عبدالباري عطوان : لماذا يتصاعد القلق السعودي الاماراتي من اخطار الطائرات الحوثية المسيرة ؟ وكيف سيكون الرد عليها؟
إب نيوز ٢٨ مايو
عبدالباري عطوان :
لماذا يتصاعد القلق السعودي الاماراتي من اخطار الطائرات الحوثية المسيرة والملغمة؟ وكيف سيكون الرد عليها؟ وهل بدأت حرب المطارات انطلاقا من جيزان ونجران؟ ولماذا لا يأخذ التحالف بنصيحة وزير الخارجية الفرنسي ويوقف “الحرب القذرة”؟
دخلت الحرب في اليمن مرحلة جديدة من التصعيد في الفترة الأخيرة بعد اقدام حركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها على استخدام الطائرات المسيرة بكثافة غير مسبوقة، وضرب مطارات واهداف حيوية داخل المملكة، وخاصة مدن الحد الجنوبي، أي جازان ونجران، ومضخات نفط خط “البترولاين” غرب العاصمة الرياض.
العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم قوات التحالف السعودي الاماراتي، اظهر اعلى درجات القلق من جراء هذا التصعيد عندما حذر مساء امس من محاولات استهداف المطارات الرئيسية بما فيها مطاري نجران وجيزان بطائرات مسيرة ملغمة التي يستخدمها آلاف السعوديين والمقيمين، وقال ان استمرار هذه “الاعمال الإرهابية” ستواجه بعمل عسكري، وأضاف “لن نتسامح بأن تكون هناك اعمال إرهابية من خلال اطلاق طائرات بدون طيار واستهداف المدنيين والمرافق الحيوية”.
العقيد المالكي لم يفصح عن كيفية الرد على هذا التطور الجديد باستخدام الطائرات المسيرة التي تحمل متفجرات، ولكن بعد قصف جوي مكثف من قبل طائرات التحالف المتطورة من طراز “اف 16″ و”اف 15” على مدى السنوات الخمس الماضية، لم تبق هناك اهداف عسكرية لم يتم ضربها، وهي على أي حال محدودة، اما ضرب اهداف مدنية مثل قصف مجالس عزاء ومستشفيات ومدارس واحتفالات اعراس، لم تنكره المملكة وباشرت في التحقيق بشأنها تحت ضغط دولي، نقول ان العودة الى ضرب اهداف مدنية بكثافة سيرتد سلبا على المملكة التي اهتزت صورتها عالميا من جراء ذلك، ودفعت العديد من الدول من بينها المانيا واسبانيا وكندا الى وقف مبيعات أسلحة اليها لتجنب استخدامها ضد المدنيين في اليمن.
***
الطائرات المسيرة الملغمة باتت سلاحا جديدا وقويا في يد حركة “انصار الله” وحلفائها الى جانب ما تزدحم فيه ترسانتها من صواريخ باليستية متطورة تحمل رؤوسا متفجرة وقادرة على تضليل الرادارات الأرضية، ومن غير المستبعد ان يتم استخدام هذه الأسلحة الجديدة في أي رد انتقامي على أي استهداف للمدنيين من قبل التحالف السعودي الاماراتي مستقبلا.
السيد محمد الحوثي، رئيس اللجنة الثورية اليمنية العليا في حركة “انصار الله” هدد بأن هناك اكثر من 300 هدف عسكري جرى تحديدها، ويمكن قصفها، داخل دول التحالف كرد على أي عدوان، وجرى تسريب شريط فيديو عبر قناة “المسيرة” اليمنية يتضمن لقطات حية لهجوم طائرة مسيرة حوثية على مطار ابو ظبي الدولي قبل عام في رسالة واضحة لا تحتاج الى شرح.
الشريط المصور اظهر الطائرة وهي تحلق في أجواء المطار، ولكن الامر الأخطر هو وكيفية الحصول على هذه الصور الملتقطة من قبل الكاميرات المنصوبة داخل المطار، مما يشير الى وجود اختراق أمني خطير.
