ما وراء تسريب الامارات اعادة نشر قوتها في اليمن؟ مالذي تضمره لجنوب اليمن؟ وهل تخلت عن السعودية لتواجه ورطتها منفردة؟
Share
إب نيوز ١٠ يوليو
عبدالوهاب الشرفي
سُرّب قبل الامس تصريح عن من وصف بالمسئول الاماراتي الرفيع بان الامارات تعيد نشر قواتها في اليمن و انها ستتحول من الاسلوب العسكري الى اسلوب العمل على السلام ، وكان هذا التصريح المسرب مصمما بطريقة خاصة ترتب عليها عدم وضوح كامل لما الذي تقوم به الامارات بالتحديد ، فقرأه البعض قرار بالانسحاب وقراه البعض انه تقليص للقوة الاماراتية في اليمن و البعض قرأه مناورة سياسية او تكتيك حربي و غيره .
كانت الامارات بعد الضربة القاسية التي راح ضحيتها اكثر من مئة عسكري اماراتي في مأرب في بداية العدوان على اليمن قد اعادة تريب حضورها العسكري في اليمن بشكل هيكلي وسحبت جنودها و سحبت الاسلحة النوعية التي كانت قد دخلت المعركة مع جنودها و لم تعد المشاركة الاماراتية في اليمن الا بعدد من القيادات العسكرية في غرف العمليات وعدد من الاستخباريين يديرون المشهد الامني والاداري في مناطق سيطرتها جنوب اليمن دون ظهور ، وبالتالي فالحديث عن انسحاب الامارات من اليمن امر قد تم وجرجرت ألياتها وخيباتها منذ وقت مبكر ، و اي تصور لانسحاب حاليا لن يعني الا سحب ما تبقى من قيادات عسكرية وعناصر استخبارية تتولى السيطرة المركزية على تحرك القوات التي انشئتها من اليمنيين تحت مسمياة النخب و الاحزمة الامنية و حراس الجمهورية .
يغطي التحالف السعودي حربه على اليمن باعادة ” الشرعية ” لكن بات مفهوما للجميع ان هذا عنوان لا اكثر بينما الحرب لها اجنداتها البعيدة عن ” شرعية و ما شرعية ” ، ويصدق هذا بحق السعودية وحق الامارات لكن السعودية تعمل لاجندتها بشكل مؤارب لا يظهر بسفور تصادمه مع عنوان الدخل في اليمن لاعادة ” الشرعية ” بينما الامارات تعمل لاجندتها بشكل سافر و واضح و فاضح وتصتدم مع التمكين ” للشرعية ” بشكل مباشر و تخوض مع هذا الطرف سجالا بل كان قد وصل لصدام لغير مرة .
ما تفعله الامارات في اليمن و جنوبه بدرجة محورية ليس اعادة ” الشرعية ” نعم ولكنه ليس غامضا ايضا ، فما تفعله في اليمن هو ذاته الذي تفعله في مختلف الملفات التي تدخلت فيها الامارات من الملف المصري الى الليبي الى غيرها من الملفات ، وهو ذات الصراع الذي تديره تحت يافطة مواجهة الاخوان وان كان محله اليمني هو حزب الاصلاح اليمني الذي يمثل النسبة الغالبة في تركيبة ما تسمى ” الشرعية ” ، و على ذلك فمسألة سحب مابقي للامارات من قيادات وعناصر استخبارية من اليمن لن تحدث الا اذا تخلت عن مشروعها في اليمن ولن تتخلى عن مشروعها في اليمن الاقرب اليها الا اذا تخلت عن مشروعها في الملفات الاخرى التي تعمل فيها ، اي لن تسحب قياداتها و عناصرها الاستخبارية الا اذا تخلت عن دورها الاقليمي بالاساس وهذا قطعا لم يحدث وبالتالي لا سحب حتى لما هو باق للامارات في اليمن .
شيئ من التأمل في التسريب الاماراتي يكشف ان هذا التسريب مصمم بحرفية وانه ناتج عن حسابات تمت للدور الاماراتي في اليمن خلال المرحلة القادمة ، و هذا التسريب ذكر اعادة نشر قوة الامارات في اليمن وليس انسحاب و هذا امر ليس لاول مرة تقوم به الامارات فهي تستبدل من قياداتها وعناصرها باخرين من وقت لاخر ، ومن قراء التصريب على انه انسحاب بنى ذلك على ان التسريب تحدث عن التخلي عن العمل العسكري الى العمل على السلام ، لكن الامر ليس كذلك لاعتبارات ان ذلك يتطلب تخلي الامارات عن الدور الذي تلعبه في الاقليم ككل .
