التطبيع العلني مع إسرائيل .. ارتهان الأنظمة العربية واختبار الشعوب ..
إب نيوز ٣٠ مايو
كتب/وليـــدالحســـــــام
نشأ الكيان الصهيوني في رحم أوروبا الاستعمارية وانفصل عنها كانفصال الوليد عن أمه ولكن مازال الحبل السرّي متصلاً ، ويسعى هذا الكيان إلى صياغة تاريخ وجغرافيا جديدين لفلسطين وماحولها .. وقد تجاوز ذلك ليحاول صياغة تاريخ وجغرافيا جديدين للوطن العربي والمنطقة بأكملها يكون هو المهيمن والمسيطر ، أما بالنسبة للقبائل العبرانية فقد اختلطت بأهل فلسطين (الكنعانيين) وذابت بينهم .
في 15 مايو 1948م أعلن الكيان الصهيوني (الحركة الصهيونية) عن قيام دولته المسماة (إسرائيل) وهذا الاسم هو (اسم الدَّلع للصهيونية) فاعترفت بها بعض الدول ، يضاف إليها اعتراف منظمة الأمم المتحدة التي بذلت دعمها المطلق وجهودها المهولة لدعم مشروع هذا الكيان من أجل تحقيق أهدافهم الشيطانية المشتركة لثنائي الشر والعدوان (أمريكا وإسرائيل) ، وقد أوغل الصهاينة الإسرائيليون في ارتكاب الجرائم بحق الإنسانية وبحق العرب والمسلمين والمقدسات الدينية والأرض ، وسعى هذا الكيان الإجرامي إلى فرض وجوده على أنظمة عربية عميلة التي بدورها تقوم بمهمة فرض القبول بالعدو الإسرائيلي واحتلاله وإجرامه على الشعوب العربية ، ومن أجل ذلك فقد انتهجت تلك الأنظمة التطبيع مع العدو الإسرائيلي .
التطبيع مع إسرائيل (المعنى والتعريف) :
لم يختلف معنى التطبيع لدى المعاجم العربية حيث أجمعت على أن التَّطبيع بمعنى دعا إلى تطبيع العلاقات مع العدو ، أي جعلِها طبيعيةً عادية بعكس ما هي عليه ، والتطبيع مع العدو الإسرائيلي _ كما عرفه الباحثون _ هو إقامة الأنظمة العربية علاقات رسمية أو غير رسمية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والاستخباراتية مع العدو الإسرائيلي وكيانه الصهيوني ؛ بما تحققه تلك العلاقات من التسليم والخضوع للكيان الصهيوني والاعترف به والقبول بجرائمه وإباحة التعامل معه وجعل نشاطاته الشيطانية عاديةً في نظر الشعوب العربية من خلال تمييع وعيها عن ضرورة تحركها للدفاع عن المقدسات الدينية والإنسانية في فلسطين .
منذ ما يقارب سبعين عاماً مرّ التطبيع مع إسرائيل بمراحل عدة أخذت ثلاثة أشكال : التطبيع باسم الدعوة إلى السلام مع إسرائيل ، والتطبيع بإقامة علاقات في الكواليس ، والتطبيع العلني الذي نشاهده اليوم متجسداً في العلاقات الرسمية والمعلنة والمباشرة التي يقيمها النظام السعودي وعدد من الأنظمة الخليجية والعربية مع العدو الإسرائيلي في مجالات مختلفة تصب نتائجها في مصالح الطرف الآخر (إسرائيل) .
التطبيع العلني مع إسرائيل امتدادٌ لتطبيعات سابقة :
التطبيع مع العدو الإسرائيلي في شكله العلني ليس جديد النشأة بل هو امتدادٌ لسياق تطبيعات وعلاقات سابقة أقامتها أنظمة عربية سعودية وخليجية مع الكيان الصهيوني عبر الكواليس خلال عقود ما قبل فترة التطبيع العلني الذي نراه مؤخراً ، ومن خلال تتبع أخبار ونشاطات التطبيع العلني مع إسرائيل الذي يُفترض أن تكون الأنظمة العميلة هي المتحكِّمة فيه باعتبار أن الدور في التطبيع مع العدو مهمة العميل إلّا أن إسرائيل هي من تتحكم حتى في مسار التطبيع وشكله ، بل إن إسرائيل وراعيتها أمريكا يفرضان على الأنظمة والسلطات العربية سياسة التطبيع ويفرضان عليها الانتقال بالتطبيع والخروج به من الكواليس والخفاء إلى العلن بما يتناسب مع مخطط العدو الإسرائيلي ومشروعه ، وما يؤكد ذلك أن الإعلام الصهيوني هو السبّاق إلى نشر أخبار العلاقات واللقاءات والزيارات والاتفاقيات السرية التي تتم بين الكيان الإسرائيلي والسعودية أوغيرها ، وفي المقابل لا نجد تصريحات رسمية للنظام السعودي ينفي فيها مانشره إعلام إسرائيل ، وعدم النفي _ بحدِّ ذاته _ يؤكد صحة ذلك .
