اليمانيون ودورهم في الهجرة وتأسيس دولة الإسلام .
إب نيوز ٣١ اغسطس
كتبت/ سعاد الشامي
لايمكن قيام دولة بلا شعب يسكن أراضيها وبدون سلطة تنظم أمورها الداخلية والخارجية. وإفتقار الدولة أو فقدانها لأحد أركانها الثلاثة والتي هي الأرض والشعب وسلطة الحكم سيؤدي تلقائياً إلى إختلال موازين الدولة وانهيارها.
وضمن منهج إستخلاف الحياة وشريعة الله في تدابير شؤون الكون وفق المبادئ الربانية والقيم الآلهية كان إرسال الله للرسل والأنبياء ومنحهم سلطة الحكم وتنزيل الكتب عليهم كدساتير سماوية لحكم البشر وهدايتهم وتحقيق الغاية السامية التي من أجلها خلق العباد. وكان الله قد أعد لحمل الرسالة الخاتمة لكل الرسالات السماوية أعظم شخصية في تاريخ البشرية محمد صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين ليجعله رسولاً للعالمين ويوهبه من العلم ما لم يهبه أحد من خلقه أجمعين. فكان القائد العظيم والسياسي الفذ والإقتصادي العبقري والعسكري المحنك والمعلم البارع والمربي الحكيم الذي لم يؤسس دولته الإسلامية على مبادئ النظريات الوضعية التي يشوبها القصور ولم يستند في حكمه إلى ميول النفس البشرية المندفعة على حب الذات والمجبولة على الشهوات والأطماع؛ بل أسسها على نظام سماوي محكم من لدن خبير عليم كفيل بتحقيق السعادة والصلاح لكل بني البشر.
بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والعرب يعيشون أسوأ مرحلة من مراحل الضلال وسُمِّي ذلك العصر بالعصر الجاهلي نسبة إلى جهلهم الإنساني وغيهم العقائدي وضلالهم الفكري وعاداتهم السيئة التي تتنافى مع طبيعة الإنسان وفطرته ، فلا وزن لهم ولا دولة تجمعهم ولا قيادة أو حكومة تمثلهم وترعى مصالحهم وتصلح شأنهم ولا منهج فكري سليم يوحد مسارهم ويوجه قواهم نحو غاية سامية وهدف عظيم في هذه الحياة.
إستمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدعو قريش إلى دين الإسلام عشرة أعوام لعلهم ينالوا شرف السبق في بناء دولة الإسلام وقيادة الناس وحمل رسالة السماء كونهم قومه؛ متحملاً عتوهم وصابراً على عنادهم وجحودهم وطغيانهم حتى عاتبه الله بقوله {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}. مؤكداً له بأن لا جدوى من محاولاته مع قوم فسدت قلوبهم وتاهت أرواحهم وعميت بصائرهم عن تقبل هدي الله بقوله تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
خسر المجتمع المكي شرف نيل حمل رسالة الإسلام ونصرة النبي الأعظم وأدرك محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن بيئة قريش لم تعد هي الأرض الخصبة لنشر الإسلام. واتجه للبحث عن قوم آخرين في مكان آخر ليكونوا انصاره ويحملون معه هذه المسؤولية المقدسة. وشاءت إرادة الله أن يؤهل اليمنيين ليحظوا بهذا الشرف الرفيع والمكانة العظيمة. فعقد عليه الصلاة والسلام مع قبيلتي الأوس والخزرج اليمنية بيعتي العقبة الأولى والثانية والتي مثلت الخطوة الأولى في تأسيس دولة الإسلام بعد أن توفرت أركانها الثلاثة فالشعب هم المهاجرين والأنصار والأقليم يثرب والسلطة بيد الله والنبي هو إياها كما منحها لكافة رسله السابقين.
وفي يثرب وبعد الهجرة وبفضل الأنصار شرع النبي عليه السلام في اتخاذ الخطوات اللازمة لإعلان دولة الإسلام. وتمثلت تلك الخطوات بمايلي:-
1_ دمج المجتمع الجديد بكيان واحد وإلغاء كل المسميات السابقة لهم وجعلهم مجموعة واحدة سميت بجماعة المسلمين ومساواة جميع أفرادها في الحقوق والواجبات دون تمييز.
2_ إذابة الفواصل بين أفراد المجتمع من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وزرع روح المحبة والإيثار وترسيخ مبادئ الأخوة الإيمانية .
3_ بناء المسجد كمقر للعبادة ومبنى للحكم وإدارة شؤون الدولة وتعليم المؤمنين مايأهلهم لحمل المسؤولية العظيمة التي تنتظرهم.
.
4_ إعلان القرآن الكريم دستوراً للدولة والنظام الداخلي لكل مؤسسساتها.
5_ إعلان عاصمة دولة الإسلام وتسميتها بالمدينة المنورة.
6_ تحقيق عامل الإستقرار للدولة والأمن والأمان للمجتمع من خلال تفعيل العلاقات الخارجية مع المجتمعات القريبة من المدينة وإبرام معاهدات مع الجماعات الأخرى على أسس حسن المعاملة والجوار واحترام الحقوق بين كل الأطراف.
7_ البدء بإعداد جيش الدولة وتدريبه وتأهيله نفسياً وجسمياً من خلال ثقافة القرآن الكريم؛ واستعداداً لمرحلة بناء الدولة وتجهيز الحماية لها والسعي لتوسيع رقعتها.
وهكذا أسس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبمعية الأنصار قاعدة دولة الإسلام بأركانها القوية التي تضمن العزة لها والعلو للمؤمنين وتظل قوية ودائمة. وتنطلق وهي مؤهلة في كل زمان ومكان للقيام بدورها في حمل رسالة السماء ونشرها لتصل مشارق الأرض ومغاربها.
وبناء عليه كان اليمانيون من اوائل المؤمنين مع رسول الله وكان يعتمد عليهم في جميع غزواته في الوقت الذي خذله أقاربه وتآمروا عليه. وكان لهم مكانة خاصة عند الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال فيهم :
اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا : يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال الثالثة : هناك الزلازل والفتن ، وبها يطلع قرن الشيطان.