عطوان : ترامب يتطاول للمرة الرابعة على السعودية و”يعاير” عاهلها بالحماية الإمريكية..
إب نيوز ٣٠ ابريل
عبد الباري عطوان :
ترامب يتطاول للمرة الرابعة على السعودية و”يعاير” عاهلها بالحماية الامريكية.. كيف يمكن وقف هذا الابتزاز؟ ولماذا يتكرر الصمت عليه؟ وهل تستطيع السعودية الاستغناء عن هذه الحماية؟ ولماذا بدأت تعطي نتائج عكسية؟ وما هي خريطة الطريق المقترحة لفك الارتباط؟
للمرة الرابعة، يتطاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبطريقة ابتزازية، على المملكة العربية السعودية وعاهلها، وللمرة الرابعة أيضا لم يصدر أي رد قوي قاطع على هذا التطاول، الامر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام، خاصة ان المملكة تملك اكبر الجيوش الالكترونية في العالم بأسره، ناهيك عن كثرة المتحدثين باسمها في الداخل والخارج.
في خطاب القاه امام أنصاره في ولاية وينسكونسن، كرر الرئيس ترامب تعاطيه البذيء بحلفائه السعوديين بطريقة فجة، ومهينة، عندما قال “اتصلت بالملك سلمان، وانا معجب به، وقلت أيها الملك نحن نخسر أموال كثيرة، لا نريد ان نخسركم ونخسر اموالكم.. اشتريتم منا الكثير.. اشتريتم منا ما قيمته 450 مليار دولار.. نحن ندعم استقراركم.. ادفعوا لنحميكم”.
قبل ذلك وفي خطابات مماثلة، كرر الرئيس ترامب اللغة التهكمية نفسها، و”عاير” الحكام الخليجيين ومن ضمنهم حكام الرياض بأنه لولا الحماية الامريكية لخسروا طائراتهم الخاصة، وسافروا على الدرجة السياحية، والتهمتهم ايران في اقل من 12 دقيقة، ولاصبحت المنطقة تتحدث الفارسية.
*
الصمت إزاء هذه البذاءات هو احد الأسباب التي تدفع الرئيس الأمريكي على تكرارها بين الحين والآخر، بمناسبة ودون مناسبة، وزيادة حدة جرعة السخرية فيها لإضحاك الحضور، وتسليتهم، وهذا امر غير مقبول ويجب وضع حدا له، وبغض النظر عن الموقف من المملكة وسياساتها رفضا او مباركة.
السعودية من المفترض ان تكون الحليف الاوثق للولايات المتحدة الامريكية، وترتبط معها بمعاهدة واتفاقات دفاعية وتجارية مكتوبة يلتزم بها البيت الأبيض، وبغض النظر عن ساكنه، منذ لقاء الملك عبد العزيز بن سعود والرئيس وروزفلت على ظهر الفرقاطة الامريكية “يو أس أس كوينسي (CA-71)”، في البحر الأحمر عام 1945، وامريكا لا تقدم هذه الحماية مجانا، وتقبض ثمنها نقدا، ومقابل توفير الحماية للمصالح الاستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط وبعض مناطق العالم الإسلامي، ودورها، أي السعودية، في دعم الجهاد الافغاني، ومحاربة الشيوعية لمصلحة أمريكا بات معروفا ولا نحتاج الى تكراره.
نذهب الى ما هو ابعد من ذلك، ونعود الى تصريحات ادلى بها الرئيس ترامب نفسه، وأشاد فبها بدور المملكة في حماية إسرائيل ومشروعها في المنطقة، وصفقة القرن، وتأسيس حلف الناتو العربي السني، استعدادا لمواجهة ايران.
لا نعرف الأسباب الحقيقية التي تدفع بالرئيس الأمريكي “لتحقير” حلفائه السعوديين بهذه الطريقة، خاصة ان تصريحاته الأخيرة المهينة تأتي في وقت هو بحاجة ماسة الى المملكة لقرب تطبيقه الدفعة الثانية من العقوبات على ايران، وعنوانها الأبرز صفر صادرات نفطية، وما يمكن ان يسفر عن هذه الخطوة من توترات يمكن ان يكون اندلاع الحرب في المنطقة من ابرزها.