التسريب الاماراتي لم يأتي دون مقدمات فمن يتابع الملف اليمني يعرف ان الامارات قامت بالفعل بتحركات في اطار مابقي لها من قوة في اليمن بالفعل ، واذا كان الامر ليس انسحابا ولا سحب للقيادات و العناصر في اليمن فما هو الذي تم بالفعل ؟ ، وربما ان التسريب هو خير من يقدم اجابة لهذا السؤال فما تم في اطار مابقي من قوة الامارات في اليمن ليس واحدا فقد وصفه التسريب بانه تكتيكي في بعضه و استراتيجي في بعضه الاخر .
سحبت الامارات مابقي لها من قوة في مأرب الخاضعة لسيطرة سلطة ” الشرعية ” والمركز الحيوي الاول لحزب الاصلاح اليمني في البلد و هذا الانسحاب وصفته بالتكتيكي و اعادة نشر قوتها باتجاه جبهة الساحل الغربي وهذه الاعادة لنشر القوة وصفتها بالاستراتيجي .
قبل هذا التسريب و اثناء اعادة نشر القوة الاماراتية كانت التصريحات من طرف الحراك الجنوبي الانتقالي الممثل الرسمي للوجود الاماراتي في جنوب اليمن تطلق التهديدات بانها ستطهر محافظة حضرموت ملوحة بذلك باتجاه قوة سلطة هادي في المحافظة ، كما تخوض القوات الحراكية ” النخب ” صراعا باتجاهات مختلفة في شبوة منها ضد قوات سلطة هادي ومنها ضد مكونات اجتماعية رافضة للدور الاماراتي في الجنوب اليمني ، وفي غمرة هذه التلويحات و المواجهات كانت الاليات العسكرية تتدفق الى الجنوب بشكل ملفت انتظره البعض في جبهة الساحل الغربي لكنه لم يصل الى هناك و ضاع اثره في محافظات الجنوب نفسها .
ليس فقط تدفق السلاح وزيادة العسكرة لابناء الجنوب و التموضع وبدء صراعات على الارض وانما كان هناك عمل ملحوظ في سبيل استكمال بنية الحراك الجنوبي الانتقالي و استكمال وحدات تنظيمية تتبعه رسميا تغطي كامل رقعة جنوب اليمن ، ومرابطة التفاصيل يضعنا امام احتمال قوي ان هناك ماهو مخطط وتزمع الامارات ان تخرجه في محافظات الجنوب و ان هذا الامر ان تحقق فلن يكون الا ضد قوة هادي او ماتسمى ” الشرعية ” وكل من هو غير راض عن الدور الذي تلعبه الامارات هناك ، وكما هو اسلوب الامارات في العمل بتجهيز القوة الموالية لها ثم اطلاقها لمعركتها عند ذلك كما حدث مثلا مع قوة ” حفتر ” في ليبيا فان سمات هذا الاحتمال قائمة في جنوب اليمن وان الامارات تخطط لاطلاق الموالين لها بعد اكتمال تجهيزهم عسكريا وتنظيميا ضد قوات ” هادي ” في الجنوب و هذا هو الذي فرض سحب مابقي لها من القوة في مأرب كي لا يكونوا عرضة للانتقام على خلفية الصراع الذي يفتح ضد ” الشرعية ” – و حزب الاصلاح المكون الرئيس فيها – في المحافظات الجنوبية ، ولهذا وصفت سحب قواتها هناك بالتكتيكي لان معركتها التي تخوضها في اليمن مسايرة مع معاركها في غير ملف في الاقليم لازالت مستمرة و لن تتخلى عنها وفقط هي تتحوط لقوتها الباقية بين يدي الاصلاح كي لا تتكرر تجربة قوتها في مأرب التي حصلت في بداية العدوان على اليمن .
يتولى ” غريفث ” العمل بتركيز على جبهة الساحل الغربي لليمن وفي اطار ما يعرف باتفاق ” استوكهلم ” ، واثناء عمله هذا يجري تفاهمات مع الحوثيين تمت على الارض ، و زار ” غريفيث ” روسيا مؤخرا بعد تواري الموقف الروسي في الملف اليمني بعد احداث صنعاء التي قتل فيها الرئيس اليمني السابق صالح وهو ما يعني ان موقفا روسيا من جبهة الساحل متوقعا من جديد ما قد يعيق العمل العسكري باتجاه مدينة الحديدة كما حصل من قبل ، وان ما يفعله ” غريفث ” ربما هو الانجع والاسهل في ظل هذا التوقع لترتيب وضع جبهة الحديدة من العمل العسكري .
