ستة أسباب للغضب المتزايد في اليمن ضد التحالف السعودي الإماراتي .
ربما يكون الحكم القبلي الصادر يوم الجمعة الماضية، في محافظة شبوة جنوبي اليمن، ضد دولة الإمارات، وتغريمها 64 مليون ريال سعودي (نحو 17 مليون دولار) بتهمة قتلها مدنيين يمنيين، من قِبل مسلحين تابعين لها، أوضح تعبير عما وصل إليه الحقد الشعبي على السلوك الاستعماري – الاحتلالي لأبوظبي ومعها الرياض في اليمن، الذي يعيد اليوم حكايات وذكريات الاحتلال البريطاني حتى إلى أنصار التحالف السعودي – الإماراتي وحكومة عبدربه منصور هادي.
وشهدت الشهور الأخيرة نزفاً حادّاً في شعبية الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف السعودي الإماراتي الذي يرفع شعار دعمها، وهو التراجع الذي بات ملموساً في العديد من المظاهر، بما فيها ارتفاع نسبة الانتقادات الموجّهة له في المنابر الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، كما التراجع في صفّ المدافعين عنه، الأمر الذي يمثّل نتيجة منطقية لجملة إخفاقات وممارسات، تتصدرها ما تقوم به الإمارات في المحافظات الجنوبية، بالإضافة لما آلت إليه البلاد بعد أربع سنوات من الحرب.
وبعد أيام من الانتكاسة الكبيرة التي مُنيت بها الحكومة اليمنية، في منطقة حجور بمحافظة حجة، وما خلّفته من انتقادات لاذعة موجهة للتحالف وقوات الشرعية، جاءت حادثة استهداف أحد المواقع العسكرية لقوات الجيش الحكومي في الجوف، التي خلّفت ما يقرب من 30 قتيلاً وجريحاً من الجنود يوم الخميس الماضي، لتشعل مجدداً موجة التساؤلات عن الجهة التي تقف وراء القصف، وسط اتهامات لأبوظبي، فيما امتنع التحالف عن إصدار أي تعليق.
وتتعدى الانتقادات الموجّهة إلى التحالف السعودي الإماراتي شريحة الرأي العام، إلى مسؤولين في الحكومة، ولا يتردد البعض من فينة لأخرى، في توجيه انتقادات مباشرة لممارسات الإمارات على نحو خاص، مع مطالبات متصاعدة بإخراجها من التحالف. ثم جاءت مناسبة الذكرى السابعة لانتخاب هادي في 21 فبراير/ شباط الماضي، لتكون هي الأخرى انعكاساً للتراجع في مستوى ثقة اليمنيين بأداء قيادة الحكومة، على أن التراجع أو رقعة السخط المتزايدة يمنياً ضد ممارسات التحالف وفشل الشرعية، لا تقتصر على منطقة دون أخرى، وتتعدى المناطق الخاضعة للحوثيين إلى الجنوب الذي يشهد غلياناً متصاعداً ضد ممارسات الإمارات والمليشيات الموالية لها خلال الحرب.طول فترة الحرب
“ |
ومن جملة الأسباب التي تقصّتها “العربي الجديد” في آراء يمنيين ومسؤولين من خلفيات سياسية متعددة، يُعدُّ امتداد فترة الحرب التي تدخل نهاية مارس/آذار الحالي عامها الخامس، من أبرز أسباب السخط المتصاعد يمنياً، وذلك بسبب عدم مقدرة التحالف والشرعية على حسم المعركة في زمن قياسي، على الرغم من فارق الإمكانيات بينهما وبين الحوثيين. امتداد زمني تتفاقم معه يوماً بعد يوم، الأوضاع الإنسانية المأسوية لدى عموم المواطنين، وتتضاعف بسببه الخسائر والتضحيات في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
ويزيد من التعقيد، أنه على الرغم من مرور هذه السنوات التي فاقت قدرة اليمنيين على التحمّل، فإنه لا بوادر تلوح في الأفق بإمكانية حسم عسكري سريع أو حل سياسي يعيد الاستقرار الضامن لعودة مظاهر الحياة التي افتقدها غالبية اليمنيين، فيما غياب هذه البوادر يخلّف لدى مختلف الأوساط اليمنية قدراً متعاظماً من الإحباط وخيبة الأمل والخوف من المستقبل.