ترامب يحتاج الى رد قوي يضع حدا لتطاوله المهين هذا، ولقم فمه بالمليارات على امل اغلاقه لم ينجح في اسكاته بل ادى الى المزيد من الاهانات والبذاءات.
ندرك جيدا ان أمريكا قوية، مثلما ندرك أيضا ان ترامب يتصرف مثل الثور الهائج، ولكن هذا لا يعني الصمت على بذاءاته واهاناته، ولكن يبدو ان هناك في المملكة من يعتقد بغير ذلك للأسف.
نقطة ضعف المملكة في تقديرنا انها بالغت كثيرا في تحالفها مع واشنطن على حساب القضايا العربية الرئيسية، وخضعت لكل الاملاءات الامريكية بالتالي، وأصبحت “حيطة واطية” للرؤساء الأمريكيين، يمارسون كل أنواع الابتزاز لها بحجة عدم قدرتها على حماية نفسها، وتمادوا كثيرا في هذا الابتزاز والخروج عن كل مدونات السلوك المتبعة بين الحلفاء.
اليوم أمريكا وقادتها يتطاولون على المملكة، وغدا سيأتي دور الإسرائيليين الذين يعتقد البعض فيها، أي المملكة، انها يمكن ان تكون حامية لهم في مواجهة الخطر الإيراني الذي يمثل الخطر الأول، وليس إسرائيل، على وجودهم، ولن نستغرب ان من يضم الجولان اليوم، وقبلها القدس، سيطالب بالمدينة المنورة ومكة المكرمة باعتبارهما أملاك يهودية، فالحديث يتزايد هذه الأيام عن إقامة إسرائيل التوراتية من النيل الى الفرات وما بينهما في ظل حالة الهوان العربي الحالية.
*
السياسات التي اتبعتها القيادة السعودية طوال السنوات الماضية، بوضع كل بيضهم في السلة الامريكية، يجب ان تتغير، فالمملكة يمكن ان تقوى وتحافظ على امنها واستقرارها بدون الحماية الامريكية، مثلما تفعل دول عديدة في المنطقة اختارت المعسكر الآخر وحافظت على امنها واستقرارها، وتصدت للكثير من المؤامرات الامريكية واحبطتها، وها هي سورية تتعافى، وها هو العراق يستعيد كل أسباب القوة تدريجيا ومكانته في المنطقة بالتالي، وها هي ايران تصمد لأكثر من 40 عاما تحت الحصار وتتحول الى دولة إقليمية عظمى مدعومة بترسانة أسلحة متطورة، وبرنامج نووي طموح.. والقائمة طويلة.
الرد الأقوى على ترامب يجب ان يكون باعتقادنا بتوجيه البوصلة السعودية الى القدس المحتلة، والمصالحة مع دول الجوار، وتعزيز الجبهة الداخلية بالديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ووقف الحرب فورا في اليمن، وتطوير صناعة عسكرية متطورة وبناء اقتصاد قوي متنوع، وفق استراتيجية مدروسة بإحكام، اما الصمت فلن يقود الا الى مزيد من التطاول والاحتقار والبذاءات، من ترامب او غيره.
الحماية الامريكية سترتد سلبا على المملكة وستعطي نتائج عكسية، وربما تؤدي الى دمارها، خاصة اذا ما اشتعل فتيل المواجهة العسكرية “المحتملة” و”الوشيكة” بين ايران وامريكا، بتحريض ولأهداف إسرائيلية بحته، لا ناقة للسعوديين والعرب عموما فيها ولا جمل.
الملك فيصل بن عبد العزيز قال لهنري كيسنجر ان المملكة مستعدة للعودة الى الماضي، والعيش على التمر واللبن وركوب الابل حفاظا على كرامتها، وذلك كرد على ابتزاز وزير الخارجية الصهيوني اثناء قرار المملكة الوقوف في خندق الشرف والكرامة، وحظر النفط اثناء حرب رمضان أكتوبر عام 1973.
رحم الله الملك فيصل، ورحم تلك الأيام الذي يبدو انها لن تتكرر في زماننا على الأقل.. والله اعلم.