عبدالباري عطوان : كيف ستنعكس ثورتا الجزائر والسودان على دول الجوار العربي والسعودية ومصر تحديدا؟
إب نيوز ٣١ مارس
عبدالباري عطوان :
كيف ستنعكس ثورتا الجزائر والسودان على دول الجوار العربي والسعودية ومصر تحديدا؟ هل قرارات السيسي بزيادة الأجور دليل ازدهار اقتصادي ام محاولة لتمرير التعديلات الدستورية؟ وهل سيستغل بن سلمان ثورة الجزائر وتداعياتها للتعجيل بالقفز الى العرش؟
بدأت الانتفاضتان الشعبيتان في كل من السودان والجزائر تعطيان ثمارهما ليس فقط في البلدين، وانما في المحيط العربي ودول الجوار أيضا، فالقيادة السعودية باتت تخشى من وصولها الى أراضيها، فهناك بعض التشابه بين أوضاع القيادتين في السعودية والجزائر وتقدمهما بالسن والمرض معا، اما نظيرتها المصرية فقلقها نابع بالدرجة الأولى من الصعوبات المعيشية التي تواجه شعبها بسبب الغلاء والبطالة والأزمات الاقتصادية المتفاقمة، وفوق هذا وذاك انخفاض سقف الحريات وارتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الانسان، واشتداد القبضة الحديدية للسلطة.
اهم ما يميز الثورتين الجزائرية والسودانية، طابعهما السلمي الحضاري أولا، وانضباط الشارع والمؤسسة الأمنية معا ثانيا، والدور الفاعل للمؤسسة العسكرية المتمثلة بالجيش ثالثا، كـ”بيضة القبان”.
الرئيس السوداني عمر البشير رضخ لبعض المطالب الشعبية، وتراجع عن تعديل الدستور وخوض الانتخابات لولاية رئاسية جديدة، وأجرى تعديلات في هيكلية الحكم، اما رئيس هيئة اركان الجيش الجزائري فاضطر للرضوخ للمطالب الشعبية بعزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بسبب العجز المرضي والجسماني، وتفعيل المادة 102 من الدستور التي تعطي الرئاسة مؤقتا لرئيس مجلس الشعب (البرلمان) لملأ الفراغ انتظارا لرئيس جديد يتولى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وهي تنازلات ما زالت موضع جدل ولم تُهدأ الشارع الجزائري الذي يريد تغييرا شاملا.
شعوب عربية عديدة تراقب هذه التطورات ومن بينها الشعبان السعودي والجزائري، ولهذا بدأت قيادتا البلدين في التحرك ولكن ببطيء لتجنب انفجارات على طريقة الشعبين الجزائري والسوداني، فالسعودية أفرجت عن ثلاث ناشطات معتقلات، اما حليفتها المصرية فأعلنت عن قرارات جديدة لرفع الحد الأدنى من الأجور، وزيادة مرتبات المتقاعدين.
الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر مجموعة من هذه القرارات مثل مغادرته الى تونس للمشاركة في القمة العربية برفع الحد الأدنى من الأجور من 1200 جنيه الى 2000 جنيه دفعة واحدة، وزيادة معاشات التقاعد بنسبة 15 بالمئة، ومنح جميع العاملين بالدولة علاوة إضافية استثنائية 150 جنيها للعمل على “معالجة الآثار التضخمية”.
المؤيدون للرئيس السيسي قالوا ان هذه القرارات هي دليل حالة من التعافي في الاقتصاد المصري، اما الناقمون المعارضون فيرون فيها محاولة لامتصاص غضب شعبي متفاقم، وتمرير للتعديلات الدستورية التي تجعل الرئيس السيسي يبقى في الحكم حتى عام 2033.
الظرف السعودي يبدو مختلفا عن نظيره المصري، لسببين: الأول ان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الحاكم الفعلي للبلاد ما زال يملك في جعبته مئات المليارات لإرضاء الشعب الذي بدأ يعاني من الغلاء وارتفاع معدلات المعيشة على غرار ما فعل عمه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عندما “رش” عام 2011 130 مليار دولار على شكل مساعدات مالية واعفاءات من قروض الإسكان وزيادة رواتب العاملين في الدولة، وفوقه منحه مالية بثلاث اشهر، ولكن لم تكن هناك حرب في اليمن ما زالت تثير سخط قطاع واسع من السعوديين وغضبهم، مثلما هو الوضع الحالي، تستنزف الدولة ماليا وبشريا، ولا يوجد أي امل بانتهائها سلما او حربا في المستقبل المنظور.
الأمير بن سلمان ربما يستغل الوضع الجزائري لصالحه ويعجل بالإطاحة بوالده المريض، والقفز الى العرش، ثم يفك الخيط عن خرجه المالي، ويغرق مواطنيه بالمنح والمساعدات، ولكن الرئيس السيسي الذي ما زال في قمة لياقته البدنية والصحية لا يملك مثل هذا “الترف” المالي، ولذلك فان خطر تكرار الحراك الجزائري في بلاده ربما يكون اكبر، وان كان لا توجد مؤشرات واضحة في هذا المضمار في الوقت الراهن على الاقل.
انتحار محمد البوعزيزي حرقا في مدينة البوزيد التونسية فجر الموجة الاولى من ثورات الربيع العربي، وهي الثورات التي جرى توظيف معظمها من قبل تدخلات خارجية غربية وعربية، خاصة في سورية وليبيا واليمن ومصر من اجل زعزعة الاستقرار وخلق فتنة داخلية تؤدي الى هدم الدولة ومؤسساتها واحداث الفوضى غير الخلاقة، ومن غير المستبعد ان تؤدي ثورات الجزائر والسودان “النموذجية” حتى الآن، الى موجة جديدة تكميلية تفرض تصحيحا جديدا لكل الأخطاء السابقة، من حيث القضاء على الفساد، ابو المشاكل وامها، والتأسيس للحكم الرشيد، وربما يكون من المبكر الإغراق في التفاؤل، فالثورتان لم تصلا نقطة النهاية بعد والنتائج غير واضحة.. وما علينا غير الانتظار.
“راي اليوم”