مفهومُ الولاية في الإســلام .

مفهومُ الولاية في الإســلام
3 ايام من الآن / محمد الباشا / متابعات

علي القحوم

المفهومُ الصحيحُ للولاية في الإسْــلَام ليس السلطة فقط، فالإسْــلَامُ دينٌ ودولةٌ ونظامٌ شاملٌ للحياة كلها، لا يمكنُ أن يغفلَ جانباً من جوانبها، ولا أن يفسحَ للضالين والمضلين أن يحكموا هذه الأُمَّـة.. فعندما نتساءل ما هي الولاية في الإسْــلَام؟، وهذا ما تطرق إليه القُــرْآنُ الكريم، حيثُ نرى في سور كثيرة تتحدَّثُ عن السلطة في الإسْــلَام بأنها ولايةُ رحمة لا تسلُّط، فلو ننظر ونتفكر في واقع حياتنا ونتأملُ في السماواتِ والأرض وما بينهما من خلق الله نجد أن ولاية الله سُبْـحَـانَـهُ وَتَعَالَـى هي ولاية رحمة، ولاية رعاية، ولاية تربية، ليست مجرد سلطة هكذا، سلطة قاسية، أوامر ونواهي فقط، ولاية رحمة بكل ما تعنيه الكلمة وكذلك عندما نأتي إلى الرسول الخاتم محمد بن عبدالله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ) ونتعرف عليه من خلال القُــرْآن الكريم نجد أَيْضاً أنه كان يجسّدُ هذه الولاية فقال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }..

إذًا فهذا هو مفهومُ الولاية في الإسْــلَام، وهذه هي مهامُّ الولاية في الإسْــلَام، ليست فقط سلطة تنفيذية، سلطة أوامر ونواهي جافة، وتجبر وتسلط وقهر، وأشياء من هذه أبدًا؛ لأَنَّه فعلاً يحصل تساؤلاتٌ كثيرة حول النظام السياسي في الإسْــلَام، أَو حول السلطة السياسية في الإسْــلَام، فالسؤالُ من أصله غيرُ صحيح؛ لأَنَّه في واقع الناس ليس هناك فصل ما بين سياسة، واقتصاد، واجتماع، وثقافة، وتربية، ورعاية، ليس هناك فصل فيما بينها فمن أين جاء ترسيخ السلطة بهذا المفهوم؟.. فولايةُ الأمر بالمفهوم القُــرْآني هو وحدَه الذي يمكن أن يحصّنَ الأُمَّـة من أن لا يَلِي أمرَها اليهود، أما المفاهيم الأُخْــرى من يقل “أطِع الأمير وإنْ قصم ظهرَك، وإن كان لا يهتدي بهدى ولا يَسْتَنُّ بسُنة”، فإن هذا مما يهيئُ الأُمَّـة لأَن يَلِي الأمرَ اليهودُ أنفسُهم بالطريقة التي صنعوها وأسمّوها “الديمقراطية” والتي تعتبر نظاماً هشًّا وليس لها معايير ولا مقاييس مستمدة من ثقافة هذه الأُمَّـة ومن دينها وقيمها الإسْــلَامية..

ففي السنة العاشرة للهجرة التي أعلن فيها الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْــهِ السَّلَامُ والذي جمع فيها أَكثرَ من مِئة ألفٍ من الحجاج، وصعد فوق أقتابِ الإبل ليرفع يده ويد علي ليقول للجميع “يا أيها الناس إن اللهَ مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وَالِ من وَالاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخْذُل من خَذَله” بعد خطبة طويلة، بلغ فيها الأُمَّـة ما تلقاه عن الله بخصوص ولاية أمرها..

وبعد مرور ألف وأربع مِئة وثلاثة وثلاثين عاماً من هجرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وبعد نحو ألف وأربع مِئة عاماً من عام الغدير تأتي هذه الذكرى والأمة الإسْــلَامية والعرب بالذات مقبلون على فرض ولاية أمرٍ من نوع آخر، ولاية أمر يهودية، ولاية أمر صهيونية كي تعلم الأُمَّـة الإسْــلَامية كم كانت خسارتها يوم أن رفضت إعلان ولاية أزكى وأطهر وأكمل شخص بعد نبيها، فها هي اليوم تقف باهتة، تقف عاجزة تنتظر ولاية من نوعٍ آخر.. إنها ولايةُ الأمر اليهودية الصهيونية، لماذا تغمضون أعينَكم أمامها وتفتحون أعينكم على من ليس منطقهم بأَكثرَ مما قاله الرسول عَلَناً على مرأى ومسمع من الجميع في مثل هذا اليوم..

