ثلاثةُ أسباب وراء ضعف الرياض أمام أبو ظبي.
علي عبدالوهاب الدرواني
لم يعد خافياً حالةُ الصراع الدائرة الآن بين الرياض وأبو ظبي في الجنوب اليمني المحتلّ، والتي وصلت إلى ما وصلت إليه من سيطرة أدوات الإمارات ممثلة بما يسمى المجلس الانتقالي ومليشيات الحزام الأمني، على عدن وأبين وطرد ألوية الحماية الرئاسية التابعة للخائن هادي والموالية بالتالي للرياض.
الإماراتُ التي تتقدمُ على الأرض وتفرضُ سيطرةَ أدواتها في عدن وجوارها المحتلّ، لم تلقَ أيةَ معارضة سعودية فاعلة على الأقل إلى لحظة كتابة هذه السطور، عدا ما سمعناه من بياناتٍ ساخنةٍ من قيادة التحالف وحكومة الشرعية الموهومة، والتي لم يلحقها أيَّ تحَــرّك على الأرض رغم القدرة السعودية على دعم أدواتها وإسنادها بالطيران، وهنا يبرُزُ السؤال الهام عن الأسباب التي تقفُ خلف العجز السعودي عن الدخول في هذه المواجهة.
وتبدو الإجابَة سهلةً من خلال وجهة النظر التي تقول: إن ما جرى في عدن دليلٌ على التواطؤ السعودي الإماراتي والتوافق من أجل إخراج هذه المسرحية وتنفيذ الأهداف المرسومة لتفتيتِ وتمزيق اليمن، وهي وجهةُ نظر تُحترمُ، وإن كانت غير منطقيةً، أولاً: لأَنَّ الرياض وأبو ظبي حتى هذا التوقيت لا تزالان بحاجةٍ إلى مزعوم الشرعية والحفاظ عليها لتبرير استمرار عدوانهم على الشعب اليمني، وثانياً: لأَنَّ طبيعةَ الأحداث على الأرض تنفي افتعالَ هكذا نوع من المسرحيات، فمنذ احتلال عدن لم تشهد المدينة أيةَ حالة من الاستقرار الأمني والسياسي ولو شكلياً؛ بسَببِ الصراعِ المحتدم بين أدوات العدوان على الأرض، ورغم ادّعاء تحالف العدوان إعادَةَ الشرعية إلى عدن، إلّا أن هادي ووزراءَه ظلوا في فنادق الرياض، إلى أن حصل الاشتباكُ الدامي في عدن قبل عامين وتوصلت حينها الرياضُ وأبو ظبي إلى توافق -كما يبدو- للسماح بحكومة بن دغر بالبقاء في عدن مقابل بقاء هادي في الرياض، وهو الأمر الذي قبلته الرياض على مضض، ويدل على أن الأمورَ بين الرياض وابو ظبي لا يمكن أن تكونَ على أحسن حالاتها، كما لا يمكن أن يكونَ كُلّ هذا مجرد مسرحيات، فالواضحُ أن الإمارات تبني نفوذاً جديداً خارج حدودها، وبالتحديد في الجزيرة العربية على حساب السعودية، كما تبني نفوذاً يعتد به خارجَ حدود الجزيرة العربية أيضاً، كما هو معلومٌ للمتابعين.
النفوذُ الإماراتي في اليمن وبالتحديد في المحافظات الجنوبية الساعية للانفصال يعني أن الإمارات ستكونُ نافذةً في مساحة كبيرة في الجزيرة العربية، بما فيها من سواحلَ وجزرٍ ونفط وغاز، وهو ما يعطيها أوراق قوة إقليمية في وجه السعودية؛ من أجل تسوية الخلافات معها لا سيما في حقل الشيبة لنفطي الذي عادت إليه الأضواء مؤخّراً مع ضربة الطيران المسيّر اليمني، والذي ينتج أكثر من مليون برميل نفط يومياً بما يعنيه من ثروة هائلة تتحسّرُ أبو ظبي على فقدانها لصالح الجشع السعودي.
ولهذا وبعيداً عن نظرية التوافق السعودي الإماراتي في أحداث عدن الأخيرة وما تلاها في أبين وشبوة، وبناء وجهة النظر التي ترجّح وجودَ خلاف عميق وصدام سعودي إماراتي في اليمن، فهناك أسبابٌ منطقية للإرباك السعودي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط:
الأولى: رغبةُ الرياض بإبقاء التحالف الذي تقوده للعدوان على اليمن في حالة من التماسك المقبول لإتمام الأجندة السعودية أَو على الأقل إلى حين إيجاد طريقة للخروج من هذا المستنقع، لا سيما وهي غير مستعدة لخسارة الإمارات في هذا التوقيت وهي التي تتحملُ الكثيرَ من الأعباء السياسية والمالية والعسكرية والأخلاقية أيضاً إلى جانب الرياض.
الثانية: لا يخفى الاعتمادُ الكبيرُ من قبل السعودية على المرتزِقة المختلفين بل والمتناقضين في الأجندات والتوجّهات، من أمثال الانفصاليين والوحدويين، وهي لا تستطيعُ أن تدعمَ جهةً على حساب جهة أُخرى؛ لأَنَّها في الحالتين ستخسر كتلة لا بأس بها من المرتزقة الذين تحمي بهم حدودها الجنوبية من هجمات الجيش واللجان الشعبية، ولا سيما لو دخلت في عداء مع المجلس الانتقالي الذي بات مؤثراً على الساحة الجنوبية وقد ينسحب كثيرٌ من المقاتلين الجنوبيين إلى جانب السعودية في نجران وجيزان وعسير، وهو ما يضعُ السعوديةُ بين نارين، نار السكوت على التوسع الإماراتي الخطير في خاصرتها الجنوبية، ونار استعداء مكوّن هام في تكتل المرتزقة التابعين لها، إلى جانب الارباك في الحفاظ على مزعوم الشرعية كذريعة لعدوانها على اليمن ومحاولة فرض نفوذ السعودية على صنعاء.
النقطة الثالثة: هي سقوطُ الهيبة الإقليمية السعودية بعد فشلها في مواجَهة الشعب اليمني الذي صنع صموداً منقطعَ النظير، وأصبح مثَلاً يُحتذى حتى من مرتزقة تحالف العدوان، وقد رأينا بيانُ ما يسمى بالمجلس الانتقالي حين أشار إلى هذا الصمود كمثال يُحتذى رداً على تهديد الرياض باستخدام القوة ضد قوات الحزام الأمني إنْ لم تنسحب من عدن، وأخذ الانتقالي من فشل السعودية في القضاء على قوات صنعاء على مدى خمس سنوات دليلاً على القُدرة لمواجهة ترسانة الرياض التي لم تعد تخيفُ أحداً، وهذا البيانُ بطبيعة الحال هو بيانُ أبو ظبي على لسان أدواتها.. إن سقوطَ هيبة السعودية في الجزيرة هو ما شجّع الإمارات على خوض غمار الصدام ودعم أدواتها في وجه أدوات الرياض علناً، وهو أيضاً ما شجّع قطر على مواجهة الرياض وتحالفها الرباعي.
ختاماً، إن انتفاخَ الإمارات في وجه السعودية سيكونُ بدايةً واضحةً لانتهاء دور الرياض في الجزيرة العربية بشكل خاص وفي الإقليم بشكل عام، وستكونُ له تداعياتٌ حتميةٌ على الداخل السعودي ستظهر تباعاً خلال الأَيّـام أَو الشهور القادمة، وسيرتدُّ عدوانَها على اليمن وبالاً عليها، وستندمُ حينَ لا ينفعُ الندم.