قراءة تحليلية لبيان مجلس الأمن بشأن اليمن.. اعادة صياغة البيان 2216 وانهاء الدور السعودي.
إب نيوز 26 إبريل
على أن الصيغة الرسمية المترجمة إلى العربية لبيان مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن الصادر ليل الإثنين 25 ابريل 2016 لم تصدر بعد، إلا أن الصيغة التي تناقلتها وسائل الإعلام حملت توجهات أممية لم ترق إلى قوة القرار من الناحية القانونية لكنها حظيت بإجماع وعكست توجهات جديدة في التعاطي الدولي مع الأزمة اليمنية اعادت صياغة أولويات الأزمة وحلولها.
ابرز هذه التوجهات تتلخص في دعوة مجلس الأمن جميع الاطراف بما فيها تحالف العدوان السعودي إلى تثبيت وقف النار ليس فقط خطوة اجرائية لضمان مسار طبيعي للحوار السياسي في الكويت بل ولوضع نهاية للحرب التي يشنها تحالف العدوان السعودي وانهاء دوامة الصراع الداخلي.
يضاف إلى ذلك أن البيان الأممي غير الملزم من الناحية القانونية نقل ملف الأزمة اليمنية من الخارج إلى الداخل بسماحه وضع صيغة اخرى ربما بديلة للقرار الأممي 2216 تنهي اللبس الحاصل في القرار، وتكليفه الأمين العام للأمم المتحدة وضع خطة يقدمها إلى المجلس في غضون 30 يوما يحدد فيها الكيفية التي يمكن من خلالها وضع نهاية شاملة للصراع وفق ما جاء في البند الخامس من البيان بما في ذلك الخطوات المتعلقة بانسحاب المليشيات وتسليم الأسلحة ومؤسسات الدولة من سائر الاطراف واستئناف العملية السياسي.
ورغم أن الخطوة الأممية جاءت بصيغة بيان وليس قرار، إلا أن ذلك لا يقلل من شأنها خصوصا وأن البيان حظي باجماع لم يحظ به القرار الأممي 2216، كما جاء ببنود دقيقة واضحة، استوعبت اختلالات القرار الأممي 2216 ووضعت حدا للجدل الذي أثير حوله وخصوصا في الجانب المتعلق بعشوائية ترتيب فقراته وهي نقطة الضعف الكبيرة التي جعلته موضع تفسيرات متضاربة ناهيك بانها جعلت القرار غير قابل للتطبيق من الناحية العملية.
واستنادا إلى مضمون البيان الرئاسي الأممي فقد تقلصت إلى حد كير فرص النظام السعودي في استمرار عدوانه المسلح على اليمن كما تقلصت بالمقابل فرصه لإشعال حروب داخلية مع تشكل موقف أممي واسع النطاق مناهض للخيار العسكري عبر عنه البيان الأممي الذي نص بوضوح على وضع نهاية للعدوان السعودي بدعوته تثبيت وقف النار والانخراط في مباحثات الحل السياسي الجارية في الكويت برعاية أممية من دون شروط مسبقة وبنيات حسنة.
المعطى الجديد الذي قدمه البيان الأممي الاخير هو دعوته الأطراف اليمنيين الى تطوير خارطة طريق لتنفيذ النقاط الخمس الواردة في القرار الأممي ٢٢١٦، والتي قدمها المبعثوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ اساسا لمفاوضات الكويت، وهو هنا حدد الأطراف اليمنيين لقطع الطريق نهائيا إلى أي طرف خارجي أو املاءات يعتقد أنها ساهمت إلى حد كبير في عرقلة سير مفاوضات الحل السياسي خلال الفترة الماضية.
وعلى أن البيان الأممي استخدم لغة ديبلوماسية قانونية فيما سماه “تطوير خارطة طريق لتنفيذ النقاط الخمس” فهي تعني بلغة أخرى اعادة صياغة البنود الخمس الواردة في القرار الأممي سواء في جانب الترتيب أو في جانب الخطوات الاجرائية المساعدة، والأهم من ذلك أن البيان الأممي اوكل هذه المهمة بوضوح إلى الأطراف اليمنيين فقط بما يعني سحبه البساط عن أي طرف خارجي بعدما كانت صيغة البيان الأممي السابق أوكلت هذه المهمة إلى اطراف خارجية.
وهذه الجزئية تعتبر مهمة للغاية إذا ما عرفنا أنها كانت سببا في وضع عراقيل كثيرة خلال جولات التفاوض السابقة بسبب اصرار الطرف الخارجي (السعودية) على تطبيق النقاط حرفيا ووقف الترتيب الذي حدده البيان الأممي 2216 والنقاط الخمس للمبعوث الأممي.
شرعية دولية للجان الميدانية
اضفى البيان الأممي شرعية دولية على أعمال لجان التهدئة ومراقبة وقف اطلاق النار الميدانية وهي خطوة من شأنها أن تمنح هذه اللجان قوة قانونية تتجاوز التزاماتها تجاه اطراف الصراع الموالية لها، كما دعا الأطراف (الداخلية والخارجية) إلى العمل مع لجنة التهدئة والتنسيق لحل أي تقارير عن انتهاكات لوقف الأعمال العدائية.
