فجّ عطّان..هيروشيما اليمن !!
إب نيوز ٣٠ ابريل
د. أسماء الشهاري
لقد دُكَّ الجبل وتزلزلت الأرض واهتزت و سُمِعَ صوت رهيب مخيف كأنّه نُفِخَ في الصور تصدعت منه الأرض وكادت تنشق من هوله السماء، ولقد ذهلت كل مرضعةٍ عمَّا أرضعت، و وضَعت كُلُّ ذاتِ حملٍ حملها، و كأنَّ الناس سُكارى وما هُم بِسكارى ولكنها كانت مأساةَ يومٍ عظيم أشبه بيوم قيام الساعة ،
يوم.. كأنّما الكواكب انتثرت والسماء انفطرت والجحيم سُعِرّت!!
نعم إنه يوم الفاجعة الكبرى والمأساة الكارثية التي حلت بصنعاء منطقة فجّ عطان يوم الإثنين الموافق 20/إبريل/2015 في الساعة 10:43صباحا من اليوم الخامس والعشرين من الحرب السعودية على اليمن..
هذه الكارثة التي حُفِّرت في أذهان اليمنيين ومخيلتهم ولن تُفارِقَهُم حتى موتهم و سَتُحفر وستخلُد في ذاكرة الأجيال من بعدهم..
إنَّ الحديث عن تلك الفاجعة لن يكفيها مقال ولا مقالات..ولكن من باب التقريب لتلك الطآمّة التي تعجز الأقلام عن الإحاطة بمنتهى بشاعتها و وحشيتها، فكل جزئية فيها تحتاج بل وتستحق الوقوف عندها و النحيب على أطلالها التي لم تنتهي آثارها و نتائجها الكارثية بعد ولن تنتهي حتى على المدى الطويل..
في صباح ذلك اليوم المأساوي وبينما الناس في أعمالهم وأشغالهم الحياتية بمختلف أعمارهم وأجناسهم يُفاجئون بهولٍ عظيم و بطآمّة لم يقدر حتى الجبل على تحمُلها بل تحطم جزء كبير منه واندثر فكيف يتحمله البشر؟!
من أين وكيف لي أن ابتدأ الحديث يا جرح صنعاء وهيروشيما اليمن؟
إنَّ مآساة فجّ عطان تعد مثالاً نموذجياً لحقيقة العدوان و وحشيته وآثاره الكارثية على المستوى البشري والمادي والبيئي في كل محافظة ومنطقة من مناطق اليمن و بالأخص صعدة الجريحة المنكوبة..
كم هناك من جراحات وآلام لا يمكن وصفها تظل مختبئة خلف أرقام التقارير و وراء الأخبار المقتضبة، تلك الآهات التي تجاهلها ضمير العالم وغضّ الطرف عنها إنسانه الحر..
كانت بداية هذه الفاجعة عندما شهد سكان العاصمة اليمنية صنعاء هزة أرضية كانت ناتجة عن سلاح محرم دولياً حيث لم يقتصر الأثر الزلزالي المدمر لهذا السلاح الذي بلغ 4 درجات بمقياس رختر على مركز الضربة( فجّ عطان وأحياء حدة السكنية)لكنه امتد ليزلزل صنعاء بكلها!! و يهزها من أقصاها إلى أقصاها..
ذلك الزلزال كان ناتج عن انفجار هائل عنيف وشديد التدمير وصلت نيرانه و حممه البركانية إلى عنان السماء وسدت الأفق وغطت سحبه السوداء الكثيفة كل المنطقة وأحالت النهار إلى ليل وكأنّها ظلمات بعضها فوق بعض، و التي تم مشاهدتها على مسافات بعيدة جداً من مكان الضربة، حيث أزال هذا الإنفجار جزء كبير من الجبل وتحول هذا الجزء إلى آلاف من القطع الصخرية مختلفة الأحجام والتي تطايرت كقذائف قاتلة ومُدمِّرة إلى جانب شظايا القنبلة الفراغية والتي كانت تحوي بداخلها أنواع أخرى مختلفة من القنابل الصغيرة تطايرت هي الأخرى وملأت المنطقة، حيث وأنَّ هذه القنابل مختلفة الأشكال منها ما ينفجّر ومنها ما تحتاج إلى تحديد نوعها..
