عبد الباري عطوان : عشرة اسباب تكمن خلف القرار الاماراتي بالانسحاب التدريجي من اليمن..
إب نيوز ٦ يوليو
عبد الباري عطوان :
عشرة اسباب تكمن خلف القرار الاماراتي بالانسحاب التدريجي من اليمن.. كيف سيكون انعكاس هذه الخطوة على العلاقات التحالفية السعودية الاماراتية؟ وما هي ملامح المشهد اليمني بعدها؟ ولماذا نطالب بمراجعات سعودية على غرار الاماراتية؟
تضاربت الأنباء حول صحة التقارير التي تحدثت بشكل مكثف في الايام القليلة الماضية حول سحب الامارات المتدرج لقواتها من اليمن، وصّعد هذا التضارب حالة الصمت الاماراتي المبالغ فيها، وتجنب معظم المسؤولين التعليق عليها، لكن الامر المؤكد ان ابوظبي لم تعد قادرة على المضي قدما في هذه الحرب بعد اربع سنوات من الخسائر الضخمة، ماديا، وبشريا، وسياسيا، ومعنويا، وبات الاستمرار في هذا المأزق يعطي نتائج عكسية، ابرزها نقل الخصم للمعركة الى العمقين السعودي والاماراتي، وتفاقم المعارضة الداخلية والمجتمع الدولي لها في آن.
دولة الإمارات، وامارة أبوظبي، على وجه الخصوص، دخلت هذه الحرب تضامنا مع الحليف السعودي، واعتقادا بأن النصر سيأتي سريعا، وبأقل التكلفة لأنعدام التكافؤ في موازين القوى، وضعف الطرف المقابل، والتفوق الجوي الإماراتي السعودي القطري الهائل (قطر كانت شريكا فعالا في التحالف قبل انسحابها)، ولكن غياب الحسم والحزم السريع، واشتداد المقاومة اليمنية الشرسة، ووصول الدعم الخارجي، وضعف الحكومة “الشرعية” وانعدام الكاريزما في صفوف قيادتها، كلها عوامل أدت إلى تراكم الوضع الراهن، وكشفت عن سوء التقدير، والاستخفاف بالطرف الآخر، هو استخفاف لم يكن في محله مطلقا.
التقرير الغربية أكدت أن دولة الإمارات سجبت جزءا كبيرا من قواتها المقاتلة، والدبابات، والطائرات العمودية القتالية، بشكل تدريجي ودون اي ضجيج، وسط حرص واضح على تجنب ضجة اعلامية تظهر حركة “انصار الله” وحلفائها بالطرف المنتصر، وتسبب إحراجا في الوقت نفسه للشريك السعودي الذي بدأ المتضرر الأكبر من هذه الخطوة الإماراتية التي جاءت في وقت يتعرض فيه العمق السعودي لانتكاسات عسكرية، أبرزها القصف الصاروخي المتواصل لمطارات (ابها ونجران وجيزان) من قبل الحوثيين وطائراتهم المسيرة، واستيلاء مقاتليهم على أراضي سعودية في الحد الجنوبي، اختلفت الآراء حول عمقها وحجمها، لكنها اتفقت على صدقيتها.
***
أسباب عديدة دفعت دولة الإمارات الى الاقدام على خطوات الانسحاب التدريجي هذه، وتسريعها في الفترة الاخيرة نوجزها في النقاط التالية:
أولا: نقل حركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها في الداخل والخارج الحرب من الأرض اليمنية إلى عمق دول التحالف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لزيادة التذمر الشعبي فيها، وزيادة القلق، وبالتالي دفع الشعب إلى التساؤل عن شرعية هذه الحرب، والخوف من تطوراتها، والفائدة منها من الأساس، وكانت عملية الهجوم على ست ناقلات نفطية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات الشق الأول من الرسالة، وقصف مطار ابها، احد اكبر المطارات السعودية وتعطيل الملاحة الجوية فيه، وفي ذروة موسم السياحة الداخلية، الشق الثاني منها.
ثانيا: تعاظم قوة “انصار الله” الحوثية وحلفائها وامتلاكها أسلحه متقدمة خاصة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة الملغمة، ونجاحها في تحقيق قوة ردع فاعلة، حيدت سلاح طيران التحالف كليا، وابطلت مفعوله.
ثالثا: تآكل ونفاذ موجودات بنك الأهداف المدنية والعسكرية بالنسبة الى التحالف السعودي الإماراتي، ووجود أكثر من 400 هدف لدى التحالف الحوثي في المقابل بات في متناول صواريخه الباليستية المجنحة الدقيقة او الطائرات المسيرة الملغمة.
