عبدالباري عطوان: هل بدأت الامارات مسيرتها لـ”انهاء” القطيعة مع الجار الإيراني؟ وهل نتوقع لقاء سياسيا وشيكا بين بن زايد وجواد ظريف بعد زيارة الوفد الاماراتي الأمني لطهران؟
إب نيوز ٣١ يوليو
عبدالباري عطوان:
هل بدأت الامارات مسيرتها لـ”انهاء” القطيعة مع الجار الإيراني؟ وهل نتوقع لقاء سياسيا وشيكا بين بن زايد وجواد ظريف بعد زيارة الوفد الاماراتي الأمني لطهران؟ وماذا عن قناة الحوار السرية بين أبو ظبي والحوثيين في صعدة؟ وأين السعودية من كل ذلك؟
المفاجآت القادمة من دولة الامارات العربية المتحدة تتسارع بدرجة غير مسبوقة هذه الأيام، فبعد الكشف عن قرارها بتخفيض عدد قواتها في اليمن، وسحب اعداد كبيرة منها، ها هي اليوم تعلن عن زيارة وفد امني رفيع الى طهران، وسط مؤشرات عن سعيها للتقارب مع هذه الدولة التي كانت تصنف حتى الامس القريب على قمة قائمة الأعداء باعتبارها الأخطر على امن المنطقة واستقرارها.
الوفد التقني الأمني الاماراتي الرفيع ترأسه العميد محمد علي مصلح الاحبابي، قائد قوات خفر السواحل الاماراتي، وضم سبعة اشخاص، وعقد لقاءات مكثفة مع نظيره العميد قاسم رضائي، وحرص الجانبان على توطيد العلاقات الدبلوماسية، والتعاون المشترك لتعزيز امن الحدود في البلدين، وتحقيق الامن المستدام.
اللقاء هو الأول من نوعه منذ عام 2013، وجاء تلبية لرغبة إماراتية، وبعد زيارة قام بها الى موسكو الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية، حيث راجت تقارير إخبارية بأنه طلب وساطة روسية لترطيب العلاقة مع طهران وفتح قنوات حوار معها، تعكس توجها اماراتيا بالتغيير في ملفات عديدة ابرزها حرب اليمن، والخلاف مع ايران.
القيادة الإماراتية بشقيها العسكري والسياسي توصلت الى قناعة راسخة بأنها لن تخرج كاسبة من حرب اليمن التي دخلت نصف العام الخامس من عمرها، وان اندلاع أي حرب في المنطقة ستكون ابرز ضحاياها، في ظل المزاج الاستشهادي لإيران الذي انعكس بالتجرؤ على اسقاط طائرة أمريكية مسيرة، واحتجاز سفينة بريطانية كرد انتقامي على احتجاز ناقلة لها في مضيق جبل طارق، ولهذا بدأت تراجع حساباتها جيدا على الصعد كافة.
الإيرانيون يعتبرون الامارات، وأبو ظبي تحديدا، قاعدة انطلاق أساسية لاي عدوان امريكي عليهم، ولهذا لم يكن من الصدفة استهداف ست ناقلات في خليج عمان قبالة سواحل امارة الفجيرة، مضافا الى ذلك توجيه حركة “انصار الله” الحوثية رسائل جدية بضرب المدن الإماراتية وأهدافها الحيوية من مطارات وموانئ، يعتقد كثير من المراقبين انها جاءت بإيعاز من حليفها الإيراني، فالصواريخ الباليستية والطائرات الحوثية المسيرة الملغمة عطلت الحركة اكثر من مرة في مطارات ابها وجيزان ونجران في الجنوب السعودي، والقوات البرية اليمنية توغلت في المنطقة نفسها، وسيطرت على العديد من النقاط الاستراتيجية، مما يعني انها يمكن ان تكرر الامر نفسه في الامارات، الحليف الأقوى، وربما العربي الوحيد للسعودية في حرب اليمن.
المصادر المقربة من الوسطاء الروس تقول ان المسؤولين الاماراتيين الذين زاروا موسكو طلبوا منهم إيصال رسالة واضحة اليها بانهم يريدون سحب قواتهم بشكل تدريجي من اليمن، ويريدون من ايران ان تتدخل لدى حلفائهم الحوثيين وتوقف أي ضربات تستهدف بلادهم، أي الامارات، ووجدت هذه الرسالة تجاوبا فوريا من طهران.
صحيح ان الوفد الأمني الاماراتي الذي زار طهران كان تقنيا، ولكن هكذا تبدأ الأمور في منطقتنا العربية، فاليوم العميد الاحبابي، وغدا الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الامن القومي، وبعد غد ربما الشيخ عبد الله بن زايد، وهكذا دواليك، والأخير لم يوجه أصابع الاتهام الى ايران، مثلما فعل جون بولتون، مستشار الامن القومي الأمريكي، بالوقوف خلف التفجيرات التي استهدفت ناقلات نفط قبالة سواحل الفجيرة الاماراتي في خليج عمان.
