ما وراء المفاوضات السرية المزمعة بين أمريكا وصنعاء مباشرة ؟
متابعات:
وفقاً لما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية فإن مفاوضات سرية بين الأمريكيين والحوثيين كممثلين عن سلطة صنعاء مباشرة في سلطنة عمان تهدف – حسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين – إلى وقف الحرب في اليمن وقناعة أمريكا باستحالة انتهائها عسكرياً. واشنطن أيضاً – حسب المسؤولين المتحدثين للصحيفة – تسعى للضغط على السعوديين للمشاركة معهم في مفاوضة أنصار الله مباشرة وبشكل سري في عمان. غير أن مراقبين يرون أن هذه المفاوضات وإن أخذت عنوان “وقف الحرب في اليمن”، إلا أن لواشنطن أهدافاً تسعى لتحقيقها وهي من وجهة نظرها أهم من إطالة الحرب في اليمن بالمثل أيضاً فإن التوجه الأمريكي الأخير يقود إلى عدة مؤشرات وحقائق بشأن أنصار الله والحجم الحقيقي الذي يمثلونه وسلطة صنعاء في المنطقة بأكملها.
من بداية الحرب على اليمن وواشنطن تدرك أن طهران ليس لها أي سلطة تأثير على جماعة أنصار الله وسياستهم التي يتبعونها غير أنها عملت على استغلال شماعة “ذراع إيران” لتبرير تدخلها العسكري في اليمن كونها تدرك ردة الفعل الدولية إذا لم تجد مبرراً لتدخلها في اليمن عسكرياً ودعمها للتحالف السعودي رغم المجازر التي ترتكب بحق المدنيين. وما ورد اليوم في الصحيفة الأمريكية هو دليل إضافي واعتراف أمريكي جديد – طبعاً إلى جانب الاعترافات السابقة لمسؤولين وسياسيين وقادة عسكريين أمريكيين – أن أنصار الله في اليمن غير خاضعين لإيران وليسوا أداة بيدها كما هو الحال مع خصومهم اليمنيين التابعين للسعودية والإمارات وهو اعتراف أمريكي أيضاً أن لأنصار الله سياستهم الخاصة والمستقلة في المنطقة، ولهذا حين قررت واشنطن – حسب ما تدعي – إنهاء الحرب في اليمن، قررت التفاوض مع الحوثيين مباشرة وبشكل سري، ولم تقرر التفاوض سرياً مع إيران لعلمها أن الأخيرة لا تملك أي سلطة على صنعاء وأنصار الله.
مؤخراً وبعد العملية العسكرية التي نفذها سلاح الجو المسير التابع لوزارة الدفاع بصنعاء واستهدفت حقول ومصفاة الشيبة النفطية السعودية جنوب شرق المملكة مطلع أغسطس الجاري ظهر زعيم أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي في خطاب متلفز وأكد بأن إيران ليس لها أي سلطة على صنعاء ولا تستطيع فرض أي قرار أو توجيه لصنعاء، ونفى أن يكون التصعيد الصاروخي والجوي ضد التحالف السعودي الإماراتي يأتي في سياق الصراع البارد بين إيران وواشنطن مشيراً إلى أن هذا التصعيد هو استراتيجية عسكرية لصنعاء هدفها الضغط على التحالف لإنهاء الحرب ورفع الحصار.
مهدي المشاط رئيس مجلس الرئاسة في صنعاء المعروف باسم “المجلس السياسي الأعلى” والعميد يحيى سريع المتحدث باسم وزارة الدفاع اليمنية في صنعاء ومحمد عبدالسلام المتحدث باسم جماعة أنصار الله ورئيس الوفد الرسمي المفاوض عن سلطة صنعاء ونائب وزير الخارجية بحكومة صنعاء حسين العزي جميعهم أعلنوها صراحة في تصريحات رسمية موثقة أنهم سيصعدون هجماتهم ضد التحالف السعودي الإماراتي وأن هذه الهجمات ستتم باستخدام الطائرات المسيرة محلية الصنع والصواريخ الباليستية التي يجري تطويرها باستمرار في مراكز الأبحاث العسكرية والحربية لوزارة الدفاع بصنعاء، وأن هذا التصعيد سيشمل بنك أهداف مكون من (300) هدف ما بين عسكري واقتصادي وحيوي.
