تكــحلت عيــنآي بدمــوع ِ رحيـلـه..
إب نيوز ٣٠ يناير
بــقــلــم/ إقــبــال جــمــال صــوفــان
صقيعٌ يلحفُ أرجاء بلادي برحيل الصماد، مناخ مدينتي يمطر عبق الروح فوق سكانها، كلماتي يتراجع بريقها ، وحروفي تتضايع أمكنتها ، طغى السهو في ساحة أفكاري ، وأنسحب الكلام متعثرآ بحلمات الفقد ولكني سأحاول أن أصفَ الشهيد كشعاع ذهبي إنبثق نورهُ إلى كل زاوية، ناظرة إلى الأمل الممتد إلى أبعد نقطة تقع عليها عين الناظر مثلي إنه :
رجل عتيدٌ صاعدٌ من مدينةِ صعدة ، إعتركَ أسرار العلم ، وحطم قيود الخبث، ونثر الرمل المتوهج في أصقاع الأرض ، لم يبالِ بسلات التهديد، وأصوات الإقلاق أينما وجِد وجدَ السلامُ معه ، هبط على أضلعِ الضياء وأغصانِ الندى، عرفناهُ بدرآ لا تمل العين من التطلعِ إليه ، ولا تمل الأذن من السماع له ، رسم نجاحهُ على الغيمِ النائمِ قرب دوائر الشهادة ، فــ أرتدى وسام الشهادة الذي لطالما حلم به، وصلتنا مباهج الحياة عبر فيضان عطاءهِ المستمر ، فقد حلق مع عصافير السعادة في مختلف المدن ، ولم يعرفوا الأقفاص أبدآ، قسّم نفسهُ إلى خرائط وجعل جذورهُ فوقَ جغرافيا التاريخ ، بنى الجدران المهدّمة الحزينة لأنها جدران منهكةٌ تخلص من قيثارةِ الهموم وأيامها ، فرحل عنا دونما وداع وماأصعب الحياة عند رحيل من هشم أرطال الباطل !!
لقد وجدنا أنفسنا لوحة مشرقة من مبادئهِ التي غُرست فينا، والتي رصّها على حوافِ المنازل وعند العتبات وفي الطرقات والمدن والأحياء….
إن يوم إستشهادهِ يوم مُثقل بالأوجاع حاولت أن أقنع نفسي أنه قد أُسشهد فنظرت إلى السماء ، عجت روحي بزرقتها، وتقاطرت دموعي بتأملها ، وحُبست أنفاسي بإستجماع هواءها ، سحبت مني مهجتي فاضحة سقم وضعي ، تقلبت بين حلقات لولبية تنزلق عباراتها حيرة مما أنا فيه ، إنسحبت بهدوء مضني من خيالي في السماء ، ونسجته على الأرض فوجدت طوفان بشري بطيءٌ في خطاه خاملٌ في جسدهِ ، مطأطأً رأسه ، يسحب نفسه بحزنٍ يعتصر قلبه، ولكن بجوفهِ براكين تغلي وعيون تتوعد بجهادٍ يخرم ذرات الأيام ليكتسح مملكة الرمال حينها أقتنعت بأن الصماد قد رحل وأيقنت أن ماأراه هو تشييع رئيس الشهداء ورفاقه!! إنذهلت من هول المشهد!! بقيت ألوج داخل هيكل منزلي ، حواسي كانت كستائر ترتعش تحت هيكل الإنبهار ، أمام شباك مفتوح تجري كلمسات متنقلة داخل قماش خيوطها ، كنت كئيبة الملامح أضم العالم بدهشة عثرت عليها من صندوق التلفاز أمامي ، شيّعت معه آمالي المنتشرة بكل إتجاه منذ سنين ، لمتني زرقة الأحلام المنطوية ، وصعوبة الطرقات المنسدلة ، نُكِّست الأعلام ، وضجت المآذن وفاح عطر الحزن في فضاء بلادي ، ليرسم رائحتهُ كأقواسِ قوس قزح في علوِ السماء ، تمنيت الكف عن الغوص في فضاءٍ يعذبني بسطورهِ لأنّي لا زلتُ على مدارِ عمق الفراق أودع من سكن في أبراج الوفاء الغسيقة ، وسابق محطات الطموح البهية ، وعايش أيام هذير المعارك وأصوات أزيز الرصاص ، وخّلد لحظات البطولة وخطوات الجهاد ، ورسم ملامح الدولة الإسلامية الناصعة بفكرها القرآني ، وحفر تراتيل النصر وكلمات التحدي ، أثّر فينا كثيرآ وملأ أرواحنا منه حتى لم يعد منا لأرواحنا موضع ومكان ، ففي كل مرة ننظر فيها إلى صورهِ المنتشرة في شتى الأماكن حينها نجدُ تلصص صوت رخيم الحنايا يضج بنا فيصحو غيم الدمع ممطرآ الأحزان