عبدالباري عطوان : هذه هي وصفتنا لحل “الازمة السودانية” وحقن دماء الشعب والجيش معا واغلاق الأبواب امام التدخلات الخارجية..
عبدالباري عطوان :
هذه هي وصفتنا لحل “الازمة السودانية” وحقن دماء الشعب والجيش معا واغلاق الأبواب امام التدخلات الخارجية.. لماذا نطالب الرئيس البشير الاقتداء بإرث قائده سوار الذهب وزميله بوتفليقة والانسحاب من السلطة لان البدائل كارثية ومرعبة؟ ولماذا نقف في خندق الشعب السوداني واحتجاجاته؟
بعد ثلاثين عاما من الحكم كانت حافلة بالكوارث وعدم الاستقرار، حان الوقت لكي يتجاوب الرئيس عمر البشير مع المطالب الشعبية التي تطالبه بالتنحي عن الحكم، ووضع خطة للانتقال السلمي للسلطة تجنب البلاد الفوضى، وتخرجها من حالة عدم الاستقرار التي تعيشها في الوقت الراهن، والتخلي عن حالة “العناد” التي تتسم بها شخصية، والمعروفة عند وسط محبيه واعدائه معا.
الرئيس البشير يتحمل مسؤولية انقسام السودان، وخسارته اكثر من 75 بالمئة من احتياطاته النفطية، وثلث أراضيه، وانهيار اقتصاده وعملته الرسمية، ووقوفه على حافة التفكك، فقد اجتهد واخطأ في الكثير من هذه الاجتهادات، وحان وقت الرحيل.
الحديث عن تدخلات خارجية في الازمة الحالية لا يقنع الا فئة محدودة من الشعب السوداني، ومن أنصار حزب المؤتمر الحاكم على وجه الخصوص، لان من يريد مقاومة التدخلات الخارجية كان عليه ان يمنع انفصال الجنوب، سواء بالحرب او بالحوار، فالمتظاهرون الذين نزلوا الى الشوارع مطالبين بالتغيير انطلقوا من رحم المعاناة، وبعد ان ضاقت بهم سبل العيش وطفح كيلهم من الممارسات الخاطئة، وهم الذين ينتمون الى شعب طيب مثقف ويشكل مثالا في الوطنية والتسامح.
السودان يواجه الانهيار بسبب الفساد والمحسوبية والسياسات الفاشلة للسلطة داخليا وخارجيا، ولان الرئيس البشير جعل من البلاد كلها رهينة لمستقبله الشخصي، والحفنة المحيطة به، وتقلباته ذات الطبيعة المزاجية الحادة، وعدم الادراك بأن الزمن يتغير والمنطقة تتغير.
لا ننسى مطلقا مواقف هذا النظام الداعمة للقضية الفلسطينية، وللعراق الشقيق في مواجهة الحروب المؤامرات، والتصدي للمشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد طمس عروبته وتمزيق وحدته الوطنية، وهي المواقف التي عرضته للحصار والقصف، ولكننا لا يمكن ان ننسى في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان الرئيس البشير تخلى عن معظم هذه المواقف عندما انحاز الى المعسكر الآخر، وارسل آلاف الجنود، من خيرة وحدات جيشه للقتال في اليمن، مما أدى الى مقتل الآلاف من الاشقاء المدنيين المحاصرين المجوعين، الى جانب اكثر من الف جندي سوداني، والصاق تهمة “الارتزاق” بجيش السودان، وهي تهمة ظالمة، طمعا في حفنة من المال، واملا في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليه شخصيا.
السودان كان سباقا في اتخاذ الخطوات الرائدة، مثلما كان ولاّدا في إنجاب الحكماء والقادة العظماء الذين قدموا مثلا في الزهد في الحكم، والحياة وتركوا ارثا خالدا لمصلحة الديمقراطية والاستقرار، وتقديم مصلحة الشعب على مصالحهم الشخصية، والجنرال سوار الذهب كان مثلا نموذجيا، وقدوة حسنة، ليس للسودانيين فحسب، وانما للأمتين العربية والإسلامية.
بعد مقتل 21 متظاهرا سودانيا واصابة 150 آخرين، نناشد الرئيس عمر البشير الاستجابة للمطالب الشعبية، وان يقتدي بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ويتنازل عن السلطة لمجلس من الحكماء من أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، والنخب السياسية لوضع خريطة طريق تضمن الامن والاستقرار والاختيار الشعبي الحر من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة بعد مرحلة انتقالية، مثلما تضمن له “تقاعدا” شريفا كريما، للرئيس والمجموعة الحاكمة حاليا، وضمانات بعدم تسليمه الى اي جهة خارجية.
الشعب السوداني الشقيق الذي حافظ أربعة اشهر على سلمية احتجاجاته يستحق من الرئيس البشير وحزب المؤتمر الكثير من التقدير والاحترام والتجاوب مع مطالبه المشروعة، و”العناد” والتمسك بالسلطة، واستخدام القوات المسلحة والمظاهرات المضادة قد يؤدي الى كارثة لكل السودانيين حكاما ومحتجين، فهل سيستمع الرئيس البشير لأصوات العقل والحكم.. هذا ما نأمله.
“راي اليوم”