لو كنت سعودياً.. هذا ما سأشعر به بعد مقابلة بن سلمان!
إب نيوز 27 إبريل
يقول لي أحد الأصدقاء السعوديين، خلت الشوارع من المارّة، تشعر وكأنك في حظر تجول، الناس في بلادي كأنما على رؤوسهم الطير، فالكل هنا على موعد مع مقابلة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي سيعلن فيها عن “التحول الوطني” رؤية البلاد٢٠٣٠ على قناة “العربية”، ويضيف الصديق “الناس هنا تشعر بالضيق والملل، وحان الوقت للتغيير والتقدم من خلال قيادة شابة”.
بالطبع، وكأحد الصحفيين “العرب” العاملين في الإعلام السعودي المكتوب سابقاً، تخيّلت كيف هو حال الصحف المحلية، وهي تستعد عبر أبرز كتابها ومحرريها لتغطية الحدث الأبرز، وتفرد له أعمدة صفحاتها الأولى، وهي بالفعل كما رصدت بنفسي صحفها الصادرة اليوم صباحاً، استعانت بكل كلمات اللغة العربية المنمّقة، للتعبير عن فرحها، وابتهاجها بذلك الإنجاز الدي سيدخل بلاد الحرمين إلى حقبة “ما بعد النفط”، ولا بد أن الأمير اختار الساعة الثانية ظهراً كموعد لبث مقابلته أمس الإثنين، حتى تستطيع صحف بلاده الورقية الصادرة الثلاثاء، اللحاق بتصريحاته، ضمن منظومة إعلامية كاملة، أُريد لها أن تكون من ضمن بوتقة “المهللين” لذلك الإنجاز “التاريخي”.
حول المقابلة، فليسمح لنا الأشقاء في السعودية، سنضع أنفسنا مكانهم، وسنمنح لذاتنا الجنسية السعودية لدقائق، مع الاستمرار في اعتزازنا ببلادنا فلسطين، ما تحدث به ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد كان “وردياً” لدرجة الانبهار، مشاريع تنموية، وصناديق استثمارية، واهتمام في “رفاهية” المواطن لدرجة التطرق لأموره الترفيهية والثقافية، دعم الأسر الفقيرة، القضاء على البطالة، محاربة الفاسدين، حتى الأغنياء سيطبّق عليهم ما يطبّق على الفقراء، إنه عهد “أفلاطوني” بامتياز، لكن كمواطن سعودي “متوسط” الحال لا يشغله سوى قوت يومه، سأشعر أن كل “الأحلام الوردية” التي تحدث عنها الأمير الشاب هي أحلام مؤجلة، لن يتم تطبيقها الفعلي التام (إذا تم) إلا خلال خمس وعشر سنوات من الآن، المقابلة التي تابعناها بالكامل خلت من أي قرار “تاريخي” سريع التنفيذ، يمكن له أن يدخل البهجة إلى قلوب المواطنين، ولو عقدنا مقارنة سريعة مع حزمة الإصلاحات التي أدخلها الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال ثورات الربيع العربي، لوجدنا أن كل قراراته كانت تتمحور حول الدعم المالي، وصرف الرواتب، يعني كما يقول السعوديون في لهجتهم المحلية “نغنغة ودلع″ مادي، كان انعدامه أحد العوامل الأساسية في اندلاع الثورات بالدول المحيطة بالمملكة، وحينها قيل أن الأخيرة يمكن لها أن تبتلع السخط والامتعاض الشعبي بأموالها، صحيح أن المواطن سيكون فَرح بقدرة بلاده على الاستمرار بلا نفط، بحسب رؤية الأمير المستقبلية، لكن يبدو أن رفاهية جيوبه ستكون المتضرر الوحيد!