المملكة العربية السعودية التي بدأت تشعر بأنها باتت وحدها في حرب اليمن والتي وصلت اثارها الى العمق السعودي على شكل صواريخ وطائرات مسيرة ملغمة، بدأت تغير اسلوبها الذي يتسم بالتصعيد تجاه ايران، وتنخرط في حال من الغزل غير المسبوق تمثل في اقدام وفد تابع لوزارة الحج والاوقاف السعودية باستقبال الحجاج الإيرانيين بالزهور والحلوى، وهي خطوة لا يمكن ان تحدث الا في الاحلام بالنظر الى المعاملة السعودية الخشنة والعدائية للحجاج الإيرانيين طوال السنوات الخمس الماضية، وشكوى هؤلاء من مضايقات مهينة في المطارات من بينها التفتيش الذاتي والتحرش الجنسي.
لا نعرف ما اذا كانت هذه الخطوات الإنفتاحية الإماراتية على ايران، والانسحاب التدريجي من اليمن، وفتح قنوات اتصال سرية مع حركة “انصار الله” الحوثية، تتم بعلم مسبق مع الشريك الاستراتيجي السعودي، أمم بمعزل عنه، ولكن معظم الدلائل تشير بأن هناك غيوم رمادية، ولا نقول سوداء، تخيم على العلاقات بين البلدين، وكان لافتا غياب اللقاءات بين الصديقين المحمدين، أي وليا العهد في السعودية وأبو ظبي، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، فمنذ اللقاء الأخير بينهما على هامش قمتي مكة العربية والخليجية في أواخر رمضان الماضي، لم ترشح أي اخبار عن لقاءات او اتصالات هاتفية بينهما، مضافا الا ذلك لم يصدر أي رد فعل رسمي او اعلامي سعودي عن مسألة الانسحاب الاماراتي من اليمن.
في ظل التصعيد المتواتر في الازمة الامريكية الإيرانية وتضخم حالة العداء بين الجانبين، والمزاج الاستشهادي الذي تعيشه القيادة الإيرانية الرافضة والمقاومة للركوع لسياسات التجويع والحصار الامريكية، تجد جميع الحكومات الخليجية باستثناء الكويت، نفسها الضحية الأكبر لاي حرب، على أساس المثل الذي يقول، عندما تتصارع الفيلة فان العشب هو الخاسر الأكبر.
حسين دهقان، المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني، هدد بقصف جميع القواعد الامريكية في المنطقة، واطلاق اذرع ايران لضرب المصالح الحيوية لكل حلفاء أمريكا وتدميرها بالكامل بالصواريخ الباليستية، وهذه رسالة قوية لهذه الدول كانت الامارات اول من التقطها، وبدأت في التهدئة والحوار مع ايران لتقليص الخسائر اذا لم يتأت منعها.
هذا التوجه الاماراتي للحوار، واجراء مراجعة لسياسات ثبت عقمها وبدأت تعطي نتائج عكسية، يستحق التنويه، مع التذكير في الوقت نفسه انها الحقت اضرارا كبيرة في سمعتها ومكانتها في المنطقة، علاوة على ضرب اهم انجاز حققته، وهو الاتحاد واللحمة القوية بين الامارات السبع، وهي وحدة بدأت تتضعضع بسبب حالة “التململ” قي بعض الامارات الكبرى مثل دبي والشارقة ورأس الخيمة، من جراء إطالة عمر حرب الاستنزاف في اليمن، وانعكاسها المدمر على الاقتصاد الاماراتي، خاصة في دبي.
ختاما نأمل ان تمتد حالة المراجعات الإماراتية هذه الى سياسة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي بالغ بعض المسؤولين في التودد والحفاوة بالاسرائيليين واستضافة مسؤوليهم في أبو ظبي، واعتبار إسرائيل صديقا وحاميا، وهذا خطأ كبير أثّر على صورة الامارات التي كانت من اكثر الدول قربا الى قلوب العرب والمسلمين.
نهمس في اذن المسؤولين الاماراتيين ونقول ان الجمع بين الإيرانيين والإسرائيليين مثل محاولة خلط الزيت بالماء، ولا نبالغ اذا قلنا ان الماء الإسرائيلي مسموم وقاتل، خاصة ان الخوف من ايران كان ذريعة التطبيع مع إسرائيل والسعي لمظلتها الحمائية، ونقلها من خانة الأعداء الى خانة الأصدقاء.
“راي اليوم”