في ذات الوقت تشهد المنطقة توترا عاليا على خلفية الملف الايراني و هذا يفرض اعادة ترتيب القوة الاماراتية ككل للجهوزية لاي تطورات قد تفاجئ في المنطقة والامارات تحتفظ بقيادات عسكرية وعناصر استخبارية مؤهلة لادارة الحرب في اليمن و تجربتها قد صقلت اكثر ، والتطورات في الاقليم تجعل الحاجة لها داخل الامارات مقدمة على الحاجة لها في اليمن كما ان هذه القيادات والمناطق التي تتموضع فيها تفرض وجود اسلحة خاصة في مقدمتها بطاريات صواريخ الدفاع الجوي و تطورات الاقليم تجعل حاجة الامارات الدولة لهذه الاسلحة اكثر من الحاجة في اليمن ولهذا غيرت من تلك القيادات و العناصر وبدلتهم باخرين و اعادة نشرهم في مناطق اقل احتمالا لتعرضهم للخطر او قصرت دورهم الرئيسي على محافظات الجنوب حيث معركتها الرئيسية و سحبت الاسلحة الخاصة لتشغيلها في دولتها .
منذ رمضان المنصرم تقريبا دخلت قوة انصارالله مرحلة جديدة ودخل الخدمة الطيران المسير بدور مستمر و كذا صواريخ جديدة ذات امدية تطال الاراضي الامارتية و انواع جديدة ايضا منها الكروز بعد اقتصار الصواريخ على الباليستي وتحدث انصارالله عن مرحلة جديدة و عن اهداف محددة ستستهدف في دول العدوان وليس السعودية وحسب ، وهذا الامر يطرح ان تفضل الامارات النجاة بنفسها من اي ضربات تطال منشأت حيوية لها قائما و ما قد يعرضها بدرجة رئيسية لذلك هو جبهة الساحل الغربي الذي سيرد انصارالله على اي هجوم فيها بالضرب في الداخل الامارتي حتما ، ولكون المعركة الرئيسية للامارات هي مع الاصلاح فستفضل ان تقتصر باعمالها العسكرية وتواجد قياداتها وعناصرها على المحافظات الجنوبية وتتخلى عن الجبهات التي تتواجه فيها مع قوات انصارالله وتنسحب عمليا من الحرب ضدهم تاركة السعودية لحالها في هذه المواجهة خصوصا في ظل المنافسة الحادة بينهما في المحافظات الجنوبية التي تحسب فيها على السعودية فرض بقاء حكومة ” معين عبدالملك ” في عدن و العمل المحوري في محافظة شبوة و كذا قبلها المواجهه في ملف سقطرى و السماح بتوجيه رسالة من ” هادي ” للامم المتحدة تشكو بالامارات ، وليس هناك ما يمنع ان يتم التخلي عن جبهة الساحل مقابل عدم الضرب في الداخل الاماراتي امرا اتفاقيا مع انصارالله لحساسية ملف الحديدة بالنسبة لانصارالله ايضا .
تبعا لكل هذه العوامل في جبهة الساحل الغربي وصفت الامارات اعادة نشر قواتها هناك بالاستراتيجي اي انها اتخذت قرار استراتيجيا في حربها في اليمن تخلت بموجبه عن دورها في المعارك ضد انصارالله وتخلت عن السعودية بالتبعية وستقتصر فقط على معركتها في المحافظات الجنوبية ضد قوات ” الشرعية ” التي تراها في جوهرها حزب الاصلاح الذي هو بدوره اخوان اليمن والخصم الرئيس للامارات في الاقليم ككل وليس في اليمن فقط .
تظل هذه القراءة منطلقة من تسريب تم تداوله بشكل كبير وليس موقفا رسميا اعلنته الامارات ، وهو يمثل اعادة تموضع في الملف اليمني باتجاه الوضع الذي تراه الامارات هو الاسلم لها مع تمسكها بمعركتها التي تخوضها في الاقليم ككل ، و لكونه تسريبا خبريا يظل للتصورات ان ذلك خدعه ضمن ترتيب لمهاجمة الحديدة امرا مطروحا ولو باحتمال ضئيل ولا يجب اغفاله حتى تتبين الامور تماما من خلال الواقع واين تنتهي عملية اعادة التموضع التي دخلتها الامارات .