عطوان :الطائرات “الحوثية” المسيرة نقطة تحول رئيسية في الحرب اليمنية تُسقط نظرية ترامب الحمائية للسعودية ودول الخليج.. كيف؟
إب نيوز ١٦ مايو
عبد الباري عطوان
الطائرات “الحوثية” المسيرة نقطة تحول رئيسية في الحرب اليمنية تُسقط نظرية ترامب الحمائية للسعودية ودول الخليج.. كيف؟ واستراتيجية ايران الجديدة: اضرب حلفاء أمريكا الصغار وتجنب الحرب الشاملة.. فهل تنجح؟ وما الرسالة خلف استهداف ميناء الفجيرة وخط انابيب ينبع؟ اليكم اسبابنا الخمسة
ربما لا تكون الحرب الشاملة بين ايران والولايات المتحدة الامريكية قد اشتعل فتيلها بعد، ولكن هناك حربا موازية وبالإنابة، تتصاعد، وربما تتطور، في الأيام القليلة المقبلة بين حلفاء الطرفين، الا اذا نجحت المفاوضات السرية غير المباشرة، من قبل عدة وسطاء في تجنبها ولنا شكوكنا.
من الواضح ان هناك قرارا استراتيجيا إيرانيا بعدم الدخول في أي صدام عسكري مباشر مع السفن الامريكية التي تزدحم بها مياه الخليج لحرمان الرئيس دونالد ترامب من أي ذريعة لشن حرب كاسحة ضد ايران، وترك هذه المهمة لحلفاء ايران، وخاصة حركة “انصار الله” الحوثية في اليمن، و”الحشد الشعبي” في العراق، وربما “حزب الله” وحركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في لبنان وقطاع غزة لاحقا.
هجومان عكسا هذه الاستراتيجية في الأيام القليلة الماضية: الأول استهدف اربع ناقلات نفط عملاقة قبالة ميناء الفجيرة الاماراتي، ولم يترك منفذيه أي بصمات خلفهم يمكن ان تكشف عن هويتهم او الجهة التي ارسلتهم، ولا توجد أي معلومات حول كيفية وصولهم الى الميناء، وتنفيذ عمليتهم والعودة الى قواعدهم سالمين، والثاني اعلان السيد محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا في حركة “انصار الله” تحمل مسؤولية اطلاق سبع طائرات مسيرة الى العمق السعودي، وقصف منشأتين نفطيتين تتبعان شركة أرامكو، واشعال حريق كبير فيهما، وتعطيل الضخ في خط الانابيب العملاق الذي ينقل 1.6 مليون برميل نفط من آبار المنطقة الشرقية الى ميناء ينبع على البحر الأحمر والذي أقيم أساسا اثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي لتجنب المرور من مضيق هرمز.
***
عدة ملاحظات رئيسية يمكن التوقف عندها من جراء دراسة هذين الحادثين وانعكاساتها على المنطقة، والتحالفات فيها، والقاء بعض الضوء بالتالي على تطورات الأيام والاسابيع المقبلة المحتملة:
أولا: الرسالة التي تريد ايران ايصالها الى الولايات المتحدة انه لن يتم السماح لكل من السعودية والامارات تعويض أي غياب للصادرات الإيرانية من أسواق النفط العالمية نتيجة العقوبات، وان حلفاءها قادرون على منع الصادرات النفطية، ليس عبر مضيق هرمز فقط، وانما عبر البحر الأحمر (خط انابيب ينبع)، او من ميناء الفجيرة على خليج عمان (خط انابيب الامارات) خارج مضيق هرمز، واذا تعذر كل هذا فإن الطائرات المسيرة ستصل الى منابع النفط وليس مضخاته فقط.
ثانيا: هذان الحدثان، اديا الى هز صورة الرئيس ترامب وهيبته، واظهاره بمظهر العاجز عن حماية حلفائه، او غير المهتم بهم حتى الآن، وهو الذي ظل يعايرهم بهذه الحماية في جميع خطاباته الأخيرة، ويتباهى بأن حصوله على 450 مليار دولار لم يكن كافيا ولا بد من المزيد.
