عبدالباري عطوان: رد أوباما على اهانته في مطار الرياض
عبدالباري عطوان: رد أوباما على اهانته في مطار الرياض
أوباما يتعهد بعدم إرسال قوات برية إلى سورية وقلب نظام الأسد في رد مباشر على حلفائه الخليجيين وإهانته في مطار الرياض.. فما هي خطة المعارضة السورية المقبلة؟ ولماذا اتخذ هذا الموقف؟
رشّ الرئيس الأميركي باراك أوباما المزيد من الملح على جرح المعارضة السورية وداعميها في المملكة العربية السعودية وتركيا ودول الخليج، عندما أكد في حديث أدلى به إلى محطة تلفزيونBBC البريطانية، أنه سيكون “من الخطأ” ارسال قوات برية الى سورية لقلب نظام حكم الرئيس بشار الاسد، وكل ما تستطيعه بلاده هو ممارسة ضغوط على المستوى الدولي على الاطراف الموجودة في الساحة السورية، للجلوس الى مائدة المفاوضات، وكرر “ان الحل العسكري وحده لن يسمح بحل المشكلات على المدى البعيد في سورية”.
خطورة كلام الرئيس اوباما هذا يأتي من كونه جاء بعد زيارة قام بها الى الرياض قبل بضعة ايام، وحضر خلالها اجتماع قمة مجلس التعاون الخليجي، واجتمع مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان العنوان الابرز لمحادثاته الملف السوري، والعتب، او الغضب الخليجي، لعدم تدخل امريكا عسكريا، وبشكل اقوى في هذا الملف.
لعل الرئيس اوباما من خلال هذا الحديث، الذي ادلى به اثناء توقفه في لندن، في اطار جولته الاوروبية، اراد ان يرد بشكل غير مباشر على الانتقادات الخليجية، واستخفاف العاهل السعودي به عندما تعمد اهانته بعدم استقباله في المطار، اسوة بالقادة الخليجيين الآخرين الذين وصلوا في اليوم نفسه الى العاصمة السعودية.
***
الرهان التركي والخليجي على تدخل امريكا عسكريا في سورية لاطاحة النظام السوري ورئيسه كان في غير محله على الاطلاق، ولو كان الرئيس الامريكي يملك اي نوايا حقيقية في هذا الصدد، لفعل عندما جرى اتهام هذا النظام باختراق “الخطوط الحمر” واستخدام الاسلحة الكيماوية ضد المعارضة السورية وذلك في ايلول (سبتمبر) عام 2013.
الرئيس اوباما عاقد العزم، ومنذ ان بدأ ولايته الاولى، على عدم التورط عسكريا في الشرق الاوسط، والانجرار الى حرب فيها، وقال ذلك بكل وضوح في مقابلته الشهيره لمجلة “اتلانتيك” الامريكية الشهر الماضي، واكد ان دولا خليجية تريد “ركوبا” مجانيا على ظهر امريكا، ونصحها بالحوار والتوصل الى “سلام بارد” مع ايران واقتسام المنطقة.
روسيا قدمت السلم للرئيس اوباما للنزول عن شجرة “خطوطه الحمر” في سورية، عندما تعهدت باقناع النظام بالتخلي عن ترسانته من الاسلحة الكيماوية، وامتصاص الغضب الامريكي، وفعلا جرى تسليم جزئي لهذه الاسلحة، وبقي معظمها في مخازنه، وما تم تسليمه جرى تعويضه بطريقة او باخرى.
الرئيس اوباما الذي يريد ان يدخل التاريخ كأول رئيس امريكي يفوز بجائزة نوبل للسلام، وهو في قمة السلطة، اثبت انه “اكاديمية” في كسب الوقت، واستاذ في “المماطلة”، وتجنب اتخاذ قرارات الحرب، اقليمية كانت او عالمية.
