عبدالباري عطوان : هل ستلجأ القيادة السعودية للحوار مع الحوثيين للخروج من مأزق الحرب اليمينة بعد انسحاب الامارات؟ وما دقة التسريبات الامريكية في هذا الصدد؟
إب نيوز ٨ اغسطس
عبدالباري عطوان :
هل ستلجأ القيادة السعودية للحوار مع الحوثيين للخروج من مأزق الحرب اليمينة بعد انسحاب الامارات؟ وما دقة التسريبات الامريكية في هذا الصدد؟ وكيف ستنعكس حرب الانابة في عدن على المشهد؟ وهل سيتجاوب الحوثيون.. وبأي ثمن؟
لم يفاجئنا التقرير الاخباري الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الامريكية المقربة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتضمن حديث لمسؤول سعودي رفيع كشف فيه عن اقدام حكومته على دراسة “مقترحات” لإجراء مباحثات مباشرة مع الحوثيين لأنها لا تريد الانجرار الى حرب طويلة ومكلفة، وسبب عدم المفاجأة ان الخيارات امام الحكومة السعودية باتت محدودة جدا بعد سحب حليفها الاماراتي لمعظم قواته من اليمن، وتصاعد هجمات الحوثيين الصاروخية على مطارات الجنوب السعودي، وتعطيل حركة الملاحة فيها بشكل مضطرد، وتوغل قواتهم الأرضي في مناطق جازان ونجران وعسير الحدودية، وتصاعد احتمالات الحرب في منطقة الخليج في ظل التوتر الإيراني الأمريكي.
ولعل هذا التوجه السعودي للبحث عن مخارج من حرب اليمن عبر التوصل الى صيغة تسوية مقبولة اصبح اكثر الحاحا بعد الحرب “بالإنابة” التي اشتعلت في مدينة عدن في الأيام القليلة الماضية، بين قوات الحزام الأمني المدعومة من الامارات والحماية الرئاسية المدعومة من قبلها، أي السعودية، وربما تكون حكومة “الشرعية” هي الخاسر الأكبر.
هذه الحرب بالإنابة بين قوات تابعة للحليفين اللذين خاضا حرب اليمن جنبا الى جنب طوال السنوات الخمس الماضية انفجرت عندما قرر هاني بن بريك، نائب الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي اقتحام قصر المعاشيق، مقر الحكومة الشرعية للاستيلاء عليه، وطرد المسؤولين الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي، وربما الاقدام على اعلان انفصال الجنوب رسميا بدعم اماراتي، وسط اتهامات بسيطرة حركة الإصلاح الاخوانية التي تناصبها الامارات العداء، على هذه الحكومة.
تدهور الوضع الأمني في مدينة عدن العاصمة المؤقتة للرئيس هادي، واندلاع الاشتباكات بين القوات الموالية للإمارات والأخرى للحكومة السعودية، هو آخر شيء تريده الرياض في هذا التوقيت الحساس الذي يشهد تصاعدا للتوتر في منطقة الخليج ومضيق هرمز، وفي وقت يحاول الرئيس دونالد ترامب تشكيل تحالف دولي لتأمين الملاحة في مضيق هرمز.
الآراء تنقسم داخل الحكومة السعودية، وفي أوساط المعسكر الحوثي أيضا حول مسألة فتح قنوات الحوار بين الرياض وصنعاء، والثمن الذي يمكن ان يدفعه الجانب السعودي للخصم الحوثي وحلفائه مقابل وقف هجماته الصاروخية، وتوغله في الأراضي السعودية.
المعلومات المتوفرة لهذه الصحيفة تقول ان الجناح العسكري الذي يملك اليد العليا في أوساط قيادة حركة “انصار الله” الحوثية وحلفائها، لا يريد أي تسوية مع السعودية في الوقت الراهن على الأقل، لأنها باتت في وضع ضعيف بعد انسحاب الحليف الاماراتي، وتصاعد العزلة الدولية للسعودية، ولهذا يجب الاستمرار في الحرب واطلاق الصواريخ، والتوغل في الأراضي السعودية الجنوبية للتفاوض مستقبلا، وفي الوقت المناسب، من موقع اكثر قوة، والحصول على اكبر قدر ممكن من التنازلات الجغرافية والمالية من الجانب السعودي الذي يعتقد هذا الجناح انه خسر الحرب، ولم يعد قادرا على الاستمرار وحده فيها، ويريد تقليص خسائره بأقصى قدر ممكن.
لسنا مع المدرسة التي تقول ان الانسحاب الاماراتي من اليمن جاء بالتنسيق مع الحليف السعودي، فلا توجد أي دلائل على الأرض تؤكد نهج هذه المدرسة واقوالها، وما يقال في هذا الصدد هو نوع من “التكاذب” الدبلوماسي، فالحرب الدائرة في عدن حاليا، وإعلان بن بريك النفير العام في صفوف قواته، وبدعم من الامارات لطرد حكومة هادي، تثبت ان العلاقة بين السعودية والامارات تنتقل بشكل متسارع من التحالف الى الخصومة، والحرب بالإنابة، حيث دربت الامارات 90 الف عنصرا يمينا ليقاتلوا من اجل انفصال الجنوب اليمني، أي انها ستستمر بإدارة هذه الحرب من ابو ظبي و”بالروموت كونترول”، وتحت عنوان محدد وهو انفصال الجنوب.
خيارات الحكومة السعودية تبدو محدودة في الوقت الراهن، فالاستمرار في الحرب يبدو صعبا ومكلفا، وفتح قنوات الحوار مع “انصار الله” الحوثية، يتطلب الاستعداد لتقديم تنازلات ضخمة، وربما جغرافية واستراتيجية الطابع أيضا، وعلى اكثر من جبهة، ناهيك عن حجم التعويضات المالية التي ستتصدر مائدة المفاوضات، ومع ذلك يظل الجنوح للسلم والجلوس على مائدة المفاوضات، والاعتراف بالخصم والتجاوب مع معظم مطالبه هو الخيار الأفضل، والاقل كلفة، وسيتم اللجوء اليه في نهاية المطاف.
فكلما طال امد الحرب كلما ازداد الموقف السعودي التفاوضي ضعفا بعد ان أصبحت السعودية الطرف الوحيد فيها، وانهيار ما يسمى بالتحالف العربي.. والله اعلم.
“راي اليوم”