وبالفعل لم تمر سوى أيام حتى بدأت صنعاء بتصعيدها الهجومي ضد التحالف السعودي الإماراتي استهدفت أهدافاً تابعة للإمارات داخل اليمن – جنوباً – وأهدافاً تابعة للسعودية داخل السعودية وداخل اليمن أيضاً وكررت صنعاء تحذيراتها أنها سوف تستمر في تصعيدها الهجومي ضد التحالف إذا لم يتوقف عن استهداف اليمن ورفع الحصار، وبالفعل قصفت صنعاء أهدافاً حيوية جداً واقتصادية ذات أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد السعودي وعلى رأسها قصف أنابيب نقل النفط في الدوادمي وينبع وقصف الدمام وقصف منشأة الشيبة، هذا بالإضافة إلى قصف المطارات بشكل شبه يومي وقصف القواعد العسكرية والجوية وغيرها من الأهداف التي تم قصفها ولا تزال غير معلنة.
وكانت قيادة السلطة في صنعاء واضحة في تصريحاتها حيث قالت إن هدفها من هذا التصعيد هو الضغط على السعودية والإمارات إلى إنهاء الحرب وأن صنعاء قررت السير في استراتيجية عسكرية جديدة تُجبر الرياض وأبوظبي على الخروج من اليمن رفع يدها عن البلاد نهائياً ورفع الحصار وأن ذلك لن يحدث إلا إذا تم التعامل معها على قاعدة “العين بالعين والسن بالسن”.
اليوم وبعد كل هذا التصعيد العسكري لصنعاء ضد السعودية، ها هي تُجبر الرياض وأبوظبي وواشنطن على البحث عن مخرج من هذه الحرب وها هي واشنطن اليوم تبحث عن عقد مفاوضات سرية مع الحوثيين لإنهاء الحرب وليس من المستبعد أن تكون الرياض هي من طلبت من واشنطن القيام بهذه الخطوة لوقف حالة الانهيار في سمعتها واقتصادها الذي يتهاوى يومياً مع كل صاروخ باليستي أو طائرة مسيرة تستهدف بها صنعاء السعودية.
رغم أن المفاوضات السرية التي ترتب لعقدها واشنطن بينها وبين أنصار الله في عُمان تحمل عنوان “وقف الحرب” إلا أن مراقبين سياسيين عرب من سوريا ولبنان ومصر والكويت يرون أن هناك مخاوف أمريكية من أن يكون لليمن – سلطة صنعاء – دوراً عسكرياً في أي مواجهة عسكرية مقبلة بين واشنطن وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة ضد قوى المقاومة لإسرائيل ممثلة بالمقاومة الفلسطينية ولبنان – حزب الله – وسوريا والعراق وإيران.
السبب في ذلك حسب المراقبين هو تعاظم قدرة صنعاء العسكرية، فصنعاء لم تخف من واشنطن وأسقطت عليها طائرتين مسيرتين من أحدث الطائرات المسيرة الأمريكية تتبعان وزارة الدفاع حسب اعتراف “البنتاغون” نفسه، وهو ما يعني أن صنعاء بلغت من القدرة والقوة العسكرية ما يمكنها من توجيه ضربات لأمريكا بشكل مباشر، وليس من المبالغ فيه القول بأن ما فعلته صنعاء بالطائرات الأمريكية يضعها في مكانة تضاهي طهران التي أسقطت هي الأخرى طائرة أمريكية مسيرة، معنى ذلك أن مشاركة اليمن في أي حرب إقليمية قادمة وهو بهذه القوة سيقلب موازين القوة وينسف حسابات واشنطن العسكرية ولهذا ترى أن أفضل حل لتحييد مشاركة اليمن هو التفاوض مباشرة مع صنعاء على إنهاء الحرب في اليمن – وإن مؤقتاً -.