أجندة خاصّة
إذا كان طول أمد الحرب سبباً منطقياً في إحداث تحوّل كبير في الرأي العام اليمني، تجاه التحالف السعودي الإماراتي، فإن بروز الأجندة الخاصة للتحالف ولأبوظبي على نحو خاصٍ، تعمل على تحقيقها، لم يعد سراً بالنسبة لليمنيين، بعدما صدح به مسؤولون ووزراء في الحكومة الشرعية، قدّم بعضهم استقالته في العامين الأخيرين، بالإضافة إلى آخرين وإن كانوا لا يزالون يلتزمون الصمت أو السياسة الرسمية التي تدافع عن التحالف، إلا أن تلك هي القناعة السائدة وفقاً لما يستخلصه أي يمني مطّلع في مجمل التطورات والنقاشات في أوساط النخبة اليمنية، بما في ذلك المسؤولون في الحكومة.
هذا التقييم الذي يمكن استشفافه من جملة من التصريحات والتعليقات اليمنية في مواقع التواصل الاجتماعي، يتمثل بالإقرار بظهور أطماع من دول التحالف لا علاقة لها بـ”معركة استعادة الدولة اليمنية المختطفة في أيدي الحوثيين” كما هو معلن، ويُستدلّ على عكسه، بمجموعة من الإجراءات والتصرفات التي تقوم بها الإمارات في المناطق المحررة الخاضعة لإشرافها، وخصوصاً عدن وأرخبيل سقطرى. كما عملت على تأسيس مليشيات وتشكيلات تابعة لها في هذه المناطق لا تخضع للحكومة الشرعية، على غرار “الحزام الأمني” في عدن وقوات ما تسمى النخبة الشبوانية والحضرمية والتهامية، إلى جانب فتح السجون والمعتقلات للمعارضين المدنيين لها في أكثر من مكان. وكذلك القيام بمجموعة من التجاوزات التي تمسّ السيادة الوطنية وتُفسّر من قبل عديدين، على أنها نوع من السلوك الاستعماري – الاحتلالي. وهو ما فعلته أبوظبي في أرخبيل سقطرى الواقع في المحيط الهندي، وما تفعله الآن الرياض في محافظة المهرة أقصى شرقي البلاد. وهي التصرفات التي لاقت وتلاقي رفضاً أهلياً متنامياً في تلك المناطق وعلى مستوى اليمن.
قيادات الدولة خارج البلاد
يُعتبر بقاء هادي والعديد من قيادات الدولة في العاصمة السعودية الرياض، وعدم عودتهم إلى المناطق التي تُوصف بـ”المحررة”، ولا سيما “العاصمة المؤقتة” عدن، واحداً من أبرز الأسباب التي أدت إلى انحسار شعبية الحكومة. ويذهب مراقبون إلى اعتبار أن الأسباب التي تسوقها بعض المصادر الرسمية لعدم العودة، غير مقنعة، وأن بقاء الرئيس اليمني وعدد من أركان نظامه خارج البلاد، يفسح في الطريق أمام الحوثيين لترسيخ وجودهم على الأرض، ويعمل على مراكمة المشاكل الخاصة بالمناطق الجنوبية والشرقية، فضلاً عن الصورة السلبية للحكومة التي تتعزز في ذهن الأطراف الدولية، كما يفاقم الهوّة بين هذه القيادات والقيادات الوسطى المدنية والعسكرية في الميدان.
الإمارات والمليشيات التابعة لها، هي السبب المباشر الذي يمنع وجود الشرعية ومسؤوليها في البلاد |
وفي حين بات معلوماً أن الإمارات ومجموعة المليشيات والتشكيلات المسلحة التابعة لها، هي السبب المباشر الذي يمنع وجود الشرعية ومسؤوليها في البلاد، تتصاعد الانتقادات اللاذعة والنكات الساخرة، إذ علّق البعض بأن الحالة اليمنية مغايرة لكل الأزمات في العالم، فالشعب باقٍ والحكومة نازحة. وتعمل أبوظبي على تدمير سمعة الشرعية وصورتها أمام المواطنين، سواء بإعاقة العودة، أو تجعل من وجودها شكلياً ومحدوداً كما هو حال حضور رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك في مدينة عدن لأسابيع بين حين وآخر، لكنه يفتقر لاتخاذ القرارات الفعلية المرتبطة بالسيادة.
معضلة الرواتب
منذ أكثر من عامين ونصف، لم يتسلّم موظفو الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين، سواء في القطاع المدني أو العسكري، رواتبهم من الحكومة الشرعية بوصفها المسؤول الأول عنهم منذ إقرارها نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/ أيلول 2016، وفي ظل الوعود التي قطعتها بالتزامن مع جهودها الرامية لنقل المصرف المركزي. وعلى الرغم من تذرّع قيادات الشرعية ببعض الحجج لتبرير هذا الانقطاع، وسردها جملة من العراقيل المنسوبة للحوثيين، على غرار رفضهم تسليم الواردات إلى المصرف المركزي في عدن، إلا أن فشل الحكومة في تذليل هذه العراقيل، واستسلامها للأمر الواقع، أمر أثّر ويؤثر على صورتها في تلك المناطق ذات الكثافة السكانية الكبرى في البلاد.