بالتالي ما أعظمَ كلمة (هذا) في هذا المقام، و(هذا) هذه الإشارة الهامة هي التي يسعى الصهاينة اليوم إلى أن يمتلكوها بعد أن ضيعناها نحن، بعد أن ضيّعت هذه الأُمَّـة عقيدتها في مَن يملك أن يقول لها (هذا، أَو هذا)، جاءها اليهود ليقولوا لها (هذا)! أوَليس الجميع الآن ينتظرون من ستقول أَمريكا له ليحكم العراق: “هذا هو حاكم العراق؟” “هذا هو حاكم أفغانستان؟” “هذا هو حاكم اليمن” وَ“هذا هو حاكم الحجاز” وَ“هذا هو حاكم مصر” وَ“هذا هو حاكم سوريا”، وهَلُمَّ جَرَّا.. إن كلمة (هذا) تعني هذا هو اللائق بهذه الأُمَّـة التي يُراد لها أن تكون أُمَّـة عظيمة، هذا هو الرجل الذي يليق أن يكون قائداً وإماماً وهادياً ومعلماً ومرشداً وزعيماً، لأمة يراد لها أن تتحمل مسؤولية عظيمة، يُنَاطُ بها مهام جَسِيْمة، هذا هو الرجل الذي يليق بهذه الأُمَّـة، ويليق بإلَهِهَا أن تكون ولايته امتداداً لولاية إلهها العظيم، هذا هو الرجل الذي يليق بهذا الدين العظيم أن يكون من يهدي إليه، أن يكون من يقود الأُمَّـة التي تعتنقه وتَدِيْنُ به وتتعامل مع بقية الأمم على أساسه يجب أن يكون مثل (هذا) رجلاً عظيماً لِيَلِيقَ بدين عظيم، بأمة عظيمة، برسول عظيم، بإلهٍ عظيم، وبمهام عظيمة وجَسِيمَة..

في المقابل هل يُتَوقَّعُ من أَمريكا، ومن تل أبيب أن تقولَ للأُمَّـة الإسْــلَامية (هذا) إلا إشارة إلى رجل لا يهمه سوى مصلحة أَمريكا؟ يكون عبارة عن يهودي يحكم الأُمَّـة مباشرة، أَو أمير يهودي أَو شبه يهودي يحكم إقْلِيماً معيناً فيكون الجميع كلهم ينتظرون من الذي ستقول له أَمريكا أَو تل أبيب (هذا) وها هم الآن يثقفوننا بهذه الثقافة وفي ذات الوقت حينما كانت المخابرات الأَمريكية هي التي تغير بالسِّرّ، فتُطلِّع هذا أَو تضع هذا، واليوم أصبحت تخاطب الشعوب نفسها؛ لأَنَّها تريد أن تفهم الجميعً بأن لها الحق في أن تقول (هذا) لترسخ في مشاعر وأذهان المسلمين أنها القادرة وصاحبة القرار في تعيين أي زعيم في أي بلاد من بلدان المسلمين..

فأمامَ ما يعملُه اليهود بالأمة الإسْــلَامية من تغيير ثقافتها ومسخ هُوِيَّتها وفك ارتباطها بالقُــرْآن الكريم وبالرسول يتحتم على المسلمين أن يرجعوا إلى مفهوم الولاية في الإسْــلَام بشكلها القُــرْآني لكي يخرجوا من تحت إقدام اليهود ومن ولايتهم ولذا يجب أن نتفهم، وَإِذَا لم نتفهم فسيفهمنا الأَمريكيون وعملاؤهم معنى الولاية ومن ثم يقولون لنا هكذا ولاية الأمر في الإسْــلَام، وهكذا يكون ولي الأمر، وستراه يهودياً أمامك يَلِي أمرك.. فحينما جهلت الأُمَّـة في ماضيها بولاية الأمر، وأهميّة ولاية الأمر جعلها عرضة لولاية أمر من نوعٍ آخر وبهذا أصبحت ضحية لسلاطين الجور، فالجهل الذي امتد من ذلك الزمن، وفي هذا الحاضر هو نفسه الذي سيجعلها ضحية؛ لأَنَّ يملك تعيين ولاية أمرها وتثقيفها بمعاني ولاية الأمر فيها، وتعيين من يَلِي أمرها، هم اليهود الصهاينة من الأَمريكيين والإسرائيليين..

إن من لا يعلنون ما أعلنه الرسول في هذا اليوم هم من يَصِمُون الله في حكمته، وفي عدله، وفي رحمته، هم من يضيفون النقص إلى الله فكيف يجوز على الله سُبْـحَـانَـهُ وَتَعَالَـى، الذي سمى نفسه بالحكيم، العليم، العدل، الذي سمى نفسه بالرحمن الرحيم، أن يأتيَ لينظم شؤون كُــلّ أسرة، لينظم حتّى المواريث، ثم لا ينظم شأن الأُمَّـة، ويترك الأُمَّـة دون أن ينظم أمرها! لكن الآخرين جوزوه على الله، ولما جوزوا على الله أن يكون أهمل شأن الأُمَّـة رأينا عشرات الخلفاء، والرؤساء، والزعماء الذين هم بعيدون عن الإسْــلَام يتقافزون على حكم المسلمين، وعلى أكتاف المسلمين جيلاً بعد جيل..

إنه دينُ الله الحكيم، الذي نزله الحكيم، على رسوله الحكيم، دين عظيم، من إله عظيم، نزل على رسول عظيم؛ لينشأ أُمَّـة عظيمة، لا مجال فيها لهؤلاء الضعاف، لا مجال فيها لهؤلاء الأقزام، الذين وجدناهم أقزاماً أمام اليهود..

أليس خزياً علينا نحن المسلمين أن نرى زعماءَنا، وهم ما يقارب الخمسين زعيماً كلهم يقفون راكعين مطأطئي رؤوسهم أمام اليهود؟ هل هذا هو الإسْــلَام؟ لا يجوز أن يكون هذا من الإسْــلَام، ولا علاقة لهذا الموقف بالإسْــلَام، ولا شرعية لهذه النوعية أبداً في الإسْــلَام..

You might also like