السلطات الاردنية تسحب سفيرها من طهران وتغلق مكاتب “الاخوان المسلمين”.. ما الذي يجري بالضبط؟ وما هو السر خلف هذا الحراك المفاجيء؟ ولماذا قاطع العاهل الاردني قمة اسطنبول الاسلامية؟ وما علاقة زيارة الامير محمد بن سلمان بهاتين الخطوتين؟
إب نيوز 18/ 4/2016
يعيش الاردن ككيان وسط محيط عربي ملتهب، فجميع دول الجوار التي تحيط به تشهد حروبا او ازمات، او تحولات سياسية، وتحاول قيادته جاهدة ان تبقي انفها فوق الماء في اسوأ الاحوال لتجنب الغرق، ولذلك تتخذ في معظم الاحيان على قرارات او تقدم على خطوات تبدو مفاجئة، واحيانا غير مفهومة في حينها لاتسامها، او بعضها، بالتناقض.
هدف البقاء، والاستمرار، بأقل قدر من الخسائر، هو العقيدة السياسية الاساسية للحكم الاردني، ومن هذه الزاوية يمكن محاولة استقراء، او تفسير بعض القرارات التي كان آخرها استدعاء السفير الاردني من طهران، واغلاق مقرات حركة الاخوان المسلمين في البلاد، ابتداء من المقر الرئيسي في العاصمة وامتدادا الى الفروع في المدن الاخرى.
اللافت ان هذا الحراك جاء بعد تطورين رئيسيين في المنطقة:
الاول: التسريبات التي نشرت على نطاق واسع على لسان العاهل الاردني اثناء لقائه بعدد من قادة الكونغرس، وتحدث فيها عن ارسال بلاده قوات خاصة لخوض حرب ضد “الدولة الاسلامية” في ليبيا، وتشكيل قوات قبلية بدوية للقتال في درعا، واتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بدعم السلام الراديكالي، واكد ان المنطقة على ابواب حرب عالمية ثالثة.
الثاني: الزيارة التي قام بها الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي الى العقبة، ولقائه بالعاهل الاردني بعد اختتام زيارة والده الملك سلمان الى القاهرة، وتوقيع اتفاقات استثمارية واستراتيجية عدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي من بينها استعادة جزيرتي “صنافير” و”تيران” في مدخل خليج العقبة.
استدعاء السفير الاردني من طهران فجأة وبعد ايام من زيارة الامير السعودي الشاب كان مفاجئا، فقد جرت العادة ان تستدعي الدول سفراءها في حال ارتكاب الدولة المعنية، عملا سياسيا، او امنيا، يشكل خرقا مباشرا للاعراف الدبلوماسية، مثل الاعتداء على السفارات او المواطنين، ولكن مثل هذا العمل لم يحدث مطلقا.
السيد محمد المومني وزير الدولة لشؤون الاعلام، والمتحدث باسم الحكومة برر هذه الخطوة بقوله “ان ايران تستمر في عدم الاستجابة لمطالب الاردن بالتوقف الكامل عن التدخل في الشؤون العربية، واحترام سيادة الدول، والاستجابة للمسعى العربي باقامة علاقات متوزانها معها”، وهذا يعني ان الاردن قرر الوقوف في الخندق السعودي وتبني “القومية السنية” التي تطرحها السلطات السعودية كأرضية فكرية في مواجهة “الهلال الشيعي”، الذي كان العاهل الاردني اول من تحدث عنه قبل عشر سنوات تقريبا، وحذر منه.
اما الخطوة الثانية، وهي اغلاق مكاتب حركة “الاخوان المسلمين”، فربما تعكس تناقضا واضحا مع ما جرى ذكره آنفا، فهذه الحركة “سنية” الطابع، ومن بين اهدافها اقامة “خلافة سنية”، ومن المفترض انها تشكل سدا في مواجهة الهلال الشيعي، واحد ادوات الحرب عليه.