باختصار “هدف واشنطن الأساسي من هذه المفاوضات هو تحييد اليمن عن حلف المقاومة وضمان عدم وقوف صنعاء عسكرياً مع المقاومة الفلسطينية أو حزب الله أو سوريا أو العراق في حال شنت واشنطن وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة هجوماً عسكرياً عليها، بالإضافة إلى أن شيئاً رئيسياً تهدف واشنطن إليه من عزمها التفاوض مع صنعاء لإنهاء الحرب وهو ضمان إبقاء باب المندب خارج الحسابات العسكرية لصنعاء وعدم استخدامه من قبل اليمن لقطع وريد إسرائيل الجنوبي في أي حرب قادمة في المنطقة” نقول ذلك لأن وقف الحرب في اليمن وقبول واشنطن بيمن جديد لا يخضع لهيمنتها أو هيمنة أدواتها في المنطقة كالرياض أو أبوظبي سيجعل اليمن وأنصار الله خلال المرحلة المقبلة على الأقل منشغلين بإعادة الإعمار والتعافي من الحرب المنهكة وبناء الدولة ولن يكونوا – من وجهة نظر واشنطن – متفرغين لخوض حرب جديدة إقليمية أو المشاركة فيها وهذا بالنسبة لواشنطن هدف رئيسي وأهم من منع أنصار الله للوصول إلى السلطة.
هناك احتمال آخر من وراء بحث واشنطن عن مفاوضات سرية مع الحوثيين والاتفاق معهم لإنهاء الحرب وهو احتمال ليس بضعيف وسبق أن أشارت إليه مراكز دراسات عملاقة في واشنطن، وهو أن استمرار الحرب في اليمن لا يؤدي إلا إلى زيادة القوة العسكرية لأنصار الله وسلطة صنعاء وتعاظم هذه القوة وزيادة القدرات التسليحية وإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وأن الهدف الأمريكي من هذه الحرب المتمثل في القضاء على السلاح اليمني القديم لم يتحقق بل إن إطالة الحرب لم تؤدِ إلا إلى صعود قوة شعبية في اليمن تتزعمها حركة “أنصار الله” هذه القوة حولت السلاح اليمني القديم إلى أسلحة جديدة واستطاعت بطريقة أو بأخرى أن تحوّل اليمن من مستورد للأسلحة إلى منتج للأسلحة وعلى رأسها الصواريخ الباليستية.
بالتالي فإن وجهة النظر الأمريكية من استمرار الحرب على اليمن لا تحقق أهدافها فحسب بل إنها تسببت بزيادة القوة العسكرية لصنعاء وبدلاً من القضاء على أنصار الله تسببت الحرب والفشل السعودي الأمريكي فيها بتعاظم قوة أنصار الله والتفاف بقية اليمنيين حولهم وبدلاً من تدمير السلاح اليمني السابق والذي تم شراؤه على مدى سنوات من كل من روسيا وكوريا الشمالية وأمريكا والصين ها هي اليمن اليوم تصنع أسلحتها بنفسها وتنتج صواريخ باليستية تعجز الدفاعات الجوية الأمريكية المنصبة داخل الأراضي السعودية عن التصدي لها، الأكثر من ذلك أن اليمن أضاف سلاحاً جديداً يمكن استخدامه في المعارك والحروب العسكرية بين الدول وهي الطائرات المسيرة وطالما استمرت الحرب على اليمن فإن أنصار الله ستبقى لديهم الحجة والذريعة في إنتاج الأسلحة المتطورة واستمرار تطويرها لكن وقف الحرب سيدفعهم إلى الاتجاه نحو المجالات الأخرى كبناء الدولة والاقتصاد وغيرها والتخفيف من إنتاج السلاح الذي تتخوف من تزايده واشنطن.
(يحيى محمد)