقيري حضرا لمعرفة نتائج الخروج الثالث سألت الشيخ عبدالوهاب سنان ألا ترى بأن هناك تناقضاً كبيراً بين الخروج الثاني والثالث، في الثاني تزعمت جماعة رفض خطة تصفية الشهيد الحمدي، وفي هذا الخروج أخذت معك كبار مشائخ بكيل بدافع الشكوى بعلي عبدالله صالح لدى الامير سلطان بحجة أنه يسخر كل شيء لصالح قبيلة حاشد ويحرم بكيل ، هذا يعني أنكم تعتبرون الامير سلطان ولي أمر كل اليمنيين، اطلق ابتسامة ساخرة وأجاب: هذا هو الواقع ، الدولة هي السبب من بعد الحرب والمصالحة الوطنية والسعودية تتحكم في كل صغيرة وكبيرة وحينما حاول الحمدي استعادة الدولة والقرار السيادي تآمروا عليه وقتلوه ، هذا الكلام يوافقني عليه حتى الشيخ/ احمد ناصر الذهب مع أن الحمدي حاربه وغزاه إلى عقر داره وكان على خلاف كبير معه أليس كذلك؟؟ اكتفى الشيخ الذهب لتأكيد المعلومة بهز رأسه وكذلك فعل الشيخ القيري بعدها انطلق الشيخ سنان للحديث عن ملابسات اللقاء الاخير مع الامير سلطان وختم بالقول : أنا على يقين أن حكام السعودية لن يرضوا عن أي يمني إلا إذا قبل التبعية والعمالة ، بعدها يخصصوا له أي ميزانية يريد لا يهم عندهم المال قدر الاهتمام بإخضاع الإنسان اليمني وكسر إرادته حيثما كان موقعه من المسؤولية ، بعد فترة صمت سألت الشيخ/ عبدالوهاب سنان أنا بصدد البحث عن القصة الحقيقية لاغتيال الشهيد الحمدي!! أجاب وهو يضحك أنا مستعد بس خائف عليك من ام رجال ، أما من عندي اكتب وبدأ بسرد المعلومات التي أوردتها في بداية الموضوع ، وهكذا حدث مع مشائخ ومسؤولين آخرين كبار عايشوا نفس الفترة إلا أنهم اشترطوا للحديث عدم الإفصاح عن أسمائهم كي يدلوا بما لديهم من معلومات وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة.
“الثورة”