هكذا يطوع الحكام جماهيرهم ليطيعوهم تثبيتا وإستقرارا لملكهم وسلطانهم .
إب نيوز ١٩ يناير
بقلم/ د.يوسف الحاضري
مافرطنا في الكتاب من شيء ، هكذا يصف الله العليم القدير دستورنا القويم القرآن الكريم بأن فيه كل شيء ،ومن هذه الأمور “الجانب الإعلامي” بكل جوانبه وتفرعاته حيث يعرض الله القضية ثم يعرض طرق التشوية التي يصيبها بفعل البشر الطغاة ثم يوضح لنا نتائج إتباعها بعد التشوية عليهم وتبعاتها في الدنيا وفي الآخرة ، بأسلوب رباني راقي وواضح وعظيم وبين ، ومن هذه القضايا التي تطرق إليها الله عز وجل لتعليم وتوجيه عبيده المؤمنين به ولفضح أساليب وأسلحة اعداءه من المنافقين والطغاة الظالمين تتمثل هذه القضية في موضوع “التضليل الإعلامي ” في جانب ” كيفية تطويع الجماهير وصنع رأيهم وتوجيههم ” والذي طالما أستخدمه الحكام الطغاة المتفرعنون في كل زمان ومكان ليطوعوهم ويطيعوهم لتثبيت حكمهم وملكهم ،والتي شرحها الله في سورة الزخرف .
عرض الله قصة موسى وفرعون في القرآن الكريم مرات عديدة فأغلب الذين أصبحت قلوبهم غلف تجاه القرآن لا يفقهون حكمة الله في هذا التكرار ، غير مدركين ان الله في كل مره يتناول أي حدث بتكرار الا لتعليمنا درس معين سواء في كيفية النفسية السوية وتارة ليوضح في كيفية الأسلوب الامثل للتعاطي مع تعنت المجتمع ودعوتهم بأسلوب سليم ، وتارة في كيفية دحض الشبة والأكاذيب والتضليل ، وتارة يوضخ كيف يجب ان تكون العلاقات المجتمعية وتارة في اتباع ولاة الأمر الذين بالفعل هم ولاة امر وليسوا طغاة وهكذا ، لذا فمن الدروس التي نستفيدها من سرد الله لقصة موسى وفرعون في سورة الزخرف وهو اسلوب تضليل الطغاة من الحكام لجماهيرهم وتطويعهم لإطاعتهم بعد ان يستخفوا ويستحقروا عقولهم وسنسرد هذه الآيات كالتالي (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فقال إني رسول رب العالمين ، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ، وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ، وقالوا يا أيه الساحر أدع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ، فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ، ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ، أم انا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ، فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ، فأستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) هكذا نرى الآيات واضحات وبينات وسلسات في التبيين والشرح ، فقد وضح الله في بداية الطرح الذي ربط موسى هنا مع فرعون وملائه (وليس قومه) والملأ هم المقربون من فرعون من الوزراء والمستشارين ، ثم وضح الله أساليب الطغاة في تعاملهم مع الحق وأهل الحق والذي يتنوع بين الترغيب والترهيب والإستخفاف والتحدي والأستعلاء والتضليل ، فهنا بدأوا بالأستخفاف والأستنقاص من آيات موسى الأولى المتمثلة ب(العصا واليد ) فضحكوا (ظاهريا) وأرتعبوا (داخليا) والسبب في ذلك ألا ترى جماهيرهم أضطراب قياداتهم وحكامهم والذي ينعكس سلبا عليهم ( وهذه من أول واخطر الاساليب التي يستخدمها المضللون لأستغباء جماهيرها) فيظهر اللامبالاه رغم أن الإجراءات اللاحقه لها كانت كبيرة ك(حشد سحرة مصر لتحدي موسى) والذي فشلوا فيه امام موسى فتعامل فرعون معه بأسلوب التخوين والترهيب (أن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) .
استمر فرعون في استخدام هذا الأسلوب التضليلي الذي طوع به قومه ، خاصة بعد أن اكتشف انهم أصبحوا عقولا تافهة خاوية وغبية وسهلة التعامل معها بالكلام حتى ولو كان ما يشاهدونه أصدق وأوضح وأبين من الكلام ،وهذا من أهم ما يتجه إليه الحكام في كل العصور وخاصة في عصرنا هذا من خلال أنتاج جماهير ظاهرها ” واعي ومثقف ومتعلم” وجوهرها “خاوي وغبي وجاهل” وذلك بربط كل حياتهم بالمال وهذا ما وجدناه في حياتنا السابقة والتي كان النظام السياسي والاقتصادي والإعلامي والفكري والتعليمي وكل الجوانب تنشيء الشباب على الأعتبارات المزخرفة (الزخرف) والمادية فكنا نفكر من اول ايام دراستنا المدرسية كيف نحصد درجات عليا لنتمكن في الدراسة في الجامعة دراسات تنعكس علينا بالمادة الأكبر ثم نسعى كيف نتوظف لنحصد مبالغ مالية لنبني بيوتا ونشتري سيارات ثم ننشيء ابناءنا على نفس الأهداف وهكذا جيلا بعد جيلا لذلك استطاع عفاش ان يكسب نفوس كثيرا من اليمنيين رغم حالة الفقر التي كان يعيشها اليمنيون ولكن التضليل بعد الأستخفاف اسلوب فرعوني نجح على اسلوب نبي عظيم وهو موسى رغم ان فرعون كان يعطيهم كلام وموسى يوضح لهم بالفعل والعمل والآيات البينة (كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والقحط ) فكان الله يكشف عنهم كل عذاب من هذه برفع يديه الى الله ليكشف عنهم بعد ان يلجأ إليه فرعون ويقول له في اول الايات بأن اذا كشف الله عنهم العذاب سيؤمن به ويرسل معه بني اسرائيل فيكشف عنهم وبمجرد ما يكشف عنهم يخلف فرعون وعده ،
فلما تكررت هذه الحركات رأى فرعون وملاءه ان قومهم بدأوا يشككون في مكانة فرعون ويميلون إلى موسى وربه ، هنا يأتي عامل تضليلي آخر يستخدمه الطغاة مع جماهيرهم وهو اسلوب خبيث يتمثل في (أستهداف الشخصية المناوئة لهم والممثل للحق استهدافا في شكله ولونه وممتلكاته وأمور مادية) يعرف هؤلاء الطغاة انها امور طالما تدغدغ عواطف الجماهير ويميلون إليها لذا قال فرعون (يا أيه الساحر) ولم يقل يا موسى !!! وهذا خبث ومكر ليزرع في عقول الجماهير الباطنية تجذبهم إلى ان يتعاطوا مع موسى من منظور انه ساحر وايضا فتح لهم بابا جديدا ليتعاطوا ضد موسى من هذا الباب كما نرى اليوم كيف تقوم امريكا والكيان الصهيوني في إدارة العقول المشابهة لهذه العقول عبر الإعلام فنرى تتكرر نفس الاطروحة عندهم جميعا ضد شخصية عظيمة كالسيد حسن نصر الله او السيد عبدالملك الحوثي (اسلوب التشوية ) .
سنتكلم في المقال (2) عن بقية الأطروحات في ظلال نفس الآيات في نفس الهدف الإعلامي بمشيئة الله في اطار سعينا الدائم لتصحيح تاريخنا وثقافتنا الإسلامية التي شوهها اعداءها من اليهود والمنافقين .