السيد الحوثي لم يكشف طبيعة بنك الأهداف الذي تحدث عنه، لكن مصادر يمنية كشفت ان من ضمنها مطارات دولية ومحطات تحلية، ومصافي، ومضخات نفط، ومحطات كهرباء، واذا جرى استهداف هذه الأهداف فعلا، فهذا يعني كارثة حقيقية سياسية واقتصادية لا تحتاج الى شروحات.
العقيد المالكي، وفي المؤتمر الصحافي نفسه قال “ان قوات التحالف أحبطت اكثر من” 35 عملا إرهابيا” للميليشيات الحوثية في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر”، دون ان يعطي تفسيرات، وهذا اعتراف خطير يكشف عن تهديد حقيقي للملاحة الدولية في هذه المنطقة الحساسة من العالم حيث تمر حوالي خمسة ملايين برميل من الصادرات النفطية.
مر أكثر من أسبوعين على حادث التفجير الذي استهدف اربع ناقلات نفط عملاقة قبالة سواحل ميناء الفجيرة في خليج عمان، ولم تصدر حتى الآن نتائج التحقيقات لمعرفة الجهة التي نفذت الاعتداء ويبدو ان هناك محاولة لتأجيل خذه النتائج لأطول وقت ممكن.
العودة الى اتفاق ستوكهولم لوقف اطلاق النار، والبدء في مفاوضات جدية للوصول الى حل سياسي توافقي هو الحل الأمثل لتهدئة الموقف، وتخفيف حدة التصعيد وحقن الدماء، خاصة ان الحرب لم تعد محصورة داخل الحدود اليمنية، مثلما أراد، او اعتقد من اطلق رصاصتها الأولى، وبات الطرف الأضعف يملك الكثير من أسباب القوة التي تمكنه من الرد، وبطريقة مؤلمة، على دول التحالف التي لديها الكثير مما يمكن ان تخسره من امن واستقرار وازدهار اقتصادي.
فعندما يصف جان ايف لورديان، وزير الخارجية الفرنسي، الصراع في اليمن بأنه “حرب قذرة” ويدعو كل من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة للعمل على وقفها، فان هذا الطلب، او النصيحة، يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار، لأنه صادر عن رجل يمثل دولة حليفة للبلدين، ومن اهم مصادر تسليحهما، ويقول باختصار شديد “ان الكيل قد طفح”.
***
استمرار الحرب في اليمن لم يعد في صالح السعودية والامارات، وبات يعطي نتائج عكسية تماما، والطرف الأضعف لم يعد كذلك، وبات قادرا على شن حرب استنزاف مؤلمة ومكلفة عسكريا وماديا وبشريا ومعنويا في الوقت نفسه، وبأقل قدر ممكن من الخسائر، فالطائرات المسيرة الملغمة التي باتت تشكل انقلابا في ميزان الردع، وتهديدا فعليا لمطارات المملكة والامارات، تكلف المتطورة منها في حدود الف دولار في افضل الأحوال، وباتت تخترق منظومات دفاعية تكلف مئات الملايين من الدولارات، ان لم يكن اكثر.
التشكيك في حيادية المبعوث الاممي مارتن غريفيث ونتائج جهوده التي أوقفت الحرب في ميناء الحديدة، وعدم الاعتراف به، ورفض التعامل معه ليس الأسلوب الأمثل، بل خطوة قد تعطي نتائج عكسية وتخدم حركة “انصار الله” وحلفائها على وجه الخصوص، وهذا ما يحدث فعلا.
نصيحة وزير الخارجية الفرنسي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار، والبدء في تطبيقها في أسرع وقت ممكن، من حيث البحث عن مخرج سريع من هذه الحرب القذرة فعلا، واتباع النظرية العسكرية التي تقول اعلن الانتصار وباشر بسحب القوات فعلا، وقلص خسائرك.
لم تتدخل دولة عسكريا في تاريخ اليمن وخرجت منتصرة، ولا نعتقد ان التحالف السعودي الاماراتي سيكون استثناء.. ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه.. ومذكرات مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود هي الدليل.. والأيام بيننا.