ولا تتوقف معضلة الرواتب على منتسبي الحكومة في مناطق سيطرة الحوثيين، بل تشكو قطاعات عسكرية تابعة للشرعية من تأخر الرواتب، ومن لوبيات تنهب مخصصات الجنود بقوائم وهمية. على أن فشل الشرعية وبروز الأطماع الخاصة للرياض وأبوظبي في المناطق الاستراتيجية في اليمن، لا يقللان بأي حالٍ من الأحوال، من وجود نقمة متزايدة ضد ممارسات الحوثيين الذين ينهمكون باستكمال السيطرة على مؤسسات الدولة وبالحروب الممتدة على العديد من الجبهات، على نحوٍ تبدو معه المعاناة والأزمة الإنسانية ومثلها إخفاقات الشرعية، كما لو أنها ورقة تستثمرها الجماعة على أكثر من صعيد، أقل مظاهرها حملات التوظيف التي تقوم بها الجماعة لاستبدال الموظفين الحكوميين، الذين نزحوا بسبب الحرب والذين يتغيبون عن أعمالهم، نتيجة عدم تسلّم مستحقاتهم.
خذلان المغتربين
أدى إصرار السلطات السعودية على تطبيق إجراءات توطين بعض مجالات العمل أو ما تعرف بـ”السعودة”، على المغتربين اليمنيين وعدم استثنائهم من تلك الإجراءات بحكم الظروف التي تمر بها بلادهم، وبحكم كونها بصدارة التحالف الذي يخوض حرباً في بلادهم بمبرر “دعم الشرعية”، أدى ذلك إلى حالة من الانكسار وضعف الثقة في الداخل اليمني لما تمثله هذه الشريحة المهمة من رافد أساسي للاقتصاد الوطني. كما أدى عجز الحكومة الشرعية عن إقناع السعودية باستثناء اليمنيين من قرارات “السعودة” ولو بشكل مؤقت، إلى انكماش شعبيتها لدى هذا القطاع الواسع المهم، على الرغم من أن هادي والحكومة يقيمون في أوساط هؤلاء المغتربين، ما يعني أن من المفترض أن تكون الحكومة أكثر استيعاباً لمعاناتهم، وأقدر على الوصول للجانب السعودي ومواصلة طرق الأبواب حتى يتم العدول عن ذلك القرار، على الأقل حتى تضع الحرب أوزارها.
ضياع الفرص
لاحت خلال السنوات الأربع الماضية فرص عديدة للحكومة الشرعية والتحالف، كان بالإمكان أن تترك واقعاً مختلفاً لو تم اغتنامها، ومنها على سبيل المثال مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح على يد الحوثيين، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، فكان ذلك فرصة لتوحيد صف الشرعية. لكنّ تطوراً مفصلياً مثل مقتل صالح، ذهب من دون أن يترك ما كان منطقياً أن يتركه بحصر المعركة مع الحوثيين، كجماعة ترفع شعارات لا تتفق مع غالبية اليمنيين. إلا أن كل ذلك تبخّر، ليعزز الانطباع بأن ما حدث إن لم يكن التجلي الأبرز للفشل السياسي والعسكري للسعودية في اليمن، فإنه دليل آخر على أن حسابات وأطماعاً غير معلنة، هي التي تتحكّم بالحرب الدائرة. وجاءت انتكاسة الانتفاضة القبلية في منطقة حجور بمحافظة حجة، والاتهامات المتزايدة للشرعية بخذلان هذه الانتفاضة وتركها لقمة سائغة للحوثيين، لتأتي على ما تبقى من آمال معقودة على هذه الحكومة، وسط مخاوف يبديها مسؤولو الشرعية من أن هذا الخذلان يحول دون انتفاضات مماثلة في مناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين. ومن الجدير بالذكر، أن السخط المتزايد ضد التحالف وتضعضع ثقة اليمنيين بالشرعية، لا يقابلهما تزايد في شعبية الحوثي، بل إن النقمة على كلا الطرفين، تغدو هي الحقيقة التي تتجلى أكثر من غيرها، وسط مشهد مأسوي يدفع المواطنون فاتورته الكبرى.
*العربي الجديد