جون كيري وزير خارجية اوباما قالها صراحة، ودون اي مواربة، لناشط سوري استفزه اثناء اجتماع حول سورية، انعقد في لندن قبل ستة اشهر، عندما اكد له ان بلاده، اي امريكا، لا تفعل شيئا لانقاذ السوريين من اعمال القتل التي يرتكبها النظام بدعم روسيا، فكان رد الوزير كيري بسؤال آخر “وهل تريدني ان ادخل في حرب عالمية مع روسيا من اجلكم؟”.
كلام واضح، ولكن الرسالة التي يراد ايصالها من خلاله الى المعارضة السورية وداعميها ضاعت في الطريق، او هكذا نعتقد، واذا كانت وصلت فعلا، فلم يتم فهمها على الوجه الاكمل، وما انسحاب وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثل للمعارضة السورية ومقرها الرياض، من مفاوضات جنيف بطريقة غاضبة، واستمرارها بوجود وفد النظام بدونها، الا احد الادلة في هذا الصدد، فـ”الحرد” ربما يجدي نفعا مع بعض العرب، ولكن ليس مع امريكا عموما.
المعارضة تريد، او نتوقع، من واشنطن ارسال طائراتها القاذفة العملاقة من طراز “ب 52″ لقصف العاصمة دمشق على غرار ما فعلت في العراق وليبيا وافغانستان، وتزويدها بصواريخ مضادة للطائرات، على غرار نظرائها من المجاهدين الافغان في كابول، ولكن يغيب عنها، حتى الآن على الاقل، ان هناك قواعد روسية جوية في سورية مزودة بطائرات حديثة، وصواريخ اس 400 القادرة على اسقاط اي طائرة امريكية قاذفة كانت ام مقاتلة، اذا اراد حاكم الكرملين ذلك.
لا نعتقد ان قاذفات امريكية عملاقة ستقصف دمشق في زمن اوباما، الذي لم يبق لديه في السلطة الا بضعة اشهر، ونستبعد ان يتغير الوضع في حال فوز رئيس امريكي جمهوري بالرئاسة من بعده، حتى لو كان العنصري المندفع دونالد ترامب، الذي قال انه يجب على السعودية ان تدفع لامريكا ثمن حمايتها، فامريكا تتغير، ولكن العرب والانظمة بالذات، لا تتغير، وان تغيرت فالى الوراء للأسف.
***
المعارضة السورية لم تتعلم من الدرس الفلسطيني مع الادارات الامريكية المختلفة، واوباما خصوصا، فقد تصور هؤلاء انه، وبعد حديثه الحازم في خطابه بجامعة القاهرة، عن ضرورة وقف اسرائيل لكل اشكال الاستيطان والقبول بحل الدولتين، سيرسل حاملات الطائرات الامريكية الى شواطئ حيفا ويافا وعكا وتل ابيب المحتلة، وها هو يوشك على مغادرة البيت الابيض، تماما مثلما غادره سلفه جورج بوش الابن الذي تعهد بقيام دولة فلسطينية قبل نهاية ولايته الاولى ثم الثانية، اي دون فعل اي شيء، غير كسب الوقت والضحك على الذقون، ذقون العرب طبعا.
اوباما اعتقد ان الجيش العربي السوري سينهار، والرئيس الاسد سيهرب الى موسكو، او روسيا البيضاء، او ايران، على اول طائرة، ولكن هذا لم يحدث، وزاد التدخل العسكري الروسي من ازمته، فرفع الراية البيضاء، ايثارا للسلامة، وتجنبا لخوض حروب الآخرين.
عندما يقول الرئيس اوباما ان اكبر خطأ ارتكبه في حياته هو التدخل العسكري في ليبيا، فماذا يعني هذا؟
هذا رجل قرر منذ اليوم الاول ان لا يكرر خطأ سلفه بوش، فهل نتوقع ان يكرر ما قال ان اكبر اخطائه في ليبيا، وما زال يندم عليه، في سورية؟
الاجابة مكتوبة على الحائط… اي حائط تختارونه.
*”راي اليوم”