أهداف التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني (إسرائيل) من قبل السعودية ومن سار في إطارها من الأنظمة العربية هي أهداف التطبيع الخفي ذاتها التي تتمثل في جَعلِ العلاقات مع العدو عاديةً والاعتراف به وبوجوده طبيعياً ، لكن يُضاف إلى التطبيع العلني أنه يهدف إلى إزالة الحواجز وإقناع الشعوب بطريقة استفزازية بأحقّية العدو وشرعنة وجوده وفرض هيمنته ، ومن أجل التمهيد لإتاحة الفرصة للصهاينة للقيام بخطوات واعتداءات جديدة في ظل سياسة التطبيع وإسكات الشعوب العربية التي ترفض الاعتراف بالعدو الإسرائيلي وترفض تطبيعات أنظمتها مع العدو الإسرائيلي المحتل الغاصب أرض الشعب الفلسطيني .
النظام السعودي إنموذجٌ للتطبيع العلني مع إسرائيل :
ثمّة قائمةٌ بالأنظمة العربية المُطَبِّعة مع العدو الإسرائيلي حيث يتصدر القائمة نظام (آل سعود) السعودية الذي يكثّف من علاقاته ونشاطاته مع الإسرائيلي بصورة مباشرة وعلنية خلال السنوات الأخيرة بغرض إزالة الحواجز وهدم الجدران أمام الشعوب العربية التي تحمل عداءً مزمناً للكيان الصهيوني ،
وتأتي التصريحات متوالية من قبل الكيان الإسرائيلي التي تضع النظام السعودي والأنظمة الأخرى المتعاملة معه أمام خيار واحد وهو الإعلان عن العلاقات التي تربطها مع إسرائيل ، يقول وزير الاتصالات في ما يسمى بحكومة الكيان الإسرائيلي (أيوب قرا _ وهو درزي) وهو _ كذلك _ عضو في الكنيست عن حزب الليكود :
“إن هناك عدداً كبيراً من الأنظمة العربية تربطها علاقات قوية بإسرائيل بشكلٍ أو بآخر ، تبدأ من مصر والأردن وتشمل السعودية ودول الخليج وشمال أفريقيا” ، ومن خلال متابعة أنشطة هذه الأنظمة وتحركاتها وخطابها السياسي والإعلامي _ مؤخراً _ نجد النظام السعودي متصدراً ومنافساً قوياً في التطبيع العلني مع العدو الصهيوني بل إنه يتماهى كثيراً معه في كل التوجهات السياسية والعسكرية لأمريكا وإسرائيل في المنطقة .
لم يجد النظام السعودي مجالاً غير الخروج بعلاقاته مع إسرائيل من الكواليس إلى العلن ولم يجد نفسه إلا أمام ضغوطات كشف حقائق عمالته العلنية لكيان العدو الصهيوني ؛ إذ لم يعد الأمر بيده ، بل الصهاينة هم مَن يفعل كلَّ شيء وفق مخططهم بما في ذلك التطبيع العلني ، فالتصريح عن التعاونات والتعاملات والاتفاقات بين الكيانين (السعودي والإسرائيلي) أصبح رسمياً وعلنياً سواء التصريح به من قبل رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو) أو من خلال نشر أخبار اللقاءات والمباحثات بينهما في صحف العدو الرسمية وغير الرسمية ، ويظهر اتساق التوجّه والتحرك الموحَّد بينهما من خلال التحالفات ضد طرف معين ومعاداته وحتى توافقهما وتآلفهما في الترحيب بقرارات أمريكا (ترامب) التي من ضمنها فتح سفارة أمريكا في القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل ، وفي تصنيف المقاومات العربية بأنها إرهابية ، وكان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي قد كشف أن هناك تعاوناً مشتركاً في مختلف المجالات مع السعودية، موضحاً أن هذه الاتصالات تجري بين الكيانين بصورة مكثفة وواسعة ، حيث أطلق تصريحه هذا في السادس من سبتمبر العام المنصرم ، وفي السابع من سبتمبر ذاته ذكرت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الناطقة باللغة العربية أن أميراً من البلاط الملكي السعودي زار إسرائيل وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين عدداً من العلاقات المشتركة ، وتداولت المواقع الالكترونية أن ذلك الأمير هو ولي العهد (محمد بن سلمان) ، ولم يقف الحد عند ذلك فقد قام النظام السعودي بدوره حيث أعلن إعلامه أن واحداً من مطارات السعودية سيكون مفتوحاً للطائرات الإسرائيلية وسيكون محطة للطائرات الهندية القادمة باتجاه الكيان الإسرائيلي ، كما تماهى إعلام السعودية في خطابه بالخطاب الإسرائيلي فيما يخص الأحداث الإقليمية وتطوراتها الأخيرة في المنطقة العربية .
