عطوان : لماذا فضّلنا متابعة خطاب السيد نصر الله على خطابات زعماء القمّة الإسلامية في مكة ولم نندم ؟
إب نيوز ٢ يونيو
عبد الباري عطوان
وجدت نفسي ليلة أمس أمام خيارين: الأوّل مُتابعة وقائع القمة الإسلاميّة في مكّة المكرمة ومن منطلق مهني ومن ثم معرفي، أو الاستماع إلى خطاب السيّد حسن نصر الله التاريخي الذي ألقاه بمناسبة يوم القدس العالمي لأخذ جرعة من العنفوان والكرامة، ورفع المعنويات، وكل ما هو جديد من مواقف ومعلومات حول مسألة الحرب التي تُخيّم بظلالها على المنطقة، فاخترت الثاني، دون تردّد، ولم أندم مُطلقًا، فهُناك فرق شاسع بين كلام رجل لا يكذب ويهدّد بالرد الفوري على أيّ عدوان إسرائيلي، مستندًا إلى القوّة وإرث حافل من المقاومة، وبين زعماء نصفهم يغطّون في النوم في مقاعدهم الوتيرة، والنّصف الآخر يُلقي خطابات بكلمات مكررة مُعلّبة، بلا نكهة، وتنطوي على الكثير من عبارات المُجاملة والنّفاق طمعًا بحفنة من المُساعدات الماليّة. في عام 1980 كنت في بداية مسيرتي الصحافيّة، وسمعت نبيل رملاوي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينيّة الملحق بمكتب الجامعة العربيّة في لندن (لم تكن هناك أكذوبة السفارات)، سمعته يقول مزمجرًا ومُحتجًّا على موقف بريطانيا الرافض للاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني بحجة أنها تدعم الجيش الجهموري الإيرلندي، ومُؤكّدًا أن الرئيس ياسر عرفات أبلغه مُهدّدًا بأنّه إذا استمرّت حكومة مارغريت تاتشر في تكرار هذه الأكاذيب، فإنّه سيدعم الجيش الجمهوري فعلًا، وسينقل تفجيراته إلى قلب لندن. نشرت ما قاله السيد رملاوي، بعد استئذانه، على الصفحة الأولى في الصحيفة التي كنت أعمل فيها، وبعد أسبوعين فقط، اعترفت بريطانيا بمنظمة التحرير رسميًّا، وكان وزير خارجيّتها في حينها اللورد كارنغتون، من أبرز الذين وقفوا خلف إصدار إعلان البندقيّة” الشّهير صيف العام نفسه الذي تضمّن اعترافًا أوروبيًّا شامِلًا بالمنظمة، وحق الشعب الفِلسطيني في تقرير المصير….