عبدالباري عطوان : لماذا رفض الحراك السوداني مبادرة المجلس العسكري ورئيسه للعودة الى الحوار؟
إب نيوز ٥ يونيو
عبدالباري عطوان :
لماذا رفض الحراك السوداني مبادرة المجلس العسكري ورئيسه للعودة الى الحوار؟ وهل هذا الحوار بات ممكنا بعد المجزرة الدموية لقوات التدخل السريع؟ ومن هي الجهات التي حرضت على العنف؟ ولماذا لم تتم الاستفادة من النموذج الجزائري؟
بعد ارتكاب قواته مجزرة راح ضحيتها اكثر من ستين قتيلا ومئات الجرحى من شباب الحراك المعتصمين بطرق سلمية امام قصر قيادة جيشه، اعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، انفتاحه على مفاوضات “لا قيد فيها” حول مستقبل البلاد.
هذا العرض من الفريق البرهان يعكس استهتارا بالحراك، وقيادته، واعتراف غير مباشر بفشل استخدام سياسة القبضة الحديدية لترويع المحتجين، واملاء شروط المجلس العسكري الانتقالي عليهم.
قبل الحديث عن العودة الى مائدة الحوار يجب تقديم جميع الذين تورطوا بهذه الأوامر، او حتى الصمت على جريمتهم هذه داخل القوات المسلحة الى العدالة لنيل العقاب الذي يستحقونه.
نشعر بالألم في هذه الصحيفة “راي اليوم” ونحن نتابع بعض التفاصيل الصادمة عن اعداد القتلى والجرحى من المدنيين العزل من جراء الرصاص الحي الذي اطلقته قوات التدخل السريع على المحتجين، حتى ان المستشفيات السودانية، وعلى تواضع امكانياتها، لم تستطع ان تستوعب هذه الاعداد التي فاقت كل قدراتها.
قادة الاحتجاج كان معهم كل الحق في رفض هذه المبادرة من المسؤول الأكبر عن هذه المجزرة، أي الفريق البرهان، فكيف يمكن الثقة في هذا المجلس العسكري بعدها، خاصة انها جرى ارتكابها في ظل تواصل الحوار، مما يعكس النوايا الحقيقية لهذا المجلس في الاستمرار في الحكم، وتسيير شؤون البلاد بالطريقة نفسها لنظام الرئيس عمر البشير.
منذ ان خلع الفريق البرهان بزته العسكرية، واحتل مقعد السودان في قمم مكة الثلاث بملابسه المدنية، كان واضحا ان هناك توجها بالبقاء في السلطة، وان كل الحوارات مع قادة الحوار كانت بهدف كسب الوقت لا اكثر ولا اقل.
نحن مع امن السودان واستقراره والحفاظ على وحدتيه الترابية والديمغرافية، ولكن هذا الحرص لا يعني تكرار تجربة حكم ثورة الانقاذ الكارثية التي قادت البلاد الى الفساد والانهيار الاقتصادي والحكم القمعي، والتضحية بالجنوب السوداني عبر بوابة الانفصال من اجل هدف واحد وهو استمرار هذا النظام الكاتم على انفاس هذا الشعب السوداني الطيب المعطاء والمبدع.
مطالب الحراك بتسليم الحكم الى مجلس سيادي مهدني، وحكومة مدنية، وعودة العسكر الى الثكنات مطالب مشروعة، ويجب الاستمرار بالتمسك بها، والا فان البديل هو الفوضى الدموية، وهو بديل مرفوض لما يمكن ان يترتب عليه من نتائج ابرزها تفكيك السودان.
كنا نتمنى ان يحتذي المجلس العسكري السوداني بالتجربة الجزائرية، ويكون دوره اقرب الى الحياد والتجاوب كليا مع مطالب الشعب في الدولة المدنية، واستئصال الفساد، واعتقال الفاسدين وتقديمهم الى القضاء، ولكن يبدو ان هناك جهات في دول الجوار العربي والخليجي حرضت هذا المجلس على البطش بالمحتجين وارتكاب هذه المجزرة.. والله اعلم.
“راي اليوم”