المقابلة التي أدارها الإعلامي تركي الدخيل، كانت أشبه بتلك المقابلات التي تبث على شاشات التلفزة المحلية الرسمية العربية على اختلافها، حيث يتم فيها “تقديس″ المسؤول، وتعلو درجة تقديسه كلما علا منصبه، ونحن هنا نتحدث عن ولي ولي عهد السعودية، وولي نعمة الإعلامي الدخيل الذي يعمل في قناة يملكها الأمير الشاب محمد، ونقول هذا لأن بين كل كلمة وأخرى كان يسارع المحاور الدخيل إلى تكرار لقب ضيفه بالكامل، وكأن المشاهد لم يعلم إلى الآن أن الذي أمامه هو “سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية”، كما أن الزميل الدخيل لم يطرح أسئلة “صاروخية” من النوع الثقيل، تلك التي يمتاز بها (الدخيل) خلال حواراته، و”يحشر” بها ضيوفه، وذلك لأسباب معروفة تجنّبه إحراج نفسه قبل إحراج “أميره”!
وبعيداً عن “القداسة”، ووضع الجنسية السعودية جانباً، والعودة إلى أصول أجدادنا المتجذرة، لو كنت محاور الأمير الشاب، وبالتأكيد على غير شاشة “العربية”، لناقشته حين قال أن الرؤية السعودية ٢٠٣٠ لم تأت لأن أسعار النفط في هبوط، وإنما هي رؤية موضوعة للتطبيق في كل الأحوال للاستغناء عن النفط، سأختلف هنا مع الأمير، لأن بلاده وهو أعلم منا بشعابها تتعامل لحظة بلحظة مع الظروف المُستجدة، ولا يعتمد عقلها السياسي كان أو الاقتصادي على الخطط الخمسية والعشرية خاصة مع القيادة الجديدة، والدليل أن السعودية تدخلت في سورية فجأة، وحزمت فوق رؤوس اليمنيين فجأة، وتذكرت أنها ستبقى بلا ثروة نفطية فجأة، وعليها رسمت “تحولها الوطني” فجأة، وهو تحولٌ نتاج تفكير لحظي، كان التفكير فيه خلال السنوات الماضية أولى، ومقنعاً ربما بأنكم يا سمو الأمير لم تفكروا فيه فقط حالياً، مقارنة بالدول النفطية التي أصبح اعتمادها الأساسي عليه أمراً من الماضي.
لعلّ تركي الدخيل نسي أو تناسى سؤال الأمير محمد عن سجناء الرأي والمعتقلين، الذين يغيّبون في سجون السعودية بسبب تغريدة، أو رأي مخالف مغاير، أو حتى مجرد انتقاد بسيط، خاصة أن ولي ولي العهد تحدث عن الشفافية التي سيتبعها، والشفافية بالتأكيد لا تقتصر على الفاسدين، وإنما لا بد لها أن تتعدى إلى حقوق المعارضين، والمعتقلين، والتحول لا يمكن أن يكون فقط اقتصادياً، وإلا سيختل الميزان الوطني، المرأة حتى هي غابت عن أسئلة الدخيل، ومن كانت تعتقد أنها ستقود من خلال قرار “تاريخي” يُعلن عنه ولي ولي عهد بلادها، لا بد أنه خيّب ظنّها، وشمّت الرجال فيها حيث قالوا لها بكل ثقة “لن تقودي”!
لا بد أن صديقي السعودي “أفرط” قليلاً في التفاؤل، حينما رسم بعض المخيّلات الإيجابية في رأسه عن رؤية بلاده المستقبلية، وتحولها نحو التقدم والازدهار، وحينما حدثته مستفسراً عن حالة حظر التجول التي سبقت “عاصفة الرؤية الحازمة” بعد المقابلة المنتظرة، قال “الناس هنا يكملون حياتهم، ويفكرون في قوت يومهم، ويأملون أن يمنحهم الله عمراً، كي يصلوا بالسلامة إلى العام ٢٠٣٠”، ويضيف “حتى ذلك الحين، كل عام وأنت يا صديقي بخير وسلامة”!
* خالد الجيوسي – رأي اليوم