البيان اطلق توصيفا جديدا على الاجراءات المنصوص عليها في البيان الأممي 2216 والتي حددها اسماعيل ولد الشيخ اساسا لمفاوضات الكويت بما غرف بـ “النقاط الخمس” بان سماها ” تدابير أمنية مؤقتة” وهي تشمل بحسب البيان ” الانسحابات، وتسليم الأسلحة الثقيلة، واستعادة مؤسسات الدولة” وخول جميع الاطراف اليمنيين بلا استثناء وضع خارطة طريق لتنفيذها، ما يعني أنها لم تعد التزامات مطلوبة التنفيذ من جانب انصار الله وحزب المؤتمر وهي نقطة مهمة للغاية من شأنها أن تسهل أطلاق عملية التفاوض بانسيابية وفي أطار من الثقة.
طلب البيان الأممي في البند السابع من الاطراف التزامات بتضمين الآليات الأمنية الواردة في القرارين 2216 و2015 تشكيل “لجان امنية” للأشراف على انسحاب الميليشيات والجماعات المسلحة واجراء تسليم منظم للأسلحة الثقيلة والمتوسطة لتبقى تحت سيطرة الدولة، وهي هنا تشمل المليشيات والأسلحة الثقيلة من جميع الأطراف وليس من طرف انصار الله فقط.
وقياسا بالخطوات التي باشرتها الرياض والامارات في صناعة انتصارات اعلامية وهمية لتنظيم القاعدة حاولت فيها استباق البيان الأممي فقد تجاهل البيان الأممي مزاعم العملية العسكرية التي اعلنها تحالف العدوان السعودي ضد مسلحي داعش والقاعدة في حضرموت يومي الأحد والاثنين
وعبر في البند التاسع من البيان عن “قلقه الشديد إزاء الهجمات الإرهابية المكثفة لتنظيمي القاعدة وداعش، وحيد الدور السعودي الإماراتي في هذا الملف بأن القى بالمسؤولية على الأطراف اليمنين وحضهم على” تجنب إحداث اي فراغ أمني يمكن استغلاله من قبل الإرهابيين أو غيرهم من الجماعات العنيفة”.
كما اكد البيان الأممي على أن “التوصل إلى حل سياسي أمر ضروري للتمكن من مواجهة خطر الارهاب في اليمن بطريقة دائمة وشاملة”.
منح البيان الأممي كذلك مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة دعما اضافيا بدعوته الأطراف إلى الإلتزام تجاه الجهود التي يقودها ولد الشيخ دعما لعملية انتقالية بقيادة يمنية، كما قلل فرص الترتيبات التي باشرتها قوى الحراك الجنوبي بمساندة إماراتية لفك الإرتباط بان أكد التزامه القوي بوحدة وسيادة واستقلال اليمن ووحدته الترابية.
حدد البند الثاني من البيان مرجعيات للتفاوض الجاري في الكويت حددها بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة اساسا للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة، كما رحب باثر رجعي بالخطة الأممية لإعلان وقف النار التي بدأت في الــ 10 من ابريل الجاري كما رحب بانطلاق محادثات الحل السياسي في الكويت وشدد على اهمية أن تصل الأطراف اليمنية إلى اتفاق على إطار من المبادئ والآليات والعمليات وصولا لإبرام اتفاق شامل يضع نهاية دائمة للصراع.
الشرعية للتوافق
لم يحسم البيان الأممي مطالب الوفد الوطني المطالب بتشكيل حكومة تتولى مهمات ما بعد التسوية غير أن البندين الـــ 10 والــ 11 حملا تأكيدات بأهمية أن يكون التوافق عنصرا حاكما في استعادة سيطرة الحكومة على جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك احترام المستويات القيادية في مؤسسات الدولة القائمة شرعيا وإزالة أي عوائق تحول دون حسن سير مؤسسات الدولة. وإجراء التغييرات لضمان الشمولية في المؤسسات السياسية، كما شددا على ضرورة التوافق على دستور جديد وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، تنطوي على المشاركة الكاملة.
قدم البيان هذه المرة ارضية مشتركة أزالت إلى حد كبير الغموض والارباك الذي أحدثه نص البيان الأممي 2216، بعدما اخضع لتفسيرات اتاحت للنظام السعودي شن عدوان عسكري مسلح على اليمن وفرض الحصار، بذرائع اعادة الحكومة الشرعية وانهاء الانقلاب.
وقياسا ببيانات سابقة رهنت الحل السياسي اليمني بما يسمى الحكومة الشرعية قدم البيان الأممي الاخير رؤية مؤيدة دوليا تعترف بشرعية التوافق بين جميع الأطراف اليمنيين في الداخل والخارج.