ثالثا: ثبت ان كل ما يهم الولايات المتحدة هو أرواح جنودها، ومصالحها الاقتصادية، وهذا ما يفسر ذهاب مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، الى العراق في زيارة مفاجئة لتوفير الحماية لأكثر من 6 آلاف جندي امريكي، والتحذير من أي هجوم انتقامي عليهم من قبل قوات “الحشد الشعبي” العراقية، بمعنى آخر، أمريكا مستعدة ان تخوض حربا ضد ايران اذا تعرض جنودها للخطر، ولكنها ليست مستعدة للقيام بأي عمل عسكري اذا ما تعرض حلفاؤها للخطر نفسه.
رابعا: استخدام الطائرات الملغمة في ضرب اهداف نفطية في العمق السعودي وبنسبة نجاح 100 بالمئة لا يعني ان هذه الطائرات لا يمكن استخدامها لضرب اهداف مدنية حيوية اذا اقتضى الامر مثل المطارات والمناطق الصناعية، ويبدو ان القيادة السعودية التقطت هذه الرسالة، وفهمت معانيها، ولذلك لم يكن الهجوم الانتقامي الذي شنته طائراتها على صنعاء مشابها لهجمات سابقة، رغم انه أدى الى مقتل ستة واصابة 52، فقد كان واضحا ان هناك حرصا على تجنب المدنيين بقدر الإمكان خشية من رد انتقامي واسع النطاق على اهداف مدنية وبشرية، أي ان ميزان ردع يمني حوثي جديد بدأ بفرض نفسه بقوة ويلغي المعادلات القديمة.
خامسا: التصعيد للتوتر في منطقة الخليج نسف استراتيجية ترامب في تخفيض أسعار النفط للحفاظ على النمو الاقتصادي في أمريكا والدول الغربية، فأسعار النفط في ارتفاع مضطرد، واقترب سعر البرميل من حاجز 75 دولارا النفسي (برنت الخفيف)، وهو مستمر في الصعود، ويعلم الله اين سيتوقف.
***
النتيجة التي يمكن التوصل اليها من كل ما تقدم هي ان الولايات المتحدة لا تستطيع توفير الحماية المطلوبة، او المأمولة لحلفائها في الخليج، قبل الحرب فكيف سيكون الحال اثناءها نعم تستطيع منع اجتياح إيراني بري، ولكنها لا تستطيع، رغم كل ما تملكه من تكنولوجيا عسكرية دفاعية متقدمة، التصدي لطائرات مسيرة تستطيع الطيران لأكثر من 1400 كم، وتتجنب كل الرادارات، والمنظومات الدفاعية وتصل الى أهدافها وتصيبها بدقة متناهية، او هذا ما كشفته الغزوة الأخيرة لها في الرياض على الأقل، ونحن لا نتحدث هنا عن الجيل الجديد والمتطور والدقيق للصواريخ الباليستية المتوفرة بأرقام خيالية لدى ايران وحلفائها.
لا نعرف ما يمكن ان تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت صادمة، ولدول الخليج على الأقل، فعندما يقول السيد مرزوق الغانم، رئيس مجلس الامة الكويتي وبعد اجتماع مغلق استمع فيه أعضاء المجلس الى تقييم للوضع من وزراء الحكومة “ان الأوضاع في المنطقة خطيرة وليست مطمئنة وان خطورة المرحلة تحتم وجوب الاستعداد للحرب”، مؤكدا للصحافيين “ان نسبة احتمالات الحرب عالية وكبيرة جدا”، عندما يقول السيد المرزوق هذا الكلام، وهو رجل صادق وشجاع، فان القادم مرعب بكل المقاييس لحلفاء أمريكا خاصة.. والله اعلم.