عطوان : ما هي قصة الاشتباكات الروسية الإيرانية في دير الزور وحلب؟
عبدالباري عطوان
ما هي قصة الاشتباكات الروسية الإيرانية في دير الزور وحلب؟ ولماذا لم يكن النفي السوري الرسمي غير مقنع بالشكل الكافي؟ وهل هناك نار خلف هذا الدخان؟ وأين يكمن العامل الإسرائيلي في هذا المشهد؟
أن يصدر بيان عن المتحدث العسكري السورية “ينفي نفيا” قاطعا ما تناقلته بعض المواقع والصحف عن حدوث اشتباكات مسلحة بين القوات الروسية ونظيرتها في الحرس الثوري الإيراني في منطقة حلب ودير الزور، فهذا أمر متوقع وغير مفاجئ، لان القيادة السورية تريد التقليل من أهمية أي صدامات بين قوات تابعة لحليفيها الإيراني والروسي، بل ونفيها، ولكن هذا لا يعني عدم وجود توتر حقيقي بين الجانبين نتيجة حدوث “تغيير متزايد” في الموقف الروسي يأخذ طابعا “إيجابيا” تجاه إسرائيل، والتقارير الإخبارية تتزايد عن وجود تنسيق روسي إسرائيلي مسبق يكمن خلف الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية داخل سوريا، وإن هذه الغارات العدوانية تحظى بـ”مباركة روسية” على أعلى المستويات.
وكالة أنباء الأناضول التركية هي الوحيدة التي تحدثت عن هذه الاشتباكات، وهي وكالة صديقه لروسيا وإيران معا، وقالت أن الأولى وقعت في دير الزور عندما أوقف حاجزا للحرس الثوري الإيراني ركبا عسكريا للشرطة الروسية في مدينة “الميادين” في ريف المحافظة، نجم عنه تلاسن تحول إلى اشتباكات ادت إلى مقتل عنصر من الحرس الثوري الايراني وإصابة أربعة جنود روس، أما الحادثة الثانية حسب الوكالة، فكان مسرحها مطار حلب بعد مطالبة القوات الروسية لقوات الحرس الثوري الإيراني بإخلاء المطار.
***
لا نعتقد أن هذه الأنباء حول هذه الاشتباكات والتلاسنات بين الجانبين بلا دخان، فصمت القيادة الروسية، بشقيها السياسي والعسكري، على الغارات الإسرائيلية المتواصلة على اهداف إيرانية وسورية في العمق السوري أثار العديد من علامات الاستفهام، وأعطى ايحاءات بأن روسيا تبارك هذه الغارات لأنها “غير راضية” عن التواجد الإيراني على الاراضي السورية لاعتبارات روسية اسرائيلية مشتركة.
القيادة الروسية أعلنت رسميا عن تسليم الجيش العربي السوري منظومة صواريخ ”اس 300″ في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ولكنها لم تسمح باستخدامها مطلقا للتصدي الغارات الإسرائيلية التي تزايدت في الفترة الأخيرة، وهناك تقارير إخبارية “غير مؤكدة” تفيد بأن روسيا نصحت بعدم الرد على هذه الغارات في العمق الإسرائيلي.
الشكوك تصاعدت حول الموقف الروسي بعد اقدام وحدة من الجيش الروسي بالدخول إلى مخيم اليرموك قرب دمشق، ونبش قبور في مقبرة الشهداء، وإخراج رفات جنود إسرائيليين قتلوا في لبنان، واقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حفلا لتسليم هذه الرفات إلى ضيفه بنيامين نتنياهو قبل يومين من الانتخابات الإسرائيلية، وأربعة أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأييده لضم مرتفعات الجولان السورية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة فسرها الكثيرون، ونحن بينهم، أنها رسالة دعم لحملته الانتخابية وتأييد لسياساته التوسعية العنصرية ضد العرب والمسلمين.
هذه “الهدية” الروسية لنتنياهو التي اعقبها غارة اسرائيلية على سوريا، أثارت حالة من خيبة الأمل مصحوبة بالغضب في أوساط أصدقاء موسكو العرب الذين اعتبروها اهانة واستفزازا لمشاعرهم، ولكن هذا لا يعني عدم تقديرهم في الوقت نفسه للدور الروسي الحاسم في إحباط المؤامرة التي كانت تستهدف تفكيك الوحدة الترابية السورية، وتغيير النظام، وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، فالجمع بين صداقة نتنياهو والحلفاء العرب والإيرانيين مثل محاولة خلطة الزيت والماء في زجاجة واحدة.
ما زاد من خيبة الأمل العربية هذه كشف صحيفة إسرائيلية كبرى عن عثور القوات الروسية على رفات الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين، وإنها على وشك تسليمها إلى حكومة نتنياهو في احتفال آخر في الكرملين.
صحيح أن السلطات الروسية سارعت بنفي هذه الأنباء، ولكن هذا النفي لم يمحو الآثار السلبية لهدية رفات الجندي الإسرائيلي القتيل المجانية في أوساط السوريين وحلفاء موسكو في العالمين العربي والإسلامي، وطرحت سؤالا مهما وهو عن هذه المبالغة الروسية بنتنياهو وتحول قواتها الى مهمات لا تتناسب مع قيمتها وقدرها ومكانتها، أي نبش القبور.