الامر المؤكد ان اغلاق مكاتب حركة “الاخوان المسلمين” في الاردن بعد اكثر من 60 عاما من دعمها للنظام الهاشمي، والعمل علانية بتصريح منه، ليس له علاقة بحالة الاستقطاب الطائفي، او المذهبي في المنطقة، وانما بالمحاور السياسية القائمة، وابرزها المحور المصري الاماراتي الذي يعلن حربا سياسية واعلامية وامنية ضد هذه الحركة في المنطقة والعالم، التي يعتبرها حركة “عابرة للحدود”، وتشكل خطرا على انظمة الحكم في المنطقة.
اغلاق مكاتب حركة “الاخوان المسلمين” في الاردن سينزل بردا وسلاما على قلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقلوب قيادة الامارات في ابو ظبي، ولكنه في الوقت نفسه سيؤدي الى زيادة التوتر في العلاقات مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الحاضن الرئيسي لهذه الحركة في الوقت الراهن، ولعل غياب العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني عن القمة الاسلامية في اسطنبول، والاستقبال الفاتر الذي سبق ذلك للسيد احمد داوود اوغلو، رئيس الوزراء التركي اثناء زيارته الى عمان قبل اسبوعين، يعكس هذا التوتر في جميع الاحوال وينبيء بقطيعة شبه كاملة بين الدولتين اللتين تقفان في المعسكر نفسه، فيما يتعلق بالازمة السورية، فلا نعتقد ان القيادة التركية ستنسى بسهولة اتهامات العاهل الاردني بدعمها للتطرف الاسلامي، في اشارة الى “الدولة الاسلامية”، ولا دخان بدون نار.
السلطات الاردنية اتبعت التدرج في محاولاتها اضعاف، ومن ثم القضاء، على وجود ونفوذ حركة “الاخوان المسلمين” في الاردن، التي ارتكبت، اي الحركة، “خطيئة” كبرى في نظرها (السلطات)، عندما شاركت في “الحراك الاردني” المطالب بالاصلاح، وتضامنت مع “الربيع العربي” وثورته في مصر، وتحالفت، وساندت نظام “الاخوان المسلمين” الذي وصل الى الحكم فيها بانتخابات رئاسية وبرلمانية اتسمت بالشفافية والنزاهة.
هذا التدرج تمثل اولا في شق الحركة الاخوانية الاردنية، وتبني السلطات لجناح “زمزم”، بالاشارة الى تجمعه الاول المعارض للحركة الام في فندق يحمل الاسم نفسه، ثم بعد ذلك اللعب على صراع الاجنحة في الجسم الاساسي للحركة، واخيرا، اغلاق مقرها ومكاتبها قبل ايام.
لا نعرف مدى دقة الحسابات التي استندت اليها السلطات الاردنية في ذهابها بعيدا في “اجتثاث” رسمي لحركة ظلت دائما داعما رئيسيا للدولة، فمن المعروف ان بقاءها واعضاءها على السطح وتحت الاضواء افضل كثيرا، واقل خطورة، من عملها، او بعض اعضائها تحت الارض، ولا بد ان صانع القرار الاردني واجهزته الامنية يعرف هذه المعلومة البديهية جيدا، ولا يحتاج الى التنبيه.
لا شك ان هاتين الخطوتين، توتير العلاقة مع ايران، واغلاق مكاتب حركة “الاخوان المسلمين” تنطويان على الكثير من الجرأة، ولكن على الخطورة ايضا في الوقت نفسه، ونحن نتحدث هنا عن بلد صغير فقير في الموارد الطبيعية، ويعيش وسط حقل الغام اقليمي.
الاردن يعيش ظروفا مالية واقتصادية صعبة تتمثل في ارتفاع الدين العام (35 مليار دولار)، وازدياد العجز في الميزانية (حوالي مليار ونصف المليار دولار)، ويرى كيف تتدفق عشرات المليارات الى دول من حوله، دون ان يصله الا قليل القليل، ولا نقول الفتات، والمأمول ان تكافأ “مغامراته” هذه مساعدات مالية، واستثمارية تخفف من معاناة الحكام والمحكومين معا، وان كان لدينا بعض الشكوك في هذا المضمار، لاننا نعرف ان بلدين وشعبين غير مسموح لهما الا العيش على حافة الجوع، هما الاردن واليمن، لاسباب نعرفها، ويعرفها الاردنيون جيدا، وليس المجال هنا لسردها، فهذا موضوع آخر.
“راي اليوم”