رابعا: انهيار ملموس للقدرات الدفاعيه الأرضية والجوية لدول التحالف التي جرى انفاق عشرات المليارات لبنائها، فصاروخ “الباتريوت” الذي تبلغ قيمته 6 ملايين دولار بات عاجزا أمام صاروخ حوثي لا تزيد قيمته عن 1500 دولار، وبات يهدد معظم، إن لم يكن كل المطارات السعودية.
خامسا: وجود قنوات اتصال سرية نشطة بين الإمارات وحركة “انصار الله” الحوثية، نجحت في التوصل إلى تفاهمات غير معلنة أبرزها انسحاب القوات الإماراتية وعتادها الثقيل من الشمال اليمني، وبقائها في الجنوب مقابل عدم مهاجمة الصواريخ الحوثية لمطارات أبوظبي ودبي، للانعكاسات السلبية لاي هجوم على اقتصاد الإمارات، والصواريخ التي تصل إلى مطار أبها والرياض وجدة يمكن أن تصل إلى دبي وأبوظبي، ومن يستطيع تلغيم ناقلات نفط واختراق الاجهزة الامنية في ميناء الفجيرة، يستطيع الوصول إلى اهداف حيوية استراتيجية في أي مكان آخر في الامارات.
سادسا: وجود حالة تململ ضخمة ومتزايدة في الإمارات الأخرى التي لم تكن متحمسة لخوض حرب اليمن، مثل الشارقة ودبي ورأس الخيمه، رغم عدم ظهور حالة التذمر هذه إلى العلن، ولكن دخول الحرب العام الخامس دون حسم، او التوصل إلى حلول سياسية دفعها الى الظهور على السطح.
سابعا: تزايد اعداد الخسائر في صفوف مقاتلي الإمارات، ومقتل وإصابة افراد من الأسرة الحاكمة، والعائلات الكبيرة للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
ثامنا: تراجع مستوى التنسيق العسكري بين الحليفين الإماراتي والسعودي في ميادين القتال، ولوحظ ان تواجد السعودية في منطقة مثل المهرة، يتلوه انسحاب إماراتي منها، مضافا الى ذلك أنشغال السعودية بالقتال في الحد الجنوبي ومحاولة منع تقدم الجيش اليمني والقوات المقاومة الحوثية من جيزان ونجران وعسير.
تاسعا: شكوى العديد من المسؤولين العسكريين الإماراتيين من تواضع كفاءات الجيش السعودي في ميادين القتال، رغم المعدات العسكرية المتقدمة، وقال مسؤول خليجي كبير في جلسة خاصة مع نظرائه العرب “اكتشفنا انه لا يوجد جيش سعودي بما تعنيه هذه الكلمة من معنى”.
عاشرا: توسيع دولة الإمارات لدائرة تدخلاتها السياسية والعسكرية وفوق قدراتها، خاصة في ليبيا والقرن الأفريقي، وحتى في افغانستان وكوسوفو، الأمر الذي فاقم من اعبائها وضاعف التزاماتها المالية والعسكرية والسياسية في الوقت نفسه.
***
لا نستبعد ان تكون انباء هذا الانسحاب الإماراتي التدريجي في اليمن هو ثمرة “مراجعات” سياسية على أعلى المستويات، وفي الملف اليمني على وجه الخصوص، وربما نرى نتائجها تنعكس أيضا في ميادين أخرى إبرزها “برود” العلاقات المتميزة والتحالفية مع المملكة العربية السعودية بطريقة او باخرى.
السعودية مطالبة أيضا بإجراء “مراجعات” مثيلة وربما أكثر تعمقا ووضوحا، لأن الاستمرار في بعض السياسات وخوض الحروب في السنوات الخمس الماضية باتت تكلفها الكثير ماليا ومعنويا، وتؤثر على صورتها في العالمين العربي والإسلامي.
سياسة الحرب بالوكالة في اليمن فشلت، وسياسة التفاوض بالوكالة لم تنجح مطلقا، ولا بد من الاعتراف بالطرف الآخر والتفاوض معه بشكل مباشر، فامريكا الدولة العظمى اضطرت للتفاوض مع حركة طالبان ومن موقع الند، مثلما اضطر رئيسها دونالد ترامب الى شد الرحال إلى سنغافورة وهانوي للقاء كيم جونغ اون، زعيم كوريا الشمالية.
لا يعيب السعودية والإمارات اجراء مثل هذه المراجعات لأن الاستمرار في سياسات لم تحقق الهدف المأمول بات يعطي نتائج عكسية تماما، خاصة في الملف اليمني، الذي بات جرحا كبيرا نازفا يستعصى على العلاج يوما بعد يوم، وعاما بعد عام.. والله اعلم.