يحاول النظام السعودي وأمثاله من الأنظمة المطبّعة مع الكيان الصهيوني عبر آلاته الإعلامية أن يبرر علاقاته الجريئة والعلنية مع العدو بأساليب عدّة يتحيل بها على الشعوب لعلّه يظل متقنّعاً بالهوية المزيفة ، ولكي يجعل من علاقاته وعمالته مع العدو الإسرائيلي وضعاً طبيعياً وعادياً أمام الشعوب العربية فقد رسم بإعلامه عدواً افتراضياً وتبنى الإعلام السعودي _ كذلك _ تركيز الخطاب التحريضي على أن ذلك (العدو الافتراضي) للعرب هو إيران ، والهدف من ذلك هو تبرير عمالته لإسرائيل (العدو الحقيقي) ، وكذلك من أجل العبث بوعي الشعوب وإشغالها عن قضيتها الأولى (القدس) والالتفات بها عن عدوها الحقيقي (الكيان الصهيوني) الذي يتوسع في عدوانه بحق فلسطين أرضاً وإنساناً ومقدساتٍ ، وهكذا يتذرع النظام السعودي بمحاربة إيران ليبرر تجَنُّده عسكرياً وسياسياً واقتصادياً مع إسرائيل بصورةٍ علنية .
التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيل استفزاز للشعوب واختبار لخضوعها :
يدرك الكيان الصهيوني جيداً أن الشعوب العربية رافضة لوجود ما يسمّى بإسرائيل ، وأنها غير راضية عن التطبيع العلني للأنظمة والسلطات مع هذا السرطان الخبيث الموجود في قلب الوطن العربي ؛ لذلك فإن إسرائيل تخاف من أي ردة فعل للشعوب أمّا الأنظمة فهي في قبضتها (أي في قبضة إسرائيل) وهذا ما يدفع بالصهاينة إلى الضغط على أنظمة الدول العربية لانتهاج سياسة تطبيع العلاقات وهدم وعي الشعوب وثقافتها المجابهة لإسرائيل .
الأنظمة العربية خضعت لرغبات العدو الصهيوني وانتهجت سياسة التطبيع العلني والمباشر معه دون حتى مراعاة شعور الشعوب العربية أو احترامها ، بل بدتِ الأنظمة في موقفٍ استفزازي للأمة العربية ، وما يطمح إليه الحُكَّام بذلك هو أن يثبتوا ولاءهم ووفاءهم لعدو العرب والمسلمين ، وتجعل الأنظمة من الإعلام وسيلةً استفزازية مقيتة تنشر عمالة السلاطين لإسرائيل بوقاحةٍ مفرطة ، حيث يعرض الإعلام أمام المواطن العربي دورهم الصريح والمكشوف في بيع القضايا العربية دون أن يردعهم أي وازع .
يرى الكيان الصهيوني في التطبيع العلني من قبل الأنظمة العربية مقياساً لاختبار مدى قابلية شعوبنا على الاعتراف به والخضوع لهيمنته ، والصمت أو ال
تغاضي حيال كلِّ خطوةٍ يقوم بها في سبيل توسعه ، وحتى أن هذا العدو لا يكتفي بالصمت العربي _رغم خطورته في تضييع وتمييع القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا كما يحدث اليوم من فتح سفارة أمريكا في القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل _ بل هو يطمح ويخطط لتحقيق أهداف أوسع من ذلك مثل إخضاع الدول العربية والمنطقة بأكملها لتسلُّطه وتسلُّط حليفته الأم (أمريكا) ليكتمل حلم أعداء هذه الأمة بفرض قراراتهم وتسلّطهم على العرب .
ولمجابهة ذلك التَّوغل والتوسع في الهيمنة والتسلّط الصهيوأمريكي مِن قبل الشعوب التي لم تقبل الخضوع للأعداء عبر الأنظمة ولا غيرها ، يرى كلُّ خبراء السياسة أن الخيار الرئيسي يتمحور في المقاومة وتعزيز وجودها وحضورها ، فهذا الخيار سيحفظ للعرب حقهم وقضاياهم وبإمكانه أن يتجاوز الأنظمة الخاضعة لأمريكا وإسرائيل .
ملتقى الكتاب اليمنيين