إنَّ من نجا من سكان المناطق القريبة لتلك الحادثة الرهيبة ربما كان قد أصابته غيبوبة الفزع الأكبر وأذهلته وأصمت آذانه عن تذكر تفاصيلها الكارثية، وربما وجد نفسه إلى جانب المئات من الجرحى قد فقد أجزاء من جسده أو أجريت له عملية لإستئصال بعض من أعضائه الممزقة أو المحترقة بحمم حقد ذلك الجحيم!!
إننا عندما نستمع إلى تصريحات وشهادات و تقارير من زاروا مكان الحادثة عقبها مباشرةً وعندما نشاهد صور ذلك الإنفجار وما تسبب به من زلزال وما تبعه من صوت ونرى تلك الكتلة النارية والدخان الكثيف الأسود نستطيع أن نستنتج حقيقة المآساة التي خلفتها الكارثة،
كأنَّك ترى مئات ومئات النازحين من تلك المنطقة ومحيطها يفرون فزعين وفي حالة يرثى لها كأنَّهم يفرون من يوم الفزع الأكبر!!
إنَّ من وصل إلى تلك المنطقة بعد الحادثة مباشرة أصيب بحالة من الذعر والذهول فالدمار يحيط به من كل مكان ويملأ أركان نفسه وأشلاء البيوت المدمرة وأشلاء الضحايا والذين تقشعر الأبدان لمنظرهم وما أصابهم..
وشظايا القنبلة وأخواتها والصخور المتناثرة هنا وهناك مع مناظر الدمار والدماء .. كلها تحتبس لها الأنفاس وتقشعر منها الأبدان و يظل منظرها يطارد من رآها مهما طال الوقت به..
لقد وصل عدد القتلى إلى أكثر من 84 ناهيك عن الكثير من المفقودين لم يتم العثور عليهم أو الوصول إليهم، والجرحى إلى أكثر من 800 جريح توزعوا على كل مستشفيات العاصمة تقريباً جلهم حالات خطيرة جداً ومأساوية فمنهم من بترت أجزائه ومنهم من أصيب بحروق وشظايا تملأ أعضائه وجسده في ظل إمكانيات شحيحة ناتجة عن الحصار الذي فاقم المصيبة..
أما البيوت المدمرة فقد وصلت لأكثر من 700 بيت مدمر، ومنها من تدمر تدميراً كاملاً وهي البيوت القريبة من منطقة الضربة، وقد وصل تحطم زجاج المباني لأماكن بعيدة جداً من مكان الضربة كما وصلت الشظايا أيضاً إلى مناطق بعيدة جداً كمنطقة التحرير..
ترى أي سلاح خبيث هذا الذي يستطيع أن يخلف كل هذا الدمار!؟
إضافةً إلى هذا الدمار لم تسلم قرية فج عطان التاريخية حيث أصيبت بأضرار بالغة كتلك التي أصابت الكثير إن لم يكن كل المعالم التاريخية اليمنية وكأنّها حرب على التاريخ!!
إنَّ التاريخ تتهاوى معالمة أمام حقد من لا تاريخ له ولا حضارة، والإنسان يتحول إلى أشلاء متطايرة على يد من خلت قلوبهم من الإنسانية..
إنَّ هذه الجرائم و أنّات الضحايا وجراحات المظلومين المكلومين تحتم علينا ملاحقة مرتكبيها في المحاكم الدولية، إلى جانب عمل دراسات لمعرفة ما هي آثار تلك الأسلحة المحرمة دولياً على البيئة و معرفة نتائجها الكارثية على المدى الطويل وعمل تحاليل كيميائية لبقايا المواد التفجيرية..
لقد حاولت في هذا المقال تقريب المآساة و حقيقتها ومدى قبحها و وحشيتها..
إنَّ كل من قتل ظلما بحمم ذلك الحقد الأسود أو طُمِر تحت الركام وكل من أصبحت لديه إعاقة دائمة وفقد ساقه أو كبده ومن فقد أمانه النفسي وخاصةً الأطفال يرسم لنا صورة عن حقيقة هذا العدوان..
حيث وهناك العديد من تلك الأسر غير التي دفنت بأكملها أو صهرت مع منازلها لم يعد لديها مأوى أو معيل أو فقدت أحد أفرادها صغيرا كان أم كبير، أو أصبح أحد أفرادها يعاني من إعاقة دائمة جسدية كانت أم نفسية،
وختاماً أقول إنَّ هذه الجريمة لن ننساها و سنظل نذكرها و ةنطالب بالثأر من مرتكبيها مهما طال الوقت بنا ولو كان على مدى الأجيال .
20#_إبريل_الذكرى_السنوية_